الإسلاميون... وإرث التاركين للشريعة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فقد وصف الله - تعالى -
كل حكم يُحِلُّه البشر مكان أحكامه المنزلة بأنه حكم الجاهلية، وفي ذلك سرٌّ من
أسرار القرآن؛ فليس هناك وصف أدق من (الجهل) يمكن أن يوصف به مَن فضَّل هوى
المخلوق المحدود في عقله وعلمه وحكمته، على هدى الخالق صاحب العلم المطلق والعدل
المطلق والحكمة المطلقة، والأسماء الحسنى والصفات العلا كلها. إن أهواء الناس
تتعدد وتتلون بتعدد الطبائع واختلاف الأمزجة وتفاوت مستويات العقول في معرفة
الصواب من الخطأ والحق من الضلال. وعندما يغيب حكم الله، فليس ثَمَّ إلا الهوى،
وعندما تختار أمة من البشر أن تسلك طريقاً يوافق هواها، غير ما هداها إليه خالقها
ورازقها ومدبر أمرها؛ فإنها لا تعبِّر بذلك إلا عن عميق الجهل الممزوج بمريب الشك،
والموصل إلى سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
لنتأمل كيف ساق الوحي هذه
الحقيقة بكلمات معجزة دقيقة، كما في قول الله - تعالى -: {وَأَنِ
احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ فَإن
تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: 49]، {أَفَحُكْمَ
الْـجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ
يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، فبقدر قوة عقل الإنسان
وإيمانه ويقينه، تكون ثقته في حُسْن الشريعة وتمامها؛ لذا جاء الاسـتفهام الإنكاري
في الآية: أيعـدلون عن حكم مَن أودع أسرار أسمائه وصفاته كلها في شرعه؛ فأنزله
بعلمه، وأودعه حكمته، وأظهر فيه لطفه وستره، وجعلـه منهـاجاً ممن له الأسماء
الحسنى؟ أيعدلون عن ذلك كله ليُحِلُّوا محله مناهج الظلوم الجهول الذي خلق ضعيفاً
وخُلِق من عَجَل وكان أكثر شيء جدلاً؟
الجاهلون عندمـا
يحكمون:
منذ أن ابتُليَت أمتنا
بالاجتياح الاستعماري طوال القرن الماضي، كان المستعمرون الكافرون يعلمون أنهم -
حتماً - خارجون بجيوشهم؛ ولذلك حرصوا على البقاء بأفكارهم ومناهجهم، عن طريق فرض
منظومات قانونية تحكم لحسابهم واقع المسلمين، وخلَّفوا وراءهم خلفاء لهم – كما هو
معروف – من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولكنهم لا يحترمون هويتنا فيحكمون بشريعتنا،
بل بدَّلوها أو تركوها أو بعَّضُوها أجزاءَ يصلح بعضها للأحوال الشخصية، ولا يفيد
بقيتها في سائر الأمور الحياتية. والجريمة الكبرى التي اقترفها – ولا يزال يقترفها
– المبدِّلون لشرع الله في بلاد العرب والمسلمين، كانت في حقيقتها تحكيماً للجهل
المركَّب في أعراض الناس وأموالهم وعقولهم ومصائر أجيالهم وأوطانهم ومقدراتهم. فلم
يكن مسلكُهم في الحكم مجردَ تغييرات شكلية في صور رمزية ظاهرية تجامل المحتل
الغادر المغادر؛ لكنهم بإقدامهم على تثبيت وحماية المنظومات التشريعية المجافية
للشريعة الإسلامية، أجرَوا أكبر عملية تشويه في جسد الأمة وقلبها، تصل إلى حدِّ
التمثيل والتنكيل. وقد كانت نتائج تنحية الشريعة أو تبديلها أو تبعيضها كارثيةً
على الشخصية الاعتبارية للأمة؛ بحيث ورثت عاهات حضارية تحتاج لجهود جبارة لعلاجها،
وإخراج الأمة معافاةً من آثارها. وهذا ما حاول المصلحون القيام به عبر عقود طويلة.
ولو نظرنا لأحوال الطغاة الذين ذهبت بهم الثورات - والذين لم يذهبوا بَعُد منهم –
لوجدنا أنهم قد ورَّثوا تَرِكات ثقيلةً في خطرها، باهظةً في تكاليفها، ذات آصار لا
يسهل الفكاك منها، وأوضار يصعب التخلص من أدرانها وأضرارها، إلا بأمرين:
أولهما:
تجريد الاستعانة بالله؛ فهو القادر - سبحانه - على أن يغير ما بقوم إذا غيروا ما
بأنفسهم.
والثاني:
علاج الأدواء بما يقابل كلاً منها من دواء. فما فُقِد بغياب شيء من الشريعة لا
يعوَّض إلا باستعادة ذلك الشيء منها، ولو بشيء من التدرُّج والمرحلية والأناة.
وهذه هي المسؤولية الكبرى التي تنتظر الإسلاميين اليوم وينتظرونها.
إن التركة التي ورَّثها
ظالمون، وسيورِّثها آخرون من الحكام المبدِّلين، أشبه بتركة عائل عاقٍّ مستهتر،
أضاع من يعولهم في حياته، ولم يغنهم بما ترك بعد وفاته، بل ترك لهم ديوناً ومظالمَ
ومشكلات، يتقاسمون - قسراً وقهراً - مسؤولية سداد استحقاقاتها وعلاج آثارها.
لو رحنا نتأمل حجم
الجناية على الناس بترك الشريعة، لرأينا عجباً يزيدنا يقيناً بأنه لا أحسن من الله
حكماً لقوم يوقنون. فلم يكن هناك مِعوَل هدم أشد تدميراً لدين الناس ودنياهم من
إخضاعهم لشرائع صادرة عن جاهلية اعتقادية (شرقية أو غربية)، ورَّثَت جاهلية
تشريعية تفرعت عنها كافة صور الجاهليات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية) التي
أريدَ فرضها ظلماً على مجتمعات المسلمين لولا ما أَودَع الله في هذه الأمة من
خيرية جعلتها تستعصي على الفناء أو الخضوع والذوبان. لكن الأمر لم يخلُ من أمراض
وأعراض أمراض هددت ولا تزال بنيان الأمة بأخطار فادحة. فالحكام المبدِّلون قد
أدخلوا على الناس أنواعاً من الفتن والفساد بقدر ما خرجوا بهم عن شريعة ربهم،
فوقعوا وأوقعوا الناس معهم في المخالفات التي حذَّر الله منها في قوله {فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. وأوجدت تلك الفتن ظواهر من
الفساد ضرب بأطنابه على جميع مناحي الحياة غير المنقادة للشريعة، وصار الأمر كما
قال الله - سبحانه -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
[الروم: 41] قال أبو العالية: «من عصى الله في الأرض، فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح
الأرض والسماء بالطاعة»[1]. ولهذا جاء في الحديث
الذي رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن: «لَحَدٌّ يقام في الأرض أحب إلى أهله من أن
يُمطَروا أربعين صباحاً».
في حياة لا تحكمها
الشريعة تتوالى الفتن تترى، حتى تشمل جميع أوجه حياة العباد، بل تهدد مصيرهم بعد
مماتهم. ويظهر الفساد في صورة زيادة النقص ومحق البركة. وهذا ما أصاب غالب الأمة
في العهود المتأخرة؛ فأوجه الفساد التي خلَّفها الحكام المبدِّلون، كادت تستوعب
جميع أوجه الحياة في مجتمعات المسلمين المعاصرة، بقدر ما غاب أو غُيِّب من أصول
الدين وقواعد الشريعة. ومن حكمة الله - تعالى - أن يخص بذلك من لديهم قابلية
للاتعاظ والرجوع (لعلهم يرجعون). أما الذين لا يرجعون ولا يرتدعون فلهم عقوبة أشد
من الحرمان ونقص الأنفس والثمرات؛ وهي عقوبة الاستدراج بالنعم والمنن {حَتَّى
إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإذَا هُم مُّبْلِسُونَ}
[الأنعام: 44]. لكننا نرجو أن يكون ما أصاب أمتنا من الفتن إنما جاء على سبيل
الامتحان (لعلهم يرجعون) لا على سبيل الاستدراج {فَأَخَذْنَاهُم
بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 95].
وفي كل الأحوال فإن الظرف
ظرف مراجعة ورجوع، ولا سبيل غير إعادة الاعتبار للشريعة بالتعامل معها على أرضية
التحاكم القلبي والإذعان، لا على خلفية التردد والتجريب والامتحان. وما ورثته
الأمة اليوم من أوضاع مزرية بسبب حصاد الفساد الناشئ عن هجر الشريعة، يحتاج إلى
استحضار حجم الضرر أولاً، ثم استشعار قدر الخطر، ثم استجماع القوى واستفراغ
الوِسْع في الإقبال على مرحلة استحقاقات (ما بعد الصعود) الذي مَنَّ الله به على
الإسلاميين من خلال الثورات التي أطاحت بكثير ممن عاندوا الشريعة، وأضاعوا أجيالاً
بتركها.
وَلْنَستعرض الخطوط
العريضة في ملامح تركة الفساد التي ورَّثها التاركون للشريعة، ومن ثَمَّ مسؤولية
(جيل النهضة) الذي بصدد تسلُّم الراية من (جيل الصحوة) تجاه تصويب الحال وتصحيح
المسار، وذلك على ما يلي:
أولاً:
فساد اعتقادي:
ومنشؤه تربية قِطاع عريض
من الأجيال على مناهج تعليمية مختلَّة، قزَّمت من قيمة المعاني الإيمانية، واتسمت
بالميوعة الفكرية التي لا تفرِّق بين الاعتقاد الصحيح والاعتقاد الباطل، وكذلك
أنشأت أجيالاً على برامج إعلامية لا تميز بين الهداية والغواية، بل تمجِّد وتقدِّم
الغواية وأهلها - في أكثر الأحيان - على الهداية وأهلها. وأوجد هذا قِطاعاً ضخماً
من الناس مصاباً بفقد المناعة الاعتقادية، فنشأت لذلك أفكار منحرفة، وانبعثت أخرى
منحلَّة أوجدت (تيارات) تائهة نزقة، غير محصَّنة من انحرافات المذاهب القديمة
والحديثة، وقد رأى الناس جميعاً كيف كانت توجُّهاتها وتحرُّكاتها (الهستيرية)
الهمجية، بعدما لاحت رايات نصرة الشريعة من بعيد.
أفكار الانحراف تلك التي
نمت وترعرعت في بيئة غياب الشريعة، تحتاج إلى جهد جهيد من إصلاح المناهج
التعليمية، وتقويم الوسائل الإعلامية وَفْقَ المنهج الإسلامي. وتلك مهمة الحاضر
والمستقبل التي حمل الإسلاميون مهمة إعطائها الأولوية القصوى؛ لأن ما بعدها ينبني
عليها.
ثانياً: فساد تشريعي:
وقد كان هذا نتيجة طبيعية
للفساد الاعتقادي المتغلغل في طبقات ما يسمى «النخب الحاكمة»؛ حيث تصورت تلك
الفئات – لفرط ضلالها - أن إحلال أو تثبيت المنظومات التشريعية الوضعية البشرية
محل الشريعة الإسلامية الإلهية، سيضمن اللحاق بأمم الرفاه والتقدم، فتسببت بذلك في
تعريض الشعوب لغزو منهجي في عقر دارها، كان من شأنه تثبيت أقدام الغزاة المستعمرين
في بلاد المسلمين، حتى بعد رحيلهم، فصارت كثير البلدان المسلمة تعاني احتلالاً
تشريعياً حقيقياً، يُحِل الحرام، ويحرِّم الحلال في كثير من الأحيان.
والأمانة اليوم معلقة
بنواصي الإسلاميين - وخاصة البرلمانيين منهم - لإزالة آثار ذلك العار الذي لصق
بجبين المسلمين، واستعادة منظومة التشريع الإسلامي السامي، ووضعها في مكانها
اللائق بها في الدساتير واللوائح النظامية التي تسيِّر جميع مناحي الحياة، مع عدم
التواني أو الفتور حتى لا تضيع هذه الفرصة التاريخية السانحة لطرد
الاستعمارالتشريعي.
ثالثاً: فساد سياسي:
وهو نتيجة حتمية للفساد
التشريعي، الذي لا يجعل الحكم لله، فيوسد الأمر لغير أهله، ويفصل السلطان عن
القرآن، ويجسد الجبرية السياسية التي تسيء استخدام السلطات العامة لمنافع وأغراض
خاصة؛ وذلك عن طريق استغلال النفوذ وأخذ الرِّشا وأكل الربا وممارسة المحسوبية والانتهازية.
واقترن بالفساد السياسي المعاصر – في الغالب – التوسُّعُ في عمليات غسيل الأموال
المجلوبة من النهب والاتجار في الحرام؛ سواء كان في الأسلحة أو المخدرات أو الفساد
الأخلاقي. ولأن طبقات الفساد السياسي اتسعت بطول مدة المكث في السلطة رغماً عن
إرادة الشعوب، فقد أصبح لها حرَّاس يحمونها ويفتدونها، ويعتبرون الحقوق المنهوبة
حقاً مكتسباً، وهو ما أفرز (قبل الثورات) حالةً من الضعف العام في الانتماء
والأداء السياسي الشعبي، وتمادياً في الاحتكار والتجبر الحكومي، وغياباً للتمثيل
الصحيح لفئات المجتمع، واختفاءً للمراقبة والمحاسبة، وهو ما جعل المؤسسات الحاكمة
جهات هدم لا بناء، وتفريق لا انتماء.
ليس أمام الإسلاميين
خِيار في أن يقبلوا المنازلة مع بقايا الجبروت السياسي الزائل وأذرعه الأخطبوطية،
التي ستظل تتحرك ولو بلا رأس؛ وذلك عن طريق تفعيل أهم القواعد الأساسية في الفقه
السياسي الإسلامي؛ التي تجعل الساسة والسياسة في خدمة الأمة وقضايا ها ورسالتها،
لا العكس؛ كما كان الشأن في عهود تمكين الفاسدين.
رابعاً:
فساد اقتصادي:
وهو شرٌّ اتسع بقدر اتساع
الفساد السياسي؛ فإذا كان الأخير جوهره إساءة استعمال السلطات العامة لمنافع
ذاتية، فإن الأول مظهره سوء استخدام الموارد العامة لأجل مصالح خاصة، والفساد
الاقتصادي الناشئ عن التنكر للقواعد الشرعية في بناء العدالة الاجتماعية، تسبب في
إهدار ثروات الشعوب في ما يضرها بدلاً من استثمارها في ما ينفعها، ولا حلَّ إلا
بربط الأداء السياسي الجيد بالأداء الاقتصادي الجيد، فدور مَنْ يلي أمر المسلمين
في نظامنا السياسي الإسلامي يأتي على رأسه: إصلاح الدنيا بالدين، ولا إصلاح لدنيا
الناس بدون عدالة اجتماعية حقيقية، ترعى الفقير ولا تضيِّع الغني، وتضع الخطط
لتنمية اقتصادية طموحة ومنتظمة، تراقبها المؤسسات الأهلية، بآليات احتسابية،
وتشريعات تحاصر الفساد المالي بآليات المكاشفة والشفافية التي تميز روح الاقتصاد
الإسلامي، الذي زوحم في بلاده بأحلام الرفاهية الرأسمالية الكاذبة، أو أوهام
المساواة في الشيوعية البائدة.
خامساً: فساد اجتماعي:
وهو فساد يفوق في ضرره
كلَّ ما سبق الكلام عنه من أنواع الفساد الناشئ عن هجر الشريعة؛ ذلك أن الفساد
الاجتماعي يمثل انتقال الاختلال إلى البنى التحتية الأوسع من المجتمعات، عندما
يموت الشعور عندها بوجود الفساد أو خطر المفسدين؛ فأخطر الخطر ألا يشعر الناس
بالخطر. وأخطر من ذلك أن يشعروا ولكن لا يأبهون له، أو يأبهون ولكن لا ينتهون عنه
أو ينهون؛ بل يتعايشون معه حتى يتعودوا عليه ثم يقبلوا به! وقد كان هذا رهان
المفسدين في داخل بلاد المسلمين وخارجها؛ أن تفقد الأمة مناعتها، وتنزل عن
منزلتها، وتسلِّم بهزيمتها. ولكن الله شاء أن يتوِّج جهود المصلحين، فيستنقذوا ما
بقي من القلاع، لعلهم يستعيدون به ما ضاع من الحصون.
يطول
الكلام في استعراض بقية أوجه الفساد التي بدَّل بها المبدِّلون للشريعة أحوال
الشعوب، وذلك في صور أخرى شاملة للفساد الثقافي والإعلامي والتعليمي، وفساد
الروابط والعلاقات الداخلية بين مكونات الشعب الواحد، والعلاقات الخارجية بين بقية
الشعوب، وكذلك إفساد الذوق العام، والسلوك العام، بسبب العبث بمفاهيم (الإبداع) و
(الفن) و (الأدب)، وهو ما ورَّث فساداً أخلاقياً، يحتاج إلى جهود جيل، بل أجيال من
المصلحين. ولكن الحقيقة الناصعة بين سُحُب الغبار الذي لا يزال يثيره المشاغبون
على هوية الأمة، في مرحلة ما بعد هدوء أعاصير التغيير، هي: أن الشريعة الإسلامية
التي أصلح الله بها أمة العرب بعد موات، وجمعهم بعد الشتات في زمان شركهم
وجاهليتهم، حتى كانوا منارة للأمم، هي الأجدر والأقدر على إصلاحهم وإعادتهم لرشدهم
إذا عادوا إليها وعضوا عليها ونافحوا عنها، فهذه وصية الرسول الرؤوف الرحيم الحريص
على المؤمنين، عندما قال صلى الله عليه وسلم موصياً بمصدَرَي الشريعة: «تركت فيكم
أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه»[2].
[1] تفسير ابن كثير
للآية.
[2] رواه مالك في
الموطأ، وقال الألباني عنه في المشكاة: حسن.