النموذج العراقي...خطر يتهدد النظام العربي(1-2)
يتحرك النظام العربي ببطء نحو هوة سحيقة تنذر بمخاطر عظيمة؛ لو انزلق إليها. وثمة خيوط وعُقَد تُحبَك من أجل سلب النظام العربي مقدراته الباقية، وتفريغ دُوَله من مضامينها وإنهاء قدرته على اتخاذ قرار سياسي بصورة سيادية مستقلة. ولأن مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت صحيحة إلى حد كبير، وهي: «في السياسة لا شيء يحدث عن طريق المصادفة؛ فإذا حدث، تستطيع أن تجزم أن التخطيط له قد جرى بالشكل الـذي حـدث فيه»؛ لـذا يمـكـن القـول: إن ما يحـدث في أفغانستان ثـم العـراق منذ ثمـانية أعـوام ليـس مصـادفة أو ردود أفعـال على ذاك الرئيس أو هذا التنظيم. قبل شهر - تقريباً - أثار الدكتور مصطفى الفقي ضجة كبيرة في مصر بتصريح خطير أدلى به، والرجل له ثقل سياسي داخل النظام، ويشغل حالياً منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشعب المصري. قال الفقي في حوار مع صحيفة المصري اليوم بتاريخ 12/1/2010م بالنص: «للأسف! إن الرئيس القادم لمصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل». في اليوم التالي لنشر الحوار أرسل المفكر السياسي المعروف محمد حسنين هيكل تعليقاً مقتضباً مُوحيا تحت عنوان: «شاهد ملك»، طلب فيه من الفقي أن يجيب على أسئلة حول الخبر القنبلة الذي ألقى به، وهي: متى حدث ذلك؟ وكيف؟ وأين؟ ولماذا؟... ثم ماذا؟ في هذا المقال نحاول تقديم إجابات عن هذه الأسئلة من خلال استعراض النموذج العراقي الذي يقدِّم لنا بعض الأساليب التي تتبعها الدول الغربية؛ لتحويل بعض النظم العربية إلى هياكل خارجية مجوفة تفتقر إلى الدعم الخارجي لاتخاذ قرارات سيادية تتعلق بشؤونها الداخلية. ضجيج ولا طحين: المتابع للحراك السياسي العراقي يشعر للوهلة الأولى بأن الديمقراطية تمارَس على نطاق واسع؛ فهناك حرية في تكوين الأحزاب وممارسة أشكال الدعاية الانتخابية وتأسيس وسائل الإعلام وانتقاد الحكومة بكل رموزها... إلخ. يقول الأديب الألماني الشهير يوهان فون غوته: «لا أحد أكثر استعباداً من الذين يعتقدون خطأً أنهم أحرار». وهذا ينطبق تماماً على الوضع العراقي؛ فلا يوجد قـــرار سياسي أو موقف هام أو إجراء حيوي يصدر عن قوة سياسية عراقية إلا بناءً على توجيه أو موافقــة أو دعـــم خـــارجـــي، بنسبة لا تقل عن 90 %، رغم كل آليات وأدوات الحرية والديمقراطية التي يعج بها الواقع السياسي العراقي، ورغم أن احتلال العراق جرى في إطار: «قانون تحرير العراق» الذي صدر في الولايات المتحدة عام 1998م. نجحت سياسة الولايات المتحدة منذ بدء الغزو في تأسيس جمهورية عرجاء تعتمد - بالدرجة الأولى - على حلفائها الذين نسَّقت معهم قبل الاحتلال بأعوام وتمتلك عن كل واحد منهم ملفات كاملة من المعلومات عن شخصيته ونقاط ضعفه وقوَّته، ومن الملاحظ أن أكثر الأسماء على الساحة السياسية جرى احتواؤها أمريكياً من قَبْل الغزو ومن بَعْده، بالإضافة إلى الرموز التي صُنعت لاحقاً لتلائم تطورات الأوضاع، كما هو الحال مع شيوخ العشائر المتزعمين لمجالس الصحوة في الأنبار. إذاً لا توجد مفاجآت أو مصادفات (بتعبير روزفلت). يبرُع كثير من سياسيي العراق في ترويج الوهم السياسي مرددين عبارات الاستقلالية والسيادة العراقية، وأقرب مثال ما صرح به علي اللامي المدير التنفيذي لهيئة العدالة والمساءلة (وهي النسخة المعدَّلة من هيئة اجتثاث البعث)؛ حيث اتهم قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال ديفيد بيترايوس بــ: «التواطؤ مع حزب البعث؛ إذ التقى بقيادات بعثية كثيرة في عدد من دول المنطقة، ولو كان بترايوس عراقياً لشملناه بقانون المساءلة والعدالة»[1]، كما أصدر اللامي بياناً باسم الهيئة جاء فيه: «إن الدستور والقانون العراقيين يحميان الهيئة من أي تدخُّل خارجي، وإن عمل الهيئة هو شأن عراقي»، وكان بيترايوس قد اتهم الهيئة باستهداف المرشحين السُّنة لمصلحة الإيرانيين عندما أصدرت قراراً بحرمان أكثر من 500 شخص من الترشح في الانتخابات القادمة. هذه التصريحات «العنترية» لا تتناسب مع كون اللامي نفسه، بل رئيسه أحمد الجلبي ورئيس حكومته نوري المالكي يتحركون في ظل حماية أمريكية، ويتكدسون هم ورفاقهم في فنادق المنطقة الخضراء المشمولة بالرعاية الأمريكية، مثل: فندق الرشيد الذي يشغل مسؤولو الحكومة أغلب غرفه الـ 484، بل إن اللامي تعرض للاعتقال المهين من قِبَل قوات الاحتلال لمدة عام تقريباً بتهمة الارتباط بفيلق القدس الإيراني، ثم أطلقه الأمريكيون وتركوه يتسلم منصبه الحالي. وتحضرني عبارات لكاتبة عراقية ذكرتها تعليقاً على تصريحات اللامي. قالت فيها: «لم يسعني إلا أن أضحك وأنا أقرأ الخبر؛ فأي تدخُّل خارجي تتحدث عنه الهيئة المصونة، وهي المخترقة طولاً وعرضاً ومن كل الجوانب؟ وحتى المخترق فيها مخترق؛ فما عاد فيها ما هو مُغطى أبداً، ثم أي شأن عراقي يقصدون؟»[2]. الذين يحكمون العراق... حقيقة: اللاعب الأول: الولايات المتحدة: تختلف إدارة باراك أوباما عن سابقتها في تناول الملف العراقي؛ فبينما كان الرئيس السابق جورج بوش يتعامل معه بصورة مباشرة وكذلك كبار مسؤوليه: نائب الرئيس (ديك تشيني) ووزير الدفاع (دونالد رامسفيلد)، فإن أوباما يعطي للعراق أولوية تالية بعد أفغانستان، ولا يُكثِر من الإدلاء بتصريحات تتناول الشأن العراقي، وبالكاد يتناوله وزير دفاعه مع وسائل الإعلام، كما أن أوباما أسند ذلك الملف إلى نائبه جوزيف بايدن. فارق آخر بين الإدارتين، وهو: أن فريق جورج بوش كان يؤكد بصورة دورية على بقاء قوات الاحتلال إلى أمد غير محدد، أو على الأقل لعشر سنوات قادمة، بينما يكرر أوباما في تصريحاته مصطلح: «الانسحاب» بصورة متلازمة مع الحديث عن الوضـع العـراقي، فـي حين أن الوضع الـراهن لا يعطي أي دلالات على بدء هذا الانسحاب كما صرَّح أوباما في أغسطس القادم، ليكتمل في عام 2011م. وفي هذا السياق يلفت الدكتور (حارث الضاري) رئيس هيئة علماء المسلمين إلى أن الاحتلال الأمريكي لم يلتزم ببنود الاتفاقية الموقَّعة مع العراق، والتي نصت على الانسحاب من المدن عام 2009م؛ إذ لا تزال حملات المداهمة والاعتقال مستمرة حتـى هـذه اللحظـة، كما أن هذه القوات لا تتولى الدفاع عن الأراضي العراقية؛ فقد احتلت إيران حقل «الفكة» العراقي دون أن يحرك الاحتلال ساكناً، وعندما سُئل المسؤولون عن ذلك قالوا: هذا شأن عراقي داخلي[3]. وقد زار بايدن العراق خمس مرات حتى الآن، ثلاث منها أثناء رئاسة بوش عندما كان عضواً بالكونجرس، وزيارة قام بها في سبتمبر من العام الماضي، والأخيرة كانت في يناير من هذا العام، ومن المعروف أن بايدن هو صاحب مشروع التقسيم الشهير للعراق، والذي قدَّمه بالتعاون مع ليزلي جيلب رئيس مجلس العلاقات الخارجية السابق عَبْر صحيفة نيويورك تايمز. ويستند اقتراح بايدن لتقسيم العراق إلى ما جرى في البوسنة عام 1995 من تقسيم؛ أي: تكون هناك ثلاث دويلات مربوطة بشكل ضعيف ببعضها البعض، وهي: كردستان، وشيعستان، وسنِّستان، وكلها تحت مظلة عراق كبير لكنه هزيل، وقـال بايدن وجيلـب في مقالتهما المشتركة بتاريخ 1 مايو 2006 م: إن الفكرة تعني أن يدير الأكراد والشيعة والسنَّة شؤونهم بينما تكون الحكومة المركزية معنية بالشؤون المشتركة. نحن قادرون على تحقيق ذلك مع إغراءات تُمنَح للسُّنة؛ كي يشاركوا في الحكم من خلال خطة مصمَّمة للانسحاب وإعادة نَشْر قواتنا وعَقْد حِلْف عدم اعتداء على مستوى المنطقة. في واقع الأمر، لم يكن سيناريو التقسيم غائباً عن مخيلة المخطط السياسي لعملية الغزو؛ فمنذ اللحظة الأولى اتبعت واشنطن استراتيجية تفتيت واضحة لكافة القوى السياسية والعسكرية في العراق؛ حيث: جرى حل الجيش، وصدر قانون اجتثاث البعث؛ لإزالة الحزب كقوة سياسية فاعلة كانت تضم نحو ستة ملايين عراقي، وجرى تدمير مؤسسات الدولة كاملة ما عدا وزارة النفط، ودُمرت البُنَى التحتية والفوقية، وترسَّخ الحكم الذاتي للأكراد، وصيغ الدستور الجديد بنَفَس طائفي، واعتُمِد نظام المحاصصة الطائفية بصورة أخلَّت بالتوازن بين الطوائف لحساب الشيعة والأكراد. هذا الأسلوب الأخير - تحديداً - أنشأ وضعاً مختلاً للغاية في المنطقة بأسرها، وقد اعترف الباحث الأمريكي المعروف «والي نصر» ذو الأصول الإيرانية بهذه الحقيقة، فقال: «إن الإدارة الأمريكية قد نجحت في إعطاء الصلاحيات والحريات كافة للأغلبية الشيعية، وهو ما ساعد على انطلاق البعث الشيعي من جديد، وعلى نطاق واسع، وهذا من شأنه إخلال التوازن الطائفي والديني في العراق والشرق الأوسط لسنوات قادمة»[4]، وهو ما دعا إليه الكاتب توماس فريدمان ذاته؛ حيث قال: «علينا أن نسلِّح الشيعة والأكراد ونترك السنَّة العراقيين يقبضون على الريح»[5]. ومن المهم هنا أن نلفت النظر إلى أمرين: أولهما: أن مشروع بايدن قد وافق عليه مجلس النواب الأمريكي بالأغلبية وأصدر في سبتمبر 2007م مشروع قرار غير ملزم بتقسيم العراق. والأمر الثاني: أن بايدن لا يفسر القرار على أنه تقسيم للعراق، بل يعتبر ذلك مجرد عملية نقل للسلطات إلى حكومات المناطق، مع بقاء بعض الصلاحيات للحكومة المركزية[6]. نتج عن هذه الاستراتيجية (تفتيت العراق) تشكُّل الواقع السياسي في العراق من كيانات صغيرة نسبياً يعجز أي منها عن الانفراد بالحكم؛ حتى في كردستان. ومع بعض الإجراءات التحفيزية والعقابية غلب الطابع التنافسي على الساحة السياسية بصورة مفرطة؛ حتى أصبح العمر الافتراضي للتحالفات في حدِّه الأدنى، ولم يعد مستنكَراً أن يتحالف اليوم أعداء الأمس، أو أن يتصارع اليوم حلفاء الأمس. نذكر مثالين على طبيعة الحراك السياسي قبل الانتخابات القادمة في مارس 2010م: المثال الأول: طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي ورئيس الحزب الإسلامي سابقاً، والذي قدَّم استقالته قبل أشهر من الحزب واعتبر أن عضويته أصبحت في ذمة التاريخ، ثم تهيأ للدخول في تحالف مع إياد علاوي (شيعي عَلماني) وصالح المطلق (سُني عَلماني)، ويسعى الهاشمي لإقناع الأمريكيين أثناء زيارته واشنطن بأن يتولى منصب رئاسة الجمهورية. وهذا يتعارض مع توجهات علاوي الذي يريد استثمار الضغوط في اتجاه تسلُّمه منصب رئاسة الحكومة، كما أن علاوي وعد الأكراد بدعم الطالباني؛ للاستمرار في منصب الرئيس. في المقابل؛ فإن حليفهما الثالث صالح المطلق أصبح مشمولاً بقرار الإبعاد الصادر من هيئة العدالة والمساءلة، وهو ما يعني أن التحالف مهدد بالانهيار قبل الانتخابات. المثال الثاني: قائمة ائتلاف دولة القانون التي يترأسها رئيس الوزراء نوري المالكي الذي انشق بحزبه «الدعوة» عن الائتلاف العراقي الموحد، والذي كان يجمع الأحزاب الشيعية، وقد انشق عن الحزب قبل ذلك إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق؛ ليؤسس: «تيار الإصلاح الوطني». ويتشكل تحالف دولة القانون حالياً من 34 حزباً وحركةً وكتلةً وتجمُّعاً وقائمةً واتحاداً... إلخ، ومن الطريف أن هذا التحالف يتضمن ثلاثة أحزاب، كلها تحمل اسم: «الدعوة»؛ فهناك حزب الدعوة التابع للمالكي، ثم حزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق، ثم حركة الدعوة الإسلامية، كما يوجد حزب باسم: «تجمُّع البيرق الوطني» وآخر يحمل اسم: «تحالف بيارق العراق»، كما يوجد ضمن التحالف ستة تجمعات تضيف إلى اسمها لفظ: «مستقل» أو «مستقلة» أو «مستقلون»[7]. وقد نتج عن تحويل الساحة السياسية العراقية إلى فسيفساء: أن كل جهة تسعى بصورة تلقائية للاستقواء بأقرب طرف خارجي، وهو ما يتيح لهذه الأطراف تحكُّماً عن بُعْد في الشؤون العراقية دون بذل أي مجهود، وقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن برنامج زيارات يشمل 20 من المسؤولين العراقيين مدعوِّين إلى واشنطن للتباحث حول الانتخابات القادمة، وقد زارها بالفعل مسعود البارزاني وعادل عبد المهدي وطارق الهاشمي، وكلهم يسعون لإقناع المسؤولين في واشنطن بتبنِّي مطالبه. لا تنظر الأحزاب الموالية لواشنطن إلى التدخل الأمريكي في العراق بوصفه أمراً مرفوضاً يناقض السيادة، بل نجد بعض قادة هذه الأحزاب يطالب الأمريكيين بالتدخل في الشأن العراقي لحماية السيادة العراقية، وكان مسعود البارزاني (رئيس إقليم كردستان) قد ألقى كلمة في معهد بروكنجز للدراسات في واشنطن؛ حيث أعرب عن أسفه للتدخل المستمر من الدول المجاورة في الشؤون العراقية، وقال: «إن أجندة إيران تكاد تكون الأوسع في العراق»، وقال: «إن كل دولة مجاورة تريد أن تأتي بأناس معيَّنين إلى العملية السياسية»، ثم أكد في وضوح أن: «إيران دولة مهمة في المنطقة وتريد أن تلعب دوراً كبيراً، والقرار بيد أميركا وأوروبا: هل ستمنح مثل ذلك الدور لإيران أم لا؟»[8]. حصاد السياسة الأمريكية في العراق: صار العراق منقسماً أفقياً ورأسياً بطريقة معقدة؛ فهو ينقسم أفقياً إلى القطاعات الرئيسية الثلاثة: عرب سُنة، وعرب شيعة، وأكراد، ثم ينقسم رأسياً داخل كل قطاع؛ فالأكراد كانوا ينقسمون بين حزبين رئيسيين: الاتحاد الوطني بزعامة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني. ولكن انقسم الاتحاد الوطني في العام الماضي وتشكلت كتلة سياسية جديدة شاركت في الانتخابات الكردية تحت اسم: «قائمة التغيير» وتزعمها نوشيران مصطفى نائب الطالباني السابق. وقد فازت في انتخابات الإقليم العام الماضي بنسبة 23 % من المقاعد، وهي نسبة كبيرة مقارنة بحصول تحالف القائمة الكردية الذي يجمع الحزبين الكبيرين على نسبة 57 %. أما الشيعة؛ فهم منقسمون بين المجلس الأعلى والكتلة الصدرية وحزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي، بالإضافة إلى أحزاب أخرى، مثل: الفضيلة، وهي جميعاً مختلفة فيما بينها مع تفاوت في درجة العداء، وأكثر ما يجمع بينها هو خضوع أغلبها للنفوذ الإيراني إلى درجة كبيرة. ويبقى بعد ذلك عَلمانيو الشيعة، وهم منقسمون ما بين الولاء التام لإيران، مثل: عمار الحكيم، أو للولايات المتحدة، مثل: إياد علاوي، أو لكليهما كما كان إبراهيم الجعفري، ويدخل الشيعة الانتخابات القادمة بتحالفين رئيسيين: أولهما: دولة القانون بزعامة المالكي. والثاني: الائتلاف العراقي الموحد بزعامة المجلس والتيار الصدري، وكان تحالف دولة القانون قد اكتسح انتخابات المحافظات في مطلع عام 2009م وسيطر على جميع المحافظات ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب والوسط. ويسعى كل تحالف إلى استمالة تكتلات سُنية صغيرة في محاولة لإبعاد سِمة الطائفية عن ائتلافه، مستغلين في ذلك تلهُّف بعض زعماء عشائر الأنبار، وخاصة الثلاثي: أحمد أبو ريشة، وحميد الهايس، وعلي حاتم السلمان، على دخول مجلس النواب بأي ثمن. أما العرب السُّنة؛ فقد كانت جبهة التوافق هي الممثل الرئيس لهم وفي قلبها الحزب الإسلامي، مع وجود قوى أساسية لا تشارك في العملية السياسية، مثل: الهيئة، وكذلك مجموعات المقاومة الرافضة للعمل السياسي، ثم ظهرت مجموعات القاعدة التي ساهمت بدور كبير في تمزيق وإضعاف الصف السُّني وفسحت المجال لمزيد من التدخلات الخارجية، ثم ظهرت على السطح مجالس الصحوة التي تطالب بلعب دور سياسي في المرحلة القادمة استناداً إلى دورها في مواجهة القاعدة، ولكن هذه المجالس لم تتمكن من تشكيل تحالفات خاصة بها؛ فلجأت إلى تجاوز الخطوط الحمراء وتحالفت مع تكتلات شيعية. وسوف نعرض للتركيبة العراقية بمكوناتها الأفقية والرأسية بتفصيل أكثر في الجزء الثاني من المقال، بإذن الله تعالى. وفي ظل هذه الحالة «الفسيفسائية» تحولت أهداف أمريكا التي يُفترض أن تبذل جهوداً لتحقيقها، إلى مطالب لهذه الأحزاب تُلِحُّ على الأمريكيين أن يقبلوها، وكان الأكراد في منتصف التسعينيات من القرن الماضي يلحون على الولايات المتحدة للتدخل بصورة جذرية في العراق، وبحسب مسؤول أمريكي في تلك الفترة، وكان قد سُئل عن موقف واشنطن من الأكراد، فقال: «لدينا سمكات أكبر لنقليها، والأكراد ليسوا سمكة كبيرة»، وهكذا ظل قادة الكرد يتبعون نهجاً استرضائياً للحصول على العناية الأمريكية؛ حتى إن جلال الطالباني ألحَّ على الأمريكيين في بداية الاحتلال أن يقيموا قاعدتين في شمال العراق، فتمت الموافقة وبدأ العمل فيهما بالفعل: واحدة قرب أربيل والأخرى جوار السليمانية[9]. اللاعب الثاني: إيران... يتبع -------------------------------------------------------------------------------- [1] في حوار مع صحيفة الحياة: 29/1/2010م. [2] موقع كتابات، ميادة العسكري: 29/1/2010م. [3] موقع الهيئة: 24/1/2010م. [4] مقال: عندما ينهض الشيعة، والي نصر، مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية، أغسطس 2006م. [5] كتاب: العراق، منطق الانسحاب، ص 92. [6] موقع سويس إنفو: 2/10/2007م. [7] انظر: موقع دولة القانون على الإنترنت. [8] انظر: موقع دولة القانون: 30/1/2010م. [9] انظر عراق المستقبل، جيف سيمونز: ص 153، وصحيفة الزمان: 16/10/2006م.