تقول:
حصل زوجي على بعثة، فطرِبتُ لهذا الخبر. فالأمر لا يعدو بالنسبة لي سوى إجازة
براتب، وحين حططت رحالي هناك أدركت صعوبة الأمر، فلا عاملة تساعدني، وطفلاي
الصغيران لا ينفكان عني لحظة، وزوجٌ يغيب اليوم كلَّه ليأتي مرهقاً يريد بيتاً
نظيفاً وهادئاً ووجبة دسمة، ولربما استضاف الزملاء العزاب أو أحد المغتربين
محاولاً تقليد حاتم الطائي، ونسي أن كلَّ ما بي لا يتطابق مع زوجة حاتم الطائي.
فقلبتُ حياة زوجي جحيماً، ونال هذا الجحيم
صغاري، وتأفف زوجي وتذمر واعتراض.
سكنتْ بقربي جارة، فاغتنمتُها فرصة كي أقارن
حالها بحالي أمام زوجي، فرأيت عجباً: امرأة تقية نقية، طالبة علم وداعية، أولادها
أكثر من أولادي، وذات نشاط عجيب، تقيم الدروس للنساء وتدرس الدراسات العليا، بل
قام أحد المشايخ المفتين بإعطائها إجازة إفتاء، كما كانت حَسَنة التبعُّل لزوجها
وليست كحالي.
دعتنا لمنزلها، فلم تكن كحال معظم نسائنا
ممن يرغبن بزيارة الأخريات، ولا يوددن دعوة أحد لمنازلهن.
وكنتُ في حماس شديد لرؤية منزلها؛ لأروي ظمأ
فضولي برؤية مستوى نظافة منزلها، فرأيت ما فاجأني؛ فعلى الرغم كل مشاغلها إلا أن
البيت كان شديد النظافة والترتيب.
وأكثر ما لفت انتباهي هي سجادة مطبخها؛ فلقد
كانت بيضاء ناصعة البياض، لون لا أجرؤ أن أضعه في غرفة نومي يوم كانت عندي عاملة
في بلدي.
فأسررت في نفسي أمراً، سأتحدى نفسي وسأضع
سجادة مثلها في مطبخي.
كانت بيضاء في بادئ الأمر ثم تحولت إلى
اللون (البيج) ثم الرمادي ثم تداخلت كل ألوانها حتى أصبحت لا لون لها.
وبسبب هذه السجادة قمتُ بتعنيف صغاري مراراً
وتكراراً، وتوقفت عن تعنيفهم يوم توقفت ألوان السجادة.
فأسررت لنفسي: إنكِ لست إلا مقلدة أو مجتهدة
ولكل مجتهد نصيب، لعل الله رزق جارتي نظافة وترتيباً ليعينها ويعين زوجها وأولادها
فتبذلَ للآخرين.
ولعل الله اطلع على حالي فوجدني لا همَّ لي
إلا نفسي فشغلني عنها.