لقد سعى أعداء الإسلام
إلى إسقاط الخلافة العثمانية، ثم سعوا بعد ذلك وقبله كي لا تقوم للإسلام قائمة ولا
دولة، ووضعوا التدابير اللازمة لذلك، ومنها ما يلي:
1- إنشاء الجامعة العربية بديلاً عن الجامعة الإسلامية:
وبهذا تم انفصال العرب عن غير العرب وتقسيم العالم الإسلامي إلى قسمين: ناطق
بالعربية وغير ناطق بها.
2- تفتيت الدول
العربية: عن طريق ميثاق جامعة الدول العربية من
ناحية، وإيجاد مشاكل وخلافات حدودية بين الدول المتجاورة لإثارتها في الوقت
المناسب حسب مخططاتهم من ناحية أخرى.
3- إثارة النزعات
القومية والعرقية: كالطورانية في تركيا، والقومية العربية،
والفارسية وغيرها في مقابل الأمة الواحدة، ولإضعاف الجسد الواحد وتقطيع أوصاله.
4- تقطيع الدولة
الواحدة إلى دويلات ثم إلى أحزاب[1]:
ومع ذلك الجمعيات النسوية والنوادي (الروتاري والليونز... إلخ)، ثم أخيراً
المواطنة: فالكل سواء (البهائي، والشيعي، والسني، واليهودي، والمسيحي، والبوذي...)
وهذه آخر الكوارث؛ فلأيٍّ من هؤلاء الحق في أن يكون رئيساً عليهم؟
5- إعداد
وتجهيز فريق من دعاة التغريب: على غرار فكرة (الفيل
العميل) أو (المفكر العضوي) أو (المستشرق الشرقي) أمثال: طه حسين، وعلي عبد
الرازق، وقاسم أمين، وجورجي زيدان، وحسن حنفي، وجابر عصفور... وغيرهم من فراخ
المستشرقين وخِراف الثقافة الغربية وعملاء الاستعمار.
6- إعداد وتجهيز
قادة عسكريين وتجنيدهم! للقيام بما سمي (ثورات التحرير)،
وكان الهدف الاستعماري الأساس هو عدم السماح لأي جماعة أو أي اتجاه له طابع إسلامي
أن يرى النور (والأفضل أن يكون مكانه الطبيعي هو السجون)، فضلاً عن خصوصية التعامل
كالتشويه والاتهامات المتنوعة وتلفيق القضايا وسياسة الإجهاض المبكر والإزعاج
المتكرر ثم سياسة (كانوا يفكرون). وبالطبع كان على هؤلاء المجندين تنفيذ هذه
السياسات، ولا مانع من رفع شعار الديمقراطية ظاهرياً أو تكتيكياً؛ إذ إن أنيابها
جاهزة (كما حدث مع جبهة الإنقاذ وحماس)، ولا مانع أيضاً من ركوب موجة الثورات
الشعبية ورياح التغيير، والثناء عليها لتوجيهها أو لتفريغها أو لإجهاضها؛ فالعقل
الجمعي للشعوب يمكن السيطرة عليه وتكوينه وترويضه بسهولة؛ فالإعلام (السحري) لا
زال قائماً بفكره وأجهزته وقاعدته.
وبعد الإشارة إلى هذه
التدابير نشير إلى ما أسموه بمسألة الأقليات، وما يتعلق بحقوق الأقليات وحماية
الأقليات، والكيل بمكيالين في هذه المسالة؛ إذ المقصود أي أقليات كانت ما عدا
المسلمة؛ فالقلة المسلمة في الصين أو الهند أو روسيا أو حتى في أوروبا فهي خارجة
عن حسابات حُماة الأقليات ودعاة حقوق الإنسان! ففي العالم العربي - مثلاً -
إسرائيل هي المحرك الرئيسي والمدافع الأساسي عن الأقليات بالتنسيق مع المنظمات
والحكومات الغربية؛ ولعل أقرب حدث وأوضح دليل هو ما تم في جنوب السودان؛ فالدولة
الوليدة قد أُعلِن أن لغتها الرسمية الإنجليزية وديانتها المسيحية وكان الحضور
الإسرائيلي والابتهاج الأمريكي ملء السمع والبصر. وجدير بالذكر أن التنسيق بين
زعامات تلك الأقليات وبين إسرائيل قد تبلور على أرض الواقع في الآونة الأخيرة في
بعض البلاد العربية حينما استنجدت تلك الزعامات بإسرائيل وطلبت منها التدخل
لحمايتها؟
إن مسألة الأقليات هي
الذريعة والآلية التي سيتم بها التدخل الأجنبي وفرض مخططات التقسيم. وهناك
آلية جديدة وهي في غاية الخطورة ويجب الانتباه لها؛ وهي إشكالية الثورات الشعبية
ضد الأنظمة التي كانت تدور في الفَلَك (الأمريكي، الإسرائيلي، الغربي)،
والمعادلة عندهم هي: مَنْ الأَوْلى بالمساندة؛ هل الأنظمة أم
الثوار؟ فالمسألة عندهم مصالح ومفاسد (براغماتية) ثم
تأتي إشكالية أخرى: هل يمكن تجنيد الثوار أو فصيل منهم، ثم إن
منهم إسلاميين وعلمانيين وليبراليين و (أقليات)،
ثم إن الإسلاميين منهم الأصوليون ومنهم المعتدلون ومنهم دون ذلك حسب تصنيفاتهم،
وفي خضم هذا الزخم وذاك التنوع تعمل الأيادي الخفية من وراء الكواليس أو في
الاتصالات السرية؛ حيث تتم الصفقات وتُرسَم السيناريوهات؛ وما يؤسِف أننا نكتفي
بالمتابعة لما ستؤول إليه الأمور؛ فنحن - للأسف أيضاً - منقادون
ولسنا قائدين، متأثرون ولسنا مؤثرين؛ وتُنصب للبعض الفخاخ فيدخلونها دون حساب
للعواقب. ولست ناقداً ولا متجنياً؛ إذ لـمَّا أعطي
الضوء الأخضر للأخوة السلفيين في مصر لتكوين الأحزاب فكم من الأحزاب أقاموا؟ وهل
بالأحزاب سيقام الدين؟ أم أن ذلك تدعيم للنظم الوضعية وترسيخ لخدعة الديمقراطية
صاحبة الأنياب الخفية؟
[1]
تابع معي سياسة حرية إطلاق تكوين الأحزاب والتعددية الحزبية التي نسمع عنها في هذه
الأيام؛ لكن بشرط ألا تكون على أساس ديني (إسلامي).