الرباعيـة الإيـرانية في المرمى الأفغـاني
رغم التعقيد الظاهري الذي تبدو عليه السياسة
الإيرانية، خاصة مع تعدد الأطراف والقوى الداخلية الممسكة بزمام القرار السياسي؛ إلا
أنها تتميز بوجود أنماط ثابتة يمكن ملاحظتها وقراءتها في غالبية الأزمات السياسية التي
تنغمس فيها إيران أو تصنعها.
هناك أربعة أنماط أساسية - تحديداً - يمكن تلخيصها
في أربع كلمات: التواصل، الانتظار، التوظيف، التبديل.
أولاً: التواصل:
تسعى إيران في خضم الأزمات إلى فتح قنوات الاتصال
مع كافة الأطراف المؤثِّرة في الأزمة؛ سواء كانت تتفق مع رؤيتها السياسية أم لا، متجاوزة
حتى الخلافات العقدية، ويظهر ذلك بوضوح في العراق و أفغانستان؛ فقد تمكَّنت طهران عبر
أجهزتها ومؤسساتها المختلفة من التواصل مع أغلب القوى الموجودة على الساحة.
تعتمد السياسة الإيرانية في هذا الصدد على فكرتين
أساسيتين لبناء علاقة مع الأطراف التي تتعارض مصالحها مع المصالح الإيرانية بصورة عامة:
الفكرة الأولى: البحث عن نقاط اتفاق أو تلاقٍ، وبعبارة أخرى: البحث عن «
عدو مشترك ».
الفكرة الثانية: تقديم عروض مبنية على مواءمة استراتيجية لنقاط الضعف لدى
هذه الأطراف.
في العراق تعاونت إيران مع واشنطن ضد صدام، ثم
ضد « المقاومة »، كما تواصلت مع قوى سُنية مشاركة في مقاومة الاحتلال الأمريكي، مثل:
القاعدة، وقدَّمت لها دعماً وسهلت عمليات الانتقال والتحرك والإيواء، وهي أمور تمثِّل
للقاعدة مسألة حياة أو موت، والأمر نفسه مع القوى الشيعية المعارضة لإيران؛ فالتيار
الصدري على سبيل المثال يقوم - بالأساس - على فكرة: « تعريب المرجعية » بدلاً من «
تفريسها »، لكنها نجحت في احتوائه واستيعابه وتوظيفه لصالحها ضد الاحتلال والسُّنة
والشيعة أنفسهم.
في أفغانستان، تحالفت إيران مع أمريكا ضد طالبان
والقاعدة، ثم فتحت قنوات اتصال مع عناصر من القاعدة، وقدَّمت لهم أنواعاً مختلفة من
الدعم، في الوقت نفسه الذي سلَّمت فيه عناصر أخرى من التنظيم مطلوبين أمنياً لدولهم؛
لإثبات مشاركتها في الحرب ضد « الإرهاب ».
ورغم أن المعلومات عن التعاون بين الطرفين:
(إيران، القاعدة) تتسرب منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وبخاصة أثناء الحقبة
السودانية من تاريخ التنظيم؛ إلا أن مجالات التلاقي تزايدت في العقد الأخير، وقد نشرت
صحيفة ديلي تليغراف البريطانية ما زعمت أنه رسالة بعث بها الرجل الثاني في القاعدة
( د. أيمن الظواهري)، يثني فيها على الدعم الإيراني لإحدى الهجمات التي نُفِّذت في
اليمن، كما أشاد بقيادة حرس الثورة الإيراني وبكرم إيران التي بدون مساعدتها المادية
في إنشاء البنية التحتية لم تكن لتتمكن من تنفيذ الهجمات [1].
كما تذكر بعض التقارير معلومات عن محاولة إيران
تقديم دعم مقَنَّن إلى طالبان؛ إلا أن هذا الدعم يصل عن طريق أطراف غير رسمية لنفي
الشبهات، وتحديداً بواسطة « مهربي السلاح »؛ حيث أعلنت لندن أن قواتها في أفغانستان
اعترضت قافلة عسكرية متوجِّهة إلى مناطق طالبان يقودها مهربون، كما نقلت بعض وسائل
الإعلام عن مصادر في حركة طالبان: أنهم يتعاملون مع مهربي سلاح إيرانيين.
هذه الطريقة الملتوية نجحت بالفعل في إثارة الارتباك
لدى القيادة السياسية الأمريكية، وكان (ريتشارد باوتشر) مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية
السابقة ( كوندوليزا رايس) لشؤون جنوب ووسط آسيا قد صرح: « إننا لا نعرف على وجه الدقة
من الذي يفعل هذا وما سبب ذلك، لكننا نعلم أن هذه أسلحة من أصل إيراني ظهرت في أيدي
طالبان ».
يزيد من حالة الارتباك رَفْض مسؤولين غربيين
للاتهامات الأمريكية على اعتبار أن الأسلحة الإيرانية أصبحت متوفرة في السوق السوداء
منذ التسعينيات عندما كانت طهران تشحن الأسلحة إلى الجماعات المناوئة لطالبان وبعض
التقديرات تذكر أن من بين كل 10 بنادق كلاشينيكوف هناك واحدة إيرانية [2].
هذا الدعم - في حال تأكده - لا يستهدف مساعدة
طالبان في تحقيق نصر ساحق على الاحتلال، ولكنه يؤمِّن لإيران تحقيق التوازن بين الأطراف
المتصارعة حتى لا ينتصر طَرَف على آخر، ويكون على طهران التعامل لاحقاً مع المنتصر،
وكما يقول الصحفي الباكستاني (المتأمرك) أحمد رشيد: إن إيران تنظر إلى طالبان « ليس
بالضرورة كواجهة سياسية؛ لأنه من الواضح أن الإيرانيين لا يريدون عودة طالبان، بل كقوة
يمكنها أن تعوق الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما هاجمت إيران » [3].
وقد نقلت مجلة التايم قبل عامين على لسان محرِّرها
بريان بينيت أن قوات حلف الناتو اعترضت شحنات من أسلحة إيرانية الصنع في أفغانستان،
وتشمل: مدافع الهاون ومتفجرات بلاستيكية وخارقة للدروع.
وصرَّح ويليام وود السفير الأمريكي في كابل بأنه
« ليس هناك شك في أن عناصر من حركة التمرد قد تلقَّت أسلحة من إيران »، كما اكتُشفت
عدة مخابئ للأسلحة الإيرانية في البلاد [4].
ويتضح أسلوب طهران في موازنة الدعم من خلال ما
نشرته صحيفة الواشنطن بوست من تقويم خاص للحرب كتبه الجنرال ستانلي ماكريستال (قائد
القوات الأمريكية في أفغانستان)، زعم فيه أن « فيلق القدس » يدرب جماعات معيَّنة من
طالبان، وقال: « سياسات وأعمال إيران الحالية لا تمثل تهديداً قصير المدى للمهمة، لكن
إيران لديها القدرة على تهديد المهمة في المستقبل » [5].
تمكَّنت إيران عبر هذه الاستراتيجية (أي: التواصل
مع كافة الأطراف) من تضخيم دورها في أفغانستان للدرجة القصوى؛ بحيث أصبح يُنظر إليها
دولياً كلاعب رئيس لا يمكن الاستغناء عنه في حل المعضلة الأفغانية، ويتضح ذلك في رؤية
مسئولين عسكريين أمريكيين بارزين؛ إذ يقول الأدميرال مايكل مولن قائد القوات المشتركة
في أفغانستان: إنه يفضل حلاً إقليمياً لأزمة أفغانستان يتضمن إيران المجاورة رغم ما
تفرضه طموحات إيران النووية من صعوبات، ويقول:
« إيران دولة حدودية، وتلعب دوراً كذلك لدرجة
أنه يمكننا التحاور معهم وإيجاد اهتمامات متبادلة » [6].
ثانياً: الانتظار:
يتفوق الإيرانيون انطلاقاً من التراث الديني
الشيعي في ممارسة لعبة الانتظار حيث يمثل عنصر « الزمن » مكوناً رئيساً في تشكيل الاستراتيجية
الإيرانية، وهذا ينتج عنه أمران متلازمان:
أولهما: أن الإيرانيين يعتمدون بصورة أساسية
على التغيرات التي يمكن أن تطرأ على منافسيهم في المستقبل، كما يؤثِرون تحقيق المكاسب
الجزئية المتدرجة عبر الزمن وصولاً إلى الهدف الأكبر.
ثانيهما: تحظى معطيات التاريخ بحيوية خاصة في
العقلية الإيرانية السياسية؛ حيث يتميز الإيرانيون بمستوى مرتفع من التواصل مع تاريخهم
والتعاطي مع خبراته وتجاربه، بل انعكاساته الثقافية والنفسية؛ لذا فهم ينظرون إلى دولة
مثل أفغانستان من خلال بُعْديها (التاريخي والمستقبلي) معاً، وهذه النظرة تُعزِّز من
مشروعية السياسة الإيرانية في منظور قادتها؛ فهي تسعى إلى إعادة الأمور إلى وَضْعها
التاريخي الصحيح بحسب ما يرونه.
ولعل عقيدة: « المهدي المنتظر » توضح بجلاء هذا
التزاوج بين التاريخ والمستقبل؛ فهذه الشخصية حسب المعتقد الشيعي يتمثل بُعدها التاريخي
في ظهورها قبل 12 قرناً تقريباً ثم اختفاؤها، كما يتمثل بُعدها المستقبلي في ترقُّب
ظهورها في آخر الزمان، وهو ما تلوح بوادره حالياً حسب كثير من رجال الدين الشيعة.
ومع غموض مسألة الظهور الثاني المزعوم، انعكس
ذلك بالتبعية على السياسة الإيرانية؛ فالمسئولون الإيرانيون يجيدون ممارسة لعبة الانتظار،
ولكنهم لا يتقنون إنهاءها بنفس الدرجة.
وقديماً كان الفكر السياسي الإيراني ينادي بالقعود
في انتظار المهدي، ثم تطوَّر الأمر بالدعوة إلى النيابة عن المهدي في بعض مهامه، وهو
ما نادت به نظرية ولاية الفقيه، ثم ظهرت الدعوة لتهيئة الأجواء لظهور المهدي، وهذه
كلها أفكار لها تأثيرها على السياسة الإيرانية.
وكان (علي سعيدي) ممثل المرشد الإيراني (علي
خامنئي) في الحرس الثوري قد دعا إلى ضرورة إحداث تغييرات واسعة في البلدان المجاورة
لإيران تمهيداً لظهور المهدي، وذكر (سعيدي) أسماء هذه الدول وهي: تركيا والعراق و لبنان
و باكستان وأفغانستان، وقال: « على الشعوب المسلمة في البلدان المجاورة لإيران، مثل:
تركيا والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان أن تنهض بكل قواها للتغيير؛ لأن هذه البلدان
تشكِّل إلى جانب الحكومة والشعب الإيرانيين مركزاً لدعم الثورة العالمية للمهدي المنتظر
».
وفي إلماحٍ إلى تأثير « فكرة الانتظار » على
الأداء السياسي الإيراني، قال ( سعيدي): « أمامنا زمان طويل لتحقيق ذلك، وفي هذه الفترة
يجب أن نهتم بتربية القوات النزيهة على أساس التعرُّف على أسباب ظهور المهدي المنتظر
وسبل منع العوائق ومنها الولايات المتحدة و إسرائيل » [7].
يظهر تأثير ذلك على الساحة الأفغانية في اتباع
طهران سياسة النَفَس الطويل؛ فهي تعمل على ترسيخ وجودها الاقتصادي والاجتماعي في مناطق
غرب أفغانستان وتقوم بضخ ملايين الدولارات لبناء الطرق وشبكات الكهرباء والمدارس والمستشفيات،
كما يقوم عملاء الاستخبارات برشوة زعماء القبائل بأكياس من المال لشراء النفوذ.
هذه السياسة تدركها واشنطن جيداً وتدرك أيضاً
أنها لا تستطيع مجاراة إيران فيها، وكما يقول مسؤول بالخارجية الأمريكية: « إننا قد
نبقى هنا لمدة عشر سنوات أو عشرين سنة، ولكننا لن نكون هنا إلى الأبد » [8].
وفي الوقت الذي ترفع فيه إيران من سقف أهدافها
وتوقعاتها في أفغانستان؛ فإن الولايات المتحدة أخذت منحىً معاكساً؛ فخفضت من سقف أهدافها؛
لتتحول من: إقامة دولة مستقرة سياًسياً واقتصادياً، إلى القضاء على « الإرهاب والتطرُّف
» والحيلولة دون سيطرة طالبان على البلاد، ثم إلى تأمين أمريكا من خطر الإرهاب المنبعث
من أفغانستان.
وقد اعترف وزير الدفاع الأمريكي صراحة بذلك،
عندما وقف أمام لجنتَي الخدمات المسلحة لمجلسَي (النواب والشيوخ)، وقال: إنه لا يمكن
للولايات المتحدة أن تتعثر في هدف غير واقعي، وهو تحويل أفغانستان إلى أمة مزدهرة اقتصادياً،
وقال في وضوح: لكي أكون صادقاً؛ فإن أمريكا لا يمكنها الانتظار؛ لأنه إذا وضعنا لأنفسنا
(مثل هذا الهدف) فسوف نخسر؛ لأنه لا يملك أحد في العالم هذا الوقت أو الصبر أو المال
».
واختزل غيتس هدف أمريكا الأساسي في: « التأكُّد
من أن الإرهابيين لن يستعيدوا السيطرة على المنطقة؛ كي لا يستخدموها قاعدة لهجماتهم
على أمريكا أو حلفائها » [9].
ولم تغيِّر استراتيجية باراك أوباما الجديدة
التي أعلنها قبل أسابيع من هذه الأهداف، ولكنها أضافت هدفاً تنموياً مبهَما؛ بغرض التجميل
السياسي لا أكثر، ورغم تضمُّن هذه الاستراتيجية إرسال 30 ألف جندي أمريكي إضافي؛ إلا
أن احتمالات الحسم تظل غامضة رغم وجود 110 آلاف جندي تابعين للناتو من بينهم 68 ألف
جندي أمريكي قبل الزيادة الأخيرة.
وبحسب خبراء ومتخصصين؛ فإن زيادة عدد القوات
ستؤدي إلى اتساع نطاق التحركات والقوافل والإمدادات، وهو ما يعني مزيداً من الأهداف
أمام عمليات المقاومة الأفغانية، ويفضي إلى مزيد من الانغماس في المستنقع، وهذا عين
ما تريده وتخطط له طهران، وهو: أن تبقى كافة الأطراف غارقة ومفتقرة إلى الدعم الإيراني.
ثالثاً: التوظيف:
تنشط إيران في الدول والمناطق التي تضم أقليات
شيعية بين سكانها، وكلما كانت نسبة هذه الأقلية مرتفعة أتاح لها ذلك مساحة أكبر للحركة
والتدخل عن طريق توظيف هذه الأقلية.
وقد تمكَّنت إيران عبر سنوات طويلة من الجهد
المركَّز من دعم الشيعة الأفغان؛ ليحققوا مكاسب سياسية واقتصادية تفوق نسبتهم السكانية
بكثير، وهو ما يعني امتلاك قدرة أكبر على التأثير في أفغانستان؛ فقد تم الاعتراف بالشيعة
الجعفرية كمذهب ديني في الدستور الأفغاني للمرة الأولى، ويشكِّل نواب الشيعة ربع أعضاء
البرلمان، كما حصلوا على نسبة كبيرة من الحقائب الوزارية وحكام الولايات وغيرها من
المناصب الهامة في الدولة، ونسجت الأحزاب الشيعية علاقات خارجية قوية مع إيران ودول
غربية أخرى بعيداً عن الحكومة المركزية، وقد أدى ذلك إلى تركُّز المساعدات الغربية
في مناطق الشيعة.
ويسيطر الشيعة على قِطاعات مهمة من الاقتصاد
الأفغاني، وعلى سبيل المثال: يمتلك المستثمرون الشيعة النسبة الأكبر في شركات المحمول
الثلاث، كما يمتلكون قريباً من نصف القنوات المرئية والصحف والمجلات الصادرة في أفغانستان.
وتشهد مناطق عدة في أفغانستان ثورة في إنشاء
المدارس والحوزات والحسينيات الشيعية المموَّلة بصفة أساسية من قِبَل إيران والمرجعيات
الدينية في العراق [10].
وتعمل عدة مؤسسات إيرانية بصورة مباشرة في أفغانستان،
وهي: إما تابعة للحرس الثوري مباشرة، مثل: مؤسسة بارسيان الخضراء، أو تابعة لمكتب المرشد،
مثل: مؤسسة الإمام للإغاثة.
وكلها تعمل على إنشاء مراكز وفروع لها في مختلف
أنحاء البلاد لضمان سيطرة أكبر على الأوضاع.
وتقوم استراتيجية
إيران في توظيف الأقلية الشيعية الأفغانية على أمرين:
أولهما: السيطرة على مفاصل هذه الأقلية من خلال
الدعم الاقتصادي والعمل السياسي، ومن المعروف أن حزب الوحدة الشيعي (وهو الحزب الشيعي
الأكبر)، تأسس برعاية إيرانية على نمط المجلس الشيعي الأعلى في العراق؛ أي: هو خليط
يجمع عدة أحزاب شيعية، وهو بذلك يمثل الأداة السياسية الرئيسة لإيران، وللحزب تاريخ
دموي في التعامل مع الأفغان السُّنة.
ثانيهما: تضخيم حجم الأقلية، وتأثيرها، وهو ما
أشرنا إليه سابقاً، وتقدِّم البيئة الأفغانية الممزقة عِرقياً وضعاً نموذجياً للمخطط
الإيراني لتمرير الأقلية الشيعية وتحريكها من خلال سلسلة من التحالفات والمواجهات التي
جعلت الشيعة مكوناً رئيساً في الحياة السياسية رغم تضاؤل نسبتهم إلى ما دون الـ
10%.
إن علاقة إيران بالأقلية الشيعية في أفغانستان،
تمثل ثابتاً بين علاقات تتسم بالتغيُّر المستمر؛ فالتوافق العَقَدي يجعل من هذه الأقلية
الحليف الأقوى لإيران، ومن ثَمَّ الورقة الأساسية التي لا يمكن أن تتخلى عنها مهما
تبدلت الظروف وتغيرت الأنظمة السياسية.
تتعاظم أهمية هذه الأقلية بالنسبة لطهران من
خلال تأمُّل تاريخها المتمرد ضد الحكم السُّني في أفغانستان؛ فقد واصلت أقلية الهزارة
الشيعية عبر قرون متتالية ثوراتها ضد السُّنة دون أن تفلح معهم وسائل القمع أو التسامح؛
فقد اتبع معهم عبد الرحمن خان الذي حكم أفغانستان في الفترة من 1880 - 1901م، أسلوباً
حاسماً نتيجة تمرُّدهم المستمر؛ فمنع التشيع ودَعَم السُّنة؛ فهاجر كثير منهم إلى بلوشستان
والهند وإيران، وعندما تولَّى بعده ابنه حبيب الله خان، عاملهم بمرونة وسمح لهم بالعودة،
ولكنهم ظلوا على تمرُّدهم وثوراتهم.
رابعاً: التبديل:
تستخدم إيران ملفات الأزمات كأوراق تفاوضية في
أزمات أخرى؛ فهي - على سبيل المثال - تستغل نفوذها في أفغانستان أو العراق أو الخليج،
كأوراق في إدارة المساومات على الملف النووي، كما تستغل الملف النووي كورقة تفاوضية
في إدارة الملفَين (العراقي والخليجي)، ويصعب على المحلل السياسي أن يحدد بدقة: أي
الملفات يمكن أن تتنازل عنها إيران في النهاية مقابل تحقيق مكاسب في الملفات الأخرى؟
لذلك تحرص طهران على الحضور بقوة في الأزمات المثارة بدول المنطقة، بل تصنع أزمات لم
تكن موجودة من قبل، مثل: أزمة التمرد الحوثي في اليمن.
بالنسبة للملف الأفغاني؛ فإن إيران تدرك أن أفغانستان
هي محور مهم لتلافي الضغوط الغربية على روسيا؛ لسحبها بعيداً عن دعم إيران؛ فمقابل
الحوافز الاقتصادية الغربية المقدَّمة لروسيا لترفع غطاءها عن طهران، لا تجد إيران
في المقابل ما يمكن أن تقدِّمه لموسكو؛ ليعادل هذه الإغراءات.
وهنا يبرز دور أفغانستان باعتبارها محوراً مشتركاً
بين الدول الثلاث: ( روسيا، أمريكا، إيران)؛ حيث تتفق هذه الدول الثلاث على اعتبار
الحركات الجهادية الإسلامية في المنطقة خطراً يتهددها جميعاً، خاصة أن البيئة الأفغانية
أصبحت مركزاً لإعادة التجميع والحشد لهذه الحركات، يضاف إلى ذلك مخزون النفط في قزوين،
ومشكلة المخدرات المستعصية على الحل، وهذه كلها قضايا تحتاج إلى طاولة مفاوضات ثلاثية
يمكنها أن تخفف الضغط على الطاولة النووية التي تجلس عليها إيران بمفردها.
لكي تصل إيران إلى هذه الطاولة، فإنها تسعى إلى
استغلال علاقاتها بكافة الأطراف؛ لتغيير معادلات التوازن، ولإيجاد بيئة غير مستقرة
يصعب الخروج منها دون مساعدة خارجية، كما أنَّ عليها أن تتعامل مع ملفات الأزمات كباقة
واحدة يجري التبديل بين مكوناتها بحسب الضغوط التي تُمارَس عليها، وفي خلال ذلك كله؛
فإنها تتحلى بالصبر الطويل الذي يراهن على تغيُّر الظروف والأحوال.
وإذا كان مجيء جورج بوش إلى الرئاسة عام 2001م
شكَّل تحولاً جذرياً في الدور الإيراني بالمنطقة نتيجة احتلال أفغانستان ثم العراق،
فإن مرحلة أوباما أدَّت إلى انتعاش الحلم الإيراني بالتحول إلى قوة إقليمية عظمى تمارس
دوراً مدعوماً من العالم الغربي، وذلك في ظل غيبة كاملة للدور العربي المتواري خلف
ظلال التحالف مع الولايات المتحدة.
:: البيان تنشر - مـلـف
خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)
(1) الجزيرة نت:
24/11/ 2008م.
(2) شبكة النبأ:
23/4 / 2007م.
(3) إسلام أونلاين:
1/2/2009م.
(4) مجلة التايم،
مقال: إيران ترفع درجة الحرارة في أفغانستان: 22/2/2008م.
(5) ا ف ب، يو بي
أي، رويترز، د ب ا، مجلس المقاومة الإيرانية: 23/9/2009م.
(6) الجزيرة نت:
28/1/ 2009م.
(7) موقع موسوعة
الرشيد: 17/8/2009م.
(8) مجلة التايم،
إيران ترفع درجة الحرارة في أفغانستان: 22/2/2008م.
(9) الجزيرة نت:
28/1/2009م.
(10) انظر لمعلومات
إضافية مقال: تنامي القوة الشيعية المتزايدة في أفغانستان إلى أين؟ موقع المسلم:
20/11/1427هـ، أبو فضل نافع.