تمهيد:
من أبرز سمات العالم المعاصر أنه عالم يموج بالتغيرات المتلاحقة في شتى ميادين العلم والتقنية والاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة. إن أنواعاً كثيرة من التشابكات والتداخلات بين الظواهر والأحداث المختلفة، صارت تجري في العالم متجاوزة للحدود الوطنية. ومع ازدياد كثافة هذه الأنواع من التشابكات والتداخلات، أصبحت هناك نسبة غير صغيرة ومتزايدة من القرارات التي تمس حياة الناس في مختلف الأوطان، تُتَّخَذ على نطاق غير وطني من جانب كيانات مختلفة؛ لا سيما المنظمات العالمية والشركات متعدية الجنسيات. وتلك بعض خصائص ما أصبح يشار إليه بزمن العولمة أو الكوكبة [1].
ومما لا شك فيه أن الأمة التي لا تمتلك خريطة واضحة المعالم والتضاريس لهذا العالم سريعِ التغير شديدِ التعقيد، والتي لا تمتلك بوصلة دقيقة تعينها على تحديد مسارها الصحيح على هذه الخريطة، هي أمة تُعرِّض مستقبلها لأخطار عظيمة وتتحكم في تشكيل هذا المستقبل قوى خارجية لا يهمها من مستقبل هذه الأمة إلا أن يخدم مصالحها هي؛ سواء أكانت هذه المصالح متوافقة مع مصالح الناس في هذه الأمة أم لم تكن كذلك.
الدول المتقدمة والنظر للمستقبل:
يندر أن تجد دولة متقدمة لا تستند إلى دراسات لاستشراف المستقبل في صنع قراراتها (الاقتصادية، أو السياسية، أو العسكرية). كما يندر أن تجد شركة كبرى - وبخاصة إذا كانت تنتمي إلى فصيلة الشركات متعددة أو متعدية الجنسيات - لا يشتمل بنيانها التنظيمي على مركز أو قسم للدراسات المستقبلية والتخطيط الإستراتيجي. إن هذه الدراسات وإن كانت تتطلب بالضرورة قدراً من الخيال والقدرة الذاتية على التصور المسبق لما هو غير موجود أو غير معروف الآن، إلا أن أنشطتها تختلف نوعياً عن الأنشطة التي تقع في حقل الخيال العلمي أو في ميدان التنجيم والرجم بالغيب؛ فما يطلق عليه اليوم الدراسات المستقبلية إنما يتمثل - على العموم - في دراسات جادة تقوم على مناهج بحث وأدوات درس وفحص مقننة أو شبه مقننة، وتحظى بِقَدْر عالٍ من الاحترام في الأوساط العلمية، وتنهض بها معاهد ومراكز بحثية وجمعيات علمية ذات سمعة راقية[2].
الحديث عن المستقبل[3] من منظور شرعي:
عندما يذكر القرآن تداولَ الأيام، فإنما يبذر في نفس المسلم إحساساً عميقاً من اليقظة التاريخية المستقبلية. وقصص الأنبياء في القرآن هي إعلام بما ستراه هذه الأمة بعد عصر الرسالة، وعندما قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم): ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك)، إنما كان يبني على التجربة المستخلَصة في تاريخ دعوة الأنبياء، وقد بشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بفتح بلاد كسرى وقيصر، وكان المسلمون يومئذٍ في قلة مع المكابدة للأعداء من كل جانب.
إن هذا العلم
الذي يسمونه (المستقبليات) ليس غريباً على الثقافة الإسلامية؛ فقـد كتب ابن خلدون
عن (علم العمران) وذكر من فوائده: ( يعرِّفنا بما هو واقع ومنتظَر)؛ فالذي يتقن
هذا العلم برأي ابن خلدون يمكن له أن يستشرف ويتوقع القادم.
والأصل العام
في الشريعة جاء مقرِّراً إثبات المصالح للمكلَّفين في الحاضر والمستقبل، كما يقول
الشاطبي: «إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً».[4]
ومن تأمَّل
سـنن الحياة فإنه يدرك قوانينها الثابتة التي لا تنخرم عند تكامل موجباتها
السببية؛ لذا وجب على المسلم أن يدافع القدر بالقدر من خلال فهم تلك النواميس
الثابتة والعمل على مقتضاها الشرعي، فشيوع الظلم - مثلاً - مؤذن بخراب المجتمعات
ونزوعها للثورات، ومن أجل تفادي وقوع هذا القانون الإنساني وجب على أهل الحلِّ
والعقد المحافظة على موازين الحق والعدل من باب دفع الأقدار بالأقدار، وهي لا شكَّ
استلهام عملي لتفادي توقُّعات المستقبل. وسِيَر الأنبياء وشرائعُهم نماذج حيَّة
مليئة بالشواهد الاستشرافية للمستقبل الذي كانوا يتصورون وقوعه؛ فهذا نوح - عليه
السلام - أمضى ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو قومه، وحين رأى بحكمته ونفاذ بصيرته
أن لا فائدة تُرجى منهم دعا على قومه قائلاً: {إنَّكَ إن تَذَرْهُمْ
يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح: 27] . فكانت
الرؤية المستقبلية واضحة عند نوح - عليه السلام - لذا كان القرار بالدعاء عليهم
حكيماً لعدم توقُّع الإيمان منهم ولعِظم الضَّرَر من وجودهم، واستجاب الله - عز
وجل - لدعائه. والمثل المشابه والمعاكس هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـمَلَك
الجبال الذي أراد أن يُطْبق الأخشبين على أهل الطائف: «بل أرجو أن يخرج من أصلابهم
من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً» نظراً لتوقع الإيمان من ذراريهم في قادم
الأيام.
وهذا يوسف -
عليه السلام - فعندما فسَّر رؤيا العزيز بوجود كارثة اقتصادية في البلاد وحصول
المجاعة، فقد قام بالتخطيط المستقبلي للخروج من هذه الأزمة بخطة مُحْكَمة لمدة
خمسة عشر عاماً تنجو فيها البلاد من كارثة المجاعة. وقد قصَّ القرآن الكريم
وقائعها في سورة يوسف، عليه السلام.
يقول الإمام
الشاطبي - رحمه الله - في أهمية اعتبار هذه القاعدة عند النظر والاجتهاد: «النظر
في مآلات الأفعال معتَبَرٌ مقصودٌ شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة؛ وذلك أن
المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا
بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعاً لمصلحة قد تُستَجلَب أو
لمفسدة قد تُدرَأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة
تنشأ عنه أو مصلحه تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول
بالمشروعية فربما أدَّى استجلابُ المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد
عليها، فيكون هذا مانعاً من انطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في
الثاني بعدم المشروعية، ربما أدَّى استدفاعُ المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا
يصحُّ إطلاق القول بعدم المشروعية. وهو مجال للمجتهد صعب المورد؛ إلا أنه عَذْب
المذاق، محمود الغِبِّ، جارٍ على مقاصد الشريعة».
الدراسات
المستقبلية وعلم الغيب:
إذا كان
الإحصاء من دلائل الطريقة العلمية فالتخطيط كذلك، بل هو أوضح دلالة عليها،
والتخطيط إنما يعتمد على الإحصاء. ويراد بالتخطيط وضع خطة لمواجهة احتمالات
المستقبل وتحقيق الأهداف المنشودة.
وفي القرآن
الكريم قصة جعلها الله عبرة لأولي الألباب، وهي قصة نبي الله يوسف - عليه السلام -
وفيها يذكر القرآن لنا مشروع تخطيط للاقتصاد الزراعي لمدة خمسة عشر عاماً لمواجهة
أزمة غذائية عامة، عرف يوسف - عليه السلام - بما ألهمه الله وعلَّمه من تأويل
الأحاديث أنها ستصيب المنطقة كلها، وقد اقترح يوسف - عليه السلام - مشروع الخطة ووُكل
إليه تنفيذها، وكان فيها الخير والبركة على مصر وما حولها: {قَالَ تَزْرَعُونَ
سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إلاَّ قَلِيلاً
مِّمَّا تَأْكُلُونَ 47 ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ
يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ 48 ثُمَّ
يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 47 - 49].
التخطيط
والتوكل على الله:
بيَّن الرسول
صلى الله عليه وسلم أن التوكل على الله لا يعني اطِّراح الأسباب أو إغفال السنن،
التي أقام الله عليها نظام هذا الوجود، ولا يكاد مسلم يجهل قصة الأعرابي الذي جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وترك ناقته أمام المسجد قائلاً: يا رسول الله! أأعقل
ناقتي وأتوكل أم أطلقها وأتوكل؟ فقال له: «اعقلها وتوكل»[5].
وقال الإمام
الطبري يرد على من زعم أن تعاطي الأسباب يؤثر في كمال التوكل: «الحق أن مَنْ
وَثِقَ بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماضٍ، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعاً
لسنته وسنة رسوله، فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين ولبس على رأسه المغفر،
وأقعد الرماة على فم الشُّعَب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى
المدينة، وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادَّخر لأهله قُوْتهم ولم ينتظر
أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك» أ هـ[6].
التخطيط
للمستقبل في سيرة الرسول:
من قرأ سيرته
صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يُعِد لكل أمر عدته، ويهيئ له أسبابه وأُهبَته
ويدل على ذلك: موقفه صلى الله عليه وسلم من حرب الفرس والروم، وما كان من جدل بين
المسلمين والمشركين في هذا مما نزلت فيه أوائل سورة الروم {غُلِبَتِ الرُّومُ 2
فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ
سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْـمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ
يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: ٢ - ٥].
ومن ذلك
موقفه صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة؛ ففيها يتجلَّى التخطيط العلمي
والتوكل الإيماني جنباً إلى جنب. فلقد أعد صلى الله عليه وسلم من جانبه كل ما
يستطيع البشر إعداده من الوسائل والاحتياطات والمعينات. ولقد اطمأن إلى المهجر
الذي سينتقل إليه، بعد أن بايع المؤمنين من الأوس والخزرج بيعة العقبة الأولى
والثانية، واشترط لنفسه أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم. واطمأن إلى
الرفيق الذي سيصحبه، واطمأن إلى الفدائي الذي سيبيت مكانه، ورتب الدليل الذي يدله
على الطريق، وهيأ الرواحل التي سيمتطيها هو وصاحبه ودليله في سفرهم الطويل،
واتفقوا على المكان الموعود الذي سيلتقون به الركائب. وتخيَّر المخبأ الذي يختفي
فيه أياماً معدودة حتى تخف حدَّة الطلب ويتملكَّ القومَ اليأس، واختاره في غير
طريق المدينة زيادة في التعمية على القوم فكان غار (ثور).
ما
قبل الدراسات المستقبلية:
رغم ما
يُعتقَد للوهلة الأولى من أن الدراسات المستقبلية ربما تكون أكثر سهولة نسبية من
مثيلتها الواقعية، إلا أن العكس هو الصحيح، ولتوضيح ذلك نقول: إنه على خط الزمن لا
يمكن استيعاب مرحلة ما إلا بتحقيق قدر كافٍ من الاستيعاب لما يسبقها؛ فلن نفهم
الحاضر إلا باستيعاب الماضي، ولن نقرأ المستقبل إلا بفهم الماضي والحاضر؛ أي أن
البحث في المستقبل أكثر مشقة؛ لأنه يحتاج إلى جهود مضاعفة، ومما ينبغي مراعاته:
أولاً:
البيئة القانونية: تعاني المجتمعات العربية من تدنٍّ في سرعة تدفُّق
المعلومات بسبب عدم وجود قوانين كافية لتحقيق ذلك، بينما تكفل الدول الغربية حرية
المعلومات بقوة القانون.
ثانياً:
مصادر المعلومات: يتمتع الباحثون في الدول الغربية بتوفر عدد هائل من
مصادر المعلومات، التي تشمل مراكز البحوث والدراسات، والمكتبات العامة المتاحة
للجميع.
ثالثاً:
ضعف القدرات البحثية: العجيب أن
مراكز البحوث والدراسات العربية الكثيرة التي يُعلَن عنها ليس لها علاقة بالبحث أو
الدراسة؛ فأغلبها عبارة عن دُورٍ لنشر الكتب أو مجرد مواقع على الإنترنت، كما أن
حركة الترجمة عن المصادر الأجنبية تعاني من ضعف واضح وتقتصر في الأغلب على ترجمة (الأكثر
مبيعاً).
رابعاً:
التكوين النفسي: التكوين النفسي للشخصية العربية يعطي مساحة واسعة
ومتقدمة للعاطفة، وتلك مشكلة مزدوجة عند الرغبة في حلها؛ إذ نحتاج إلى تخفيض جرعة
العاطفة، وإلى تحديد دقيق لمواطن إظهارها أيضاً.
مراكز
الدراسات الاستشرافية[7]:
منذ انتهاء
الحرب العالمية الثانية بدا واضحاً أن الحروب التالية هي حروب أفكار، وأن المنتصر
في هذه الحروب الفكرية هو المنتصر على جميع الأصعدة الأخرى؛ فبدأ ظهور مراكز
الدراسات السياسية والإستراتيجية باعتبارها مصانع لأسلحة الفكر، وليس أدلَّ على
نجاح مراكز الدراسات الإستراتيجية في قيادة الولايات المتحدة إلى ما وصلت إليه
الآن من شبه انفراد بالسيطرة على العالم، من أن عدد هذه المراكز الأمريكية التي
أُطلِق عليها منذ ظهورها (بيوت الخبرة) يتجاوز (1750) مركزاً منتشرة في جميع
الولايات الأمريكية، وتحتضن العاصمة واشنطن وحدها ما يزيد عن مائة منها، ولنا أن
نتصور حجم الميزانيات الضخمة التي تُنفَق على هذه المراكز التي تضم خيرة الباحثين
والمتخصصين في العلوم السياسية والإستراتيجية، وهي مبالغ طائلة، يؤكد ذلك أن
الولايات المتحدة عندما قررت خفض نسبة 2% فقط من موازنة المؤسسة القومية للعلوم، كانت
هذه الـ 2% تزيد عن (105) مليون دولار، وهو ما يعني أن موازنة هذه المؤسسة تتجاوز
(4) مليارات، والأهم من ذلك أن هذه المراكز تعمل بحرية كاملة لا تمنعها من انتقاد
بعض السياسات والممارسات الحكومية، وتطرح البدائل الصحيحة وتقدِّم الأدلة
الموضوعية على خطأ هذه الممارسات وصحة البدائل.
أهداف
الدراسات المستقبلية أو استشراف المستقبل:
الهدف
الرئيسي للدراسات المستقبلية توفير إطار زمني طويل المدى لما قد نتخذه من قرارات
اليوم. ومن ثَمَّ العمل، لا على هدى الماضي، ولا بأسلوب (من اليد إلى الفم) وتدبير
أمور المعاش يوماً بيوم، ولا بأسلوب إطفاء الحرائق بعد ما تقع، بل العمل وَفْقَ
نظرة طويلة المدى وبأفق زمني طويل نسبياً. فهذا أمر تمليه سرعة التغير وتزايد
التعقد وتنامي (غير اليقيني) في كل ما يحيط بنا. ومن جهة أخرى فإن ما تتيحه
الدراسات المستقبلية من إضفاء طابع مستقبلي طويل المدى على تفكيرنا، إنما هو علامة
مهمة من علامات النضج العقلي والرشادة في اتخاذ
القرارات.
مهام
الدراسات المستقبلية:
تحقق
الدراسات المستقبلية أغراضها من خلال إنجاز عدد من المهام المحددة. وقد يكون من
المناسب أن نبدأ بالتعريف الذي قدَّمه أحد أعلام الدراسات المستقبلية (ويندل بيل)
للمهام التي ينشغل بها حقل الدراسات المستقبلية، وهي: (اكتشاف أو ابتكار، وفحص
وتقييم، واقتراح مستقبلات ممكنة أو محتملة أو مفضلة). وبشكل أكثر تحديداً يذكر
(بيل) تسع مهام محددة للدراسات المستقبلية، وهي[8]:
1 - إعمال
الفكر والخيال في دراسة مستقبلات ممكنة.
2 - دراسة
مستقبلات محتملة.
3 - دراسة
صور المستقبل.
4 - دراسة
الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية.
5 - دراسة
الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية.
6 - تفسير
الماضي وتوجيه الحاضر.
7 - التكامل
بين المعارف المتنوعة والقيم المختلفة من أجل تصميم الفعل الاجتماعي.
8 - زيادة
المشاركة الديمقراطية في تصور وتصميم المستقبل.
9 - تبني
صورة مستقبلية مفضلة والترويج لها.
منهجيات
وأدوات الدراسات المستقبلية:
ثمة مجموعة
من الخصائص المنهجية المرغوب في توفرها في الدراسات الاستشرافية الجيدة. ومن أبرز
هذه الخصائص ما يلي:
1 - الشمول
والنظرة الكلية للأمور.
2 - مراعاة
التعقد.
3 - القراءة
الجيدة للماضي باتجاهاته العامة السائدة.
4 - المزج
بين الأساليب الكيفية والأساليب الكمية في العمل المستقبلي.
5 - الحيادية
والعلمية.
6 - عمل
الفريق والإبداع الجماعي.
7 - التعلم
الذاتي والتصحيح المتتابع للتحليلات والنتائج.
طرق
البحث في المستقبل:
ويمكن تقسيم
طرق البحث المستقبلي وَفْقَ معايير متنوعة. فقد تصنَّف هذه الطرق حسب درجة
اعتمادها على قياسات كمية صريحة إلى طرق كمية وطرق كيفية. كذلك قد تصنف طرق البحث
المستقبلي إلى طرق استطلاعية تقدِّم صوراً مستقبلية احتمالية، وطرق استهدافية
تقدِّم صوراً لمستقبلات مرغوب فيها. وقد يميز بين طرق نظامية أو موضوعية من جهة،
وطرق غير نظامية أو ذاتية من جهة أخرى.
ويكتفي
بتقديمها في عشر مجموعات تغلب على كل مجموعة منها سمة منهجية معينة[9]، وذلك على النحو التالي:
1 - طرق
السلاسل الزمنية: ومنها طرق إسقاط الاتجاه العام trend extrapolation بالمتوسطات المتحركة وتحليل
الانحدار.
2 - طرق
الإسقاطات السكانية: ومن أشهرها ما يُعرَف بطريقة الأفواج والمكونات cohort-component method؛ حيث يتم حساب النمو في عدد السكان من مكونات محددة كالمواليد
والوفيات والهجرة إلى الدولة والهجرة من الدولة.
3 - النماذج
السببية causal models: وهنا يتم التنبؤ بقيم متغيرة ما أو مجموعة متغيرات باستعمال
نموذج يحدد سلوك المتغيرات المختلفة استناداً إلى نظرية ما.
4 - الألعاب
أو المباريات gaming، وهي طريقة تعتمد على المحاكاة
ليس فقط من خلال الباحث في الدراسات المستقبلية، بل وكذلك بإشراك الناس فيها على
أنهم لاعبين يقومون بأدوار role playing يتخذون فيها قرارات أو تصرفات
5 - تحليل
الآثار المقطعية cross impact analysis وهو أسلوب لفهم ديناميكية نسق ما، والكشف عن القوى الرئيسية
المحركة له.
6 - الطرق
التشاركية participatory methods: تتيح المجال لمشاركة القوى الفاعلة أو الأطراف المتأثرة بحدث ما
في عملية تصميم البحث وجمع المعلومات اللازمة له وتحليلها واستخراج توصيات بفعل
اجتماعي معين بناء على نتائجها.
7 - طرق
التنبؤ من خلال التناظر والإسقاط بالقرينة: وتقوم على استخراج بعض جوانب الصور
المستقبلية استناداً إلى أحداث أو سوابق تاريخية معيَّنة.
8 - طرق
تتبُّع الظواهر وتحليل المضمون: يقصد بطريقة تتبُّع الظواهر monitoring استخدام طائفة متنوعة من مصادر المعلومات في التعرف على الاتجاهات
العامة لمتغيرات معيَّنة، مع افتراض أن الاتجاهات العامة التي يتم الكشف عنها هي
التي ستسود في المستقبل.
9 - تحليل
آراء ذوي الشأن والخبرة: ومن هذه الأساليب طريقة المسوح surveys التي يتم فيها استطلاع رأي أو توقعات عيِّنة من الأفراد؛ سواء من
خلال استبيان يرسل بالبريد أو يتم تعبئته عن طريق المقابلة الشخصية أو الاتصال
التليفوني. ومنها طريقة ندوة الخبراء panel discussion، وطريقة الاستثارة الفكرية أو القدح الذهني brain storming، وطريقة دلفي Delphi method التي يتم فيها استطلاع الآراء
والتحاور بشأنها.
10 -
السيناريوهات Scenarios: السيناريو وصف لوضع مستقبلي ممكن
أو محتمل أو مرغوب فيه، والأصل أن تنتهي كل الدراسات المستقبلية إلى سيناريوهات؛
أي إلى مسارات وصور مستقبلية بديلة.
مفهوم
المراكز الفكرية[10]:
يعرف معجم
وبستر webster dictionary المركز الفكري بأنه: (مجموعة من الناس وعادة من الأكاديميين أو
مديري الأعمال، أو موظفي الحكومة المنظَّمين من أجل البحث ودراسة المشكلات
الاجتماعية والعلمية وغيرها).
أما معجم
التراث الأمريكي American heritage dictionary فيعرَّف المركز الفكري بأنه: (جماعة أو هيئة منظَّمة تقوم بأبحاث
متعمقة لحل المشكلات، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والمجالات الإستراتيجية أو
الاجتماعية أو السياسية أو التسلح).
ويعرَّف معجم
العلاقات الدولية المركز الفكري بأنه: (معهد أبحاث مموَّل على نحو مستقل ويهتم
بدراسة العلاقات الدولية ومجالات قضايا السياسة الخارجية).
وتعرَّف
الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية والسلوكية المركز الفكري بأنه: (هيئة أو منظمة
تتمتع باستقلالية نسبية وتتعاطى مع الأبحاث والتحليلات الخاصة بالقضايا المعاصرة
(الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) بعيداً عن الحكومات والأحزاب السياسية وجماعات
الضغط).
ومن هنا
فالمركز الفكري مصطلح يصف - تحديداً - المنظمات التي تدعم أصحاب نظريات المعارف
المتداخلة ودعاتها، وكذلك المفكرين الذين يحاولون وضع الأبحاث والتوصيات المتعلقة
بالسياسة.
وبعد هذا
العرض الموجز والإحصاءات المحفزة، لا زال الرجاء قائماً في أن ننقل العناية بمراكز
الدراسات المستقبلية من حيز الأُمنيات والنظريات، إلى دائرة الطبعيات والمألوفات،
وأن تصبح ثقافة عامة لدى العموم تنشأ وَفْقَ أسس منهجية إسلامية علمية يتربى عليها
الصغار قبل الكبار، والله الموفق.
[1] للمزيد
انظر: إسماعيل صبري عبد الله، توصيف الأوضاع العالمية المعاصرة، الورقة (3) من
أوراق مصر 2020م، منتدى العالم الثالث، القاهرة، يناير 1999م.
[2] من
أشهر الجمعيات العلمية في هذا المجال جمعيتان: الأولى هي: World Future Society، التي تصدر مجلة The Futurist، ودورية Futures Research Quarterly، ودليل للمنظمات والدوريات في مجال البحوث
المستقبلية Futures Research Directory: Organizations and
Periodical، وكذلك
دليل للأفراد المشتغلين بالدراسات المستقبلية: Futures Research Directory Individuals.
للمزيد راجع موقع الجمعية على الإنترنت: www.wfs.org
أما
الجمعية الثانية فهي:
World Future Studies
،Federatrion
ولها نشرة ربع سنوية بعنوان: Futures Bulletin وكذلك
كتاب دوري بعنوان World Future Studies Federation Newsletter
وعنوان موقعها على الإنترنت هو : www.worldfutures.org
[3] محمد
العبدة، موقع الإسلام اليوم http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=185&artid=952
[4] من
دراسة د. مسفر القحطاني، منشورة على موقع الإسلام اليوم:
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=185&artid=11273
[5] أخرجه
الترمذي وابن حبان وابن خزيمة.
[6] نقله
الشوكاني في نيل الأوطار.
[7] من
مقال د. محمد بن سعود البشر، موقع الإسلام اليوم:
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=185&artid=4864
[8] انظر الفصل الثاني في المجلد
الأول من كتاب:
Wendell Bell، Foundations of Futures
Studies، Transaction Publishers، New Jersey، 1997.
[9] للاستزادة
حول الطرق المذكورة راجع كتاب Wendell Bell، مرجع سبق ذكره الفصل السادس من المجلد
الأول. انظر أيضاً:
R.
Slaughter، Futures Tools and
Techniques، Future Study Centre
and DDM Media Group، Melbourne/Australia،
1995.
انظر
عرضاً أكثر تفصيلاً لبعض هذه الطرق في عملين لكاتب هذه الورقة :
1 - نظرة
عامة على أساليب التنبؤ، ورقة ضمن المطبوعات التدريبية للمعهد العربي للتخطيط
بالكويت، قدمت في برامج تدريبية متعددة خلال المدة بين عامي 1992 - 1995م.
2 - السيناريوهات،
الورقة رقم (1) من أوراق مصر 2020م، منتدى العالم الثالث، القاهرة، يوليو 1998م.
[10] كتاب
المراكز الفكرية بأمريكا... الظاهرة والدور والتأثير عام 2008م، د. باسل رؤوف الخطيب،
مركز الملك فيصل للبحث والدراسات الإسلامية - السعودية.