مقدمة:
في العلاقات الدولية المعاصرة قلَّما
استُعملَت كلمة أو أسيء استخدامُها، أو استُعملَت على نحو تعسفي مثل كلمة الإرهاب.
ولعل مفهوم أو مصطلح (الإرهاب) TERRORISM هو
من أكثر المفاهيم التي كانت وما زالت عرضة للتلاعب والاستخدام المزدوج من أطراف
كثيرة في مقدمتها الولايات المتحدة والغرب والصهيونية وكثير من الأنظمة التسلطية
والتعسفية والدكتاتورية؛ محاولين تطويع هذا المفهوم واستخدامه ذريعة للبطش
بالمناوئين والمعارضين والتنكيل بحركات التحرر من الاستعمار والظلم والعبودية.
وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م في الولايات المتحدة لتكون ذريعة لحملة
عدائية سياسية شرسة ومنظمة ضد العرب والمسلمين؛ هدفها ربط الإرهاب بالعرب
والمسلمين، كما أن سلطات الاحتلال الصهيوني الغاشم تستخدم ما يسمى بـ (مكافحة
الإرهاب) ذريعة لتصفية المقاومة والانتفاضة الفلسطينية الجهادية المشروعة. وفي
العراق ما زالت السلطة تَصِم المقاومة العراقية المناوئة للاحتلال بأنها (إرهاب).
فمنذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي
وكلمة (الإرهاب) ومشتقاتها (إرهابي - حركات إرهابية - تنظيمات إرهابية - حكومات
إرهابية) وغيرها تغزو ميدان الاستخدام السياسي، ولحقتها حقول أخرى، فقد انكب
المؤلفون في علوم النفس والقانون والاجتماع والفلسفة والإجرام والإستراتيجية
والعلوم العسكرية وغيرها على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة أخرى في عصرنا،
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة صدرت آلاف من عناوين الكتب والبحوث والمقالات كلها
تبحث في الإرهاب، وصار هناك كتَّاب متخصصون في شؤون الإرهاب، واستُحدثَت وحدات
إجرائية مختصة بموضوع الإرهاب، وبات الإرهاب ومكافحة الإرهاب في صدارة أجندة
لقاءات رؤساء الدول والمؤتمرات الدولية والإقليمية؛ سواء ما يتعلق منها بالأمن
وسواها، كما تم تأسيس كثير من المعاهد التي تتبع الجامعات أو الحكومات لدراسة
الإرهاب، واقتراح الإستراتيجيات المضادة للإرهاب، وتحليل شخصيات المتهمين بحوادث
الإرهاب وغير ذلك؛ وكأنما الإرهاب هو الشغل الشاغل الوحيد لعالم مليء بالعُقَد
والمشاكل.
على الرغم من أن الإرهاب قديم قدم التاريخ،
كعمل يولِّد حالة من الرعب والفزع؛ إلا أن الحملة الإعلامية العالمية التي تقودها
أميركا والصهيونية، وما كتب وما يزال يكتب ويبث عن الإرهاب، جعلت كثيرين يعتقدون
أننا نعيش في حقبة (هوس الإرهاب)، وأصبح بعض الناس يصدق أن الإرهاب (وليس
الاستعمار الجديد، ولا التفرقة العنصرية، ولا إبادة الجنس البشري، ولا سباق
التسلح، ولا الانتهاك المروع لحقوق الإنسان والحريات الأساسية بما في ذلك حق
الشعوب في تقرير مصيرها...) أن الإرهاب وحدَه هو الخطر البادي للعيان وهو التهديد
الرئيس لوجودنا، ووجود البشرية. والأدهى من ذلك أن كل تلك الجهود التي بذلت وما
تزال في سبيل الإشارة إلى خطر الإرهاب قد فشلت؛ ليس في استئصال شأفة الإرهاب فحسب،
وإنما فشلت في تحديد هذا المفهوم الغامض، وتقف في وجه محاولات دول العالم لتحديد
مفهوم موحد للإرهاب الولاياتُ المتحدةُ التي تريد إبقاء هذا المفهوم غامضاً لخدمة
أغراضها العدوانية والدفاع عن حليفها الدائم الكيان الصهيوني الغاصب.
التعريف اللغوي للإرهاب:
الإرهاب في اللغة من مصدر (رَهَبَ)
(أَرْهَبَ) أخاف وأفزع، ويشتمل هذا الخوف على التعظيم والتوقير حينما يتوجه إلى
الله - تعالى - فيقال: أصابته الرهبة من الله. يقصد بها الخوف مع التعظيم. وقد ورد
الفعل باشتقاقات عدة في القرآن الكريم؛ حيث تكررت كلمة رَهَبَ ومشتقاتها في القرآن
الكريم اثنتي عشرة مرة، منها قوله - تعالى -: {وَلَـمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ
أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154].
وقوله - تعالى -: {وَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40].
وقوله - تعالى -: {وَاضْمُمْ إلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ
الرَّهْبِ}.
[القصص: 32]
وقوله - تعالى -: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا
سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} [الأعراف: 116].
وقوله - تعالى -: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْـخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ}
[الأنفال: 60].
وبمعنى آخر فإن معظم الإشارات القرآنية
لكلمة رهب تدلل على الخوف والتعظيم عدا الآية الأخيرة {وَأَعِدُّوا} التي تعني إرهاب الأعداء؛ أي إخافتهم وبثُّ
الرعب بينهم، لذلك يذهب بعض المتخصصين في اللغة العربية إلى أن استخدام كلمة (الإرهاب)
ترجمةً عربية مقابلة للمصطلح الأجنبي (Terrorism) غير صحيح؛ لأن الرهبة وردت في عدة مواضع من
القرآن الكريم بمعنى الخوف المقترن بالاحترام والخشية، والدعوة إلى مخافة الله؛
وليس الخوف المقترن بالذعر والتفزيع، وانتهوا إلى أن الترجمة الصحيحة يفترض أن
تكون هي (الإرعاب) وليس (الإرهاب) على الرغم من أن مجمع اللغة العربية قد أجاز
استخدام المعنى الاصطلاحي للإرهاب وهو التخويف والترويع والفزع.
نبذة تاريخية:
تعود فكرة الإرهاب إلى أيام الثورة الفرنسية
ودعوة روبسبير الشهيرة إلى (إرشاد الشعب بالمنطق، وأعداء الشعب بالإرهاب، وأن
الإرهاب ما هو إلا العدالة الفورية). وارتبط الإرهاب بتحقيق الأهداف السياسية،
وتعود أُولَى محاولات تعريف الإرهاب قانونياً إلى أيام عصبة الأمم، وتحديداً بعد
اغتيال ملك يوغسلافيا في 9/10/1943م في فرنسا؛ حيث دعت فرنسا إلى مشروع ميثاق دولي
حول الإرهاب وصدر الميثاق الدولي لمكافحة الإرهاب في 16/11/1937م، وعرف الإرهاب
بأنه: (الأفعال الجنائية الموجهة ضد دولة ويكون الغرض منها، أو يكون من شأنها
إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من أو لدى الجمهور). إن من أهم
المشاكل التي واجهتها المنظمة الدولية للأمم المتحدة منذ انبثاقها هما مشكلتا
تحديد مفهومي (العدوان) و (الإرهاب) نظراً لأن ميثاق الأمم المتحدة في مادته (50)
سمح للدول أن تستخدم قواتها المسلحة بصورة جماعية أو منفردة، لرد العدوان الذي
تتعرض له، وهذا أوجب بالضرورة تحديد مفهوم العدوان من أجل أن تتمكن الدول من أن
تستخدم قوتها المسلحة ضد دولة أخرى تحت غطاء الشرعية والدفاع الشرعي، ولم تتمكن
الأمم المتحدة من التوصل إلى تعريف (العدوان) إلا من خلال القرار (3314) في عام
1974م، ومع ذلك بقيت القوى المتغطرسة في العالم، وبخاصة الولايات المتحدة المدافع
العنيد عن الصهيونية، تستخدم هذا المفهوم استخداماً مزدوجاً؛ بما يخدم مصالحها
وأهدافها الخبيثة.
أما مفهوم (الإرهاب) TERRORISM - سواء الداخلي منه أو الدولي - فقد ظل عصيّاً على التعريف من
قِبَل المنظمة الدولية، وخاصة بسبب تدخُّل الولايات المتحدة التي تصرُّ على (تحريم
جميع أنواع الإرهاب مهما كان ومن أية جهة يصدر، وبغض النظر عن الهدف أو الأهداف
التي تكمن وراءه. وهذا يعني حرمان الشعوب من استخدام حق تقرير المصير، ومنعها من
الكفاح المشروع ضد الاستعمار والاحتلال). ولهذا لم تحدد الأمم المتحدة مفهوم
الإرهاب، وبقي موضوعه مختلطاً مع مفهوم (العدوان وحق الدولة في مقاومة العدوان)،
وهو ما يخدم المصالح الأميركية والصهيونية، وأصبحت أميركا والصهيونية تستخدم هذه
الذريعة في العدوان على الدول بحجة إيوائها الإرهاب أو دعمها للإرهاب، علماً أن
المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة لا تجيز لأي دولة الاعتداء على دولة أخرى
بذريعة الدفاع الشرعي إلا في حالة صدور العمل العسكري العدواني من القوات المسلحة
للدولة ذاتها. أما في حالة اتهامها بإيواء أنشطة إرهابية وثبوت ذلك فإن الطريق
القانوني الصحيح لمعالجة هذه الحالة هو تطبيق اتفاقيات تسليم المجرمين المعقودة
بين الدول. وما قامت به الولايات المتحدة ضد أفغانستان يتناقض وأحكام القانون
الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يشكل جريمة
ضد الإنسانية بكل معانيها.
المحاولات المبذولة من أجل التوصل
لتعريف الإرهاب:
لقد بُذلَت خلال العقود المنصرمة من القرن
العشرين محاولات كثيرة لتعريف الإرهاب، منها تعريف العالم القانوني (شميد) الذي
عرَّف الإرهاب بأنه: (أسلوب من أساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا الرمزية كهدف
عنف فعال من خلال الاستخدام السابق للعنف أو التهديد به).
ومنها تعريف (لاكور) وهو: (عمل سياسي يتم
توجيهه إلى هدف محدد ويشمل استخدام التهديد المبالَغ فيه ويكون ضحاياه مجرد رموز
ليسوا معنيين بشكل مباشر. والإرهاب يحتِّم الاستخدام المقصود للعنف أو التهديد
باستخدامه ضد هدف وسيط يؤدي في المستقبل إلى تهديد هدف أكبر وأكثر أهمية؛ وبذلك
المعنى يهدف إلى إثارة الخوف أو القلق الداخلي لكي يتم إجبار الهدف على الاستسلام
أو على تعديل موقفه). ومنها التعريف الذي يذهب إلى أن الإرهاب: هو الأفعال الجرمية
الموجَّهة ضد السلطة والمتمثلة في إشاعة الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعة من
الأشخاص أو عامة الشعب.
لقد عدَّدتْ الكتب والأدبيات الصادرة عن
الإرهاب أكثر من مائة تعريف للإرهاب بعضها قانوني وأغلبها سياسي يخدم وجهة النظر
التي ينطلق منها أو الأيديولوجية التي يحملها. أما الإرهاب في القوانين الوطنية
فإنه كان موضع نظر رغم أن دراسة حديثة صادرة عن المركز الحقوقي للإرهاب في
القوانين الوطنية تشير إلى أن حوالي 53 دولة سنَّت قوانين خاصة ضد الإرهاب وخصوصاً
في العقد الأخير في حين أن دولاً كثيرة اكتفت بقوانين العقوبات النافذة ولا ترى أن
هناك داعياً لإصدار قانون خاص لمكافحة الإرهاب، وما زالت الولايات المتحدة تقف
بشدة ضد أي محاولة لاستصدار تعريف أممي من خلال الأمم المتحدة يحدد معنى
(الإرهاب)؛ منعاً للاستخدام المزدوج الذي تمارسه بعض الأطراف - وخصوصاً الولايات
المتحدة والكيان الصهيوني - في استخدام العنف والعدوان بذريعة مكافحة الإرهاب.
خطف الطائرات أبرز صور الإرهاب:
لقد برزت الحاجة الماسة إلى تعريف مانع شامل
للإرهاب وضرورة الفصل بينه وبين ما قد يختلط به من حالات الاستخدام المشروع للقوة
دفاعاً عن النفس، والكفاح ضد الاحتلال. وقد توصلت دول العالم إلى عقد كثير من
الاتفاقيات في محاولة للخروج بتعريف موحد لمفهوم الإرهاب؛ وخاصة في فترة الستينيات
والسبعينيات بعد أن تزايدت حالات خطف الطائرات، ويلاحَظ أن معظم هذه الاتفاقيات
كان بمبادرة من منظمات الطيران العالمي بهدف وضع حد لحوادث خطف الطائرات التي برزت
في تلكم الفترات.
وقد كان أول حادث خطف طائرة قد حدث عام
1930م بخطف طائرة تعود لحكومة بيرو من قِبَل معارضين، ثم ظهرت موجة من حوادث خطف
طائرات عائدة لدول أوروبا الشرقية بين عامي 1947م - 1953م بلغت 14 حادثاً، ثم بدأت
حوادث اختطاف طائرات أميركية باتجاه كوبا بعد عام 1958م، ثم بدأت موجة خطف
الطائرات من قِبَل فصائل المقاومة الفلسطينية بهدف لفت أنظار العالم إلى المأساة
التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ثم أعقبتها عمليات خطف طائرات مختلفة الجنسيات ومن
قِبلَ مختلف التشكيلات، والفئات ولإغراض مختلفة.
ولعل من المناسب أن نذكر أن أول حادث خطف
لطائرة عربية حصل عام 1954م حين قامت القوات الصهيونية الجوية باعتراض طائرة مدنية
سورية في الجو وإجبارها على الهبوط في اللد، وكانت العملية منظمة من قِبَل موشي
ديان؛ بهدف الحصول على رهائن لضمان إطلاق سراح جواسيس صهاينة لدى السلطات السورية.
كما قامت طائرات حربية فرنسية بخطف طائرة مدنية مغربية تُقِلُّ عدداً من قادة جبهة
التحرير الجزائرية واعتقالهم ومن بينهم أحمد بن بللا. ونذكـر هنا عملية القرصنة
الصهيونية ضد الطائرة المدنية الليبية أثناء تحليقها في سيناء عام 1973 وكذلك حادث
اعتراض الطائرة المدنية المصرية من قِبَل الصهاينة عام 1975م.
الجهود العربية لتحديد مفهوم الإرهاب:
على نطاق الوطن العربي بذلت جهود من
أجل التوصل إلى تعريف موحَّد للإرهاب يلغي الإشكاليات الحاصلة في المفهوم الدولي
السياسي والاستخدام المغرِض من قِبَل بعض الأطراف لموضوع الإرهاب؛ وبما يؤكد حق
الشعب العربي الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني، وواصل العمل العربي مسيرتَه
في تحديد مفهوم واضح للإرهاب وأصدر مجلس وزراء الداخلية العرب خلال دورته 13 في
عام 1996م مدونة طوعية لسلوك الدول الأعضاء لمكافحة الإرهاب، وفي دورته 14 في عام
1997م وضع الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب، وتواصلت الجهود العربية على نطاق
كلٍّ من مجلس وزراء الداخلية العرب ومجلس وزراء العدل العرب إلى وضع (الاتفاقية
العربية لمكافحة الإرهاب) التي أقرها الاجتماع المشترك للمجلسين المذكورين
بالقاهرة في أبريل من عام 1998م بحضور وزراء العدل والداخلية العرب.
تعريف الإرهاب وَفْقَ الاتفاقية العربية:
عرَّفت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب،
الإرهاب بأنه: (كلُّ فعل من أفعال العنف أو التهديد به - أيّاً كانت بواعثه أو
أغراضه - يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين
الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم إلى الخطر أو إلحاق
الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو
الاستيلاء عليها، وتعريض أحد الموارد الوطنية للخطر).
من الملاحظ أن هذا التعريف قد تمت استعارته
من تعريف المشرِّع المصري في قانون العقوبات بالمادة (86) من القانون رقم (97)
لسنة 1992م، الذي نص على أن (الإرهاب... كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو
الترويع، يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي (فردي أو جماعي)؛ بهدف الإخلال
بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر؛ إذا كان من شأن ذلك إيذاء
الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو
إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو بالمواصلات أو بالأموال أو بالمباني أو
بالأملاك (العامة أو الخاصة) أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة
ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق
الدستور أو القوانين أو اللوائح) ويلاحظ عليه توسُّع المشرع في تحديد صور ووسائل
الإرهاب.
الفصل بين الإرهاب والكفاح المسلح ضد
الاحتلال:
لقد نص ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى
على (حق الشعوب في تقرير مصيرها) وأكدت الجمعية العامة ذلك بقرارها (1514) في
14/12/1960م على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها وأن لها حقاً أصيلاً في الكفاح
بجميع الوسائل الضرورية التي في متناولها ضد الدول الاستعمارية التي تقمع تطلعها
نحو الحرية والاستقلال.
كما تضمَّنت الاتفاقية العربية لمكافحة
الإرهاب، تمييزاً بين (الإرهاب) و (حالات استخدام القوة التي تقتضيها ضرورات
النضال الوطني والدفاع عن النفس وتحقيق الاستقلال؛ حيث نصت الاتفاقية على ألا
تُعَدَّ من الجرائم الإرهابية حالاتُ الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان
من أجل التحرر وتقرير المصير وَفْقاً لمبادئ القانون الدولي، واستثنت من ذلك كل
عمل يمس الوحدة الترابية لأية دولة عربية.
إن حق تقرير المصير يعني أن يكون لكل شعب
السلطة العليا في تقرير مصيره دون أي تدخل أجنبي، وقد ورد مبدأ تقرير المصير في
ميثاق الأمم المتحدة مع إنشائها عام 1945م في الفقرة الثانية من المادة الأولى،
الخاص بأهداف الأمم المتحدة، وهو اليوم أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي.
ويعد الكفاح المسلح للشعوب وحركات التحرر
الوطني من الوسائل المشروعة خصوصاً الشعوب التي تخضع للهيمنة الأجنبية، ومع ذلك
فقد حصل خلاف شديد بين المشاركين في اجتماعات الدورة 27 للهيئة العامة للأمم
المتحدة عام 1977م في إطار اللجنة الدولية الخاصة بالإرهاب الدولي، فقد أشارت بعض
الدول إلى ضرورة استبعاد الأعمال المرتكبة من حركات التحرر الوطني المعروفة
بكفاحها من أجل الاستقلال وتقرير المصير من أعمال الإرهاب.
إرهاب الدولة أخطار أنواع الإرهاب:
أن أخطر أنواع الإرهاب هو ذلك الإرهاب الذي
تمارسه الدول، وخاصة حين تقوم القوات المسلحة النظامية لدولة ما بالهجوم على دولة
أخرى، أو شعب آمن؛ بهدف خلق حالة من الذعر والرعب والهلع لتحقيق أهداف ومآربَ
سياسية مصلحية، وفي مقدمة الأمثلة على ذلك ما تمارسه الإدارة الأميركية من أعمال
إرهابية بحق العراقيين منذ فرض الحصار الاقتصادي والغزو الأمريكي للعراق وتدمير
البنى التحتية والمدن العراقية، وقتل المدنيين، واستخدام اليورانيوم وأسلحة الدمار
الشامل التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي. وما تمارسه كذلك
سلطات الاحتلال الصهيوني الغاشم: من اعتداء وتنكيل بحق شعبنا العربي الفلسطيني،
وما تفعله أميركا من نظرة مزدوجة المعايير؛ فهي تنظر إلى ما يفعله الكيان الصهيوني
الغاصب على أنه دفاع مشروع عن النفس وأن ما يقوم به الشعب الفلسطيني البطل هو
إرهاب. ويقع ضمن هذا المسلك ما تتبعه الولايات المتحدة من إلصاق تهمة الإرهاب
بالعرب والمسلمين، وهذا ما صرَّح به (نتنياهو) رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق
في كتابه (محاربة الإرهاب) واتهم فيه الإسلام والمسلمين بالإرهابية، مؤلِّباً
الغرب على ما أسماه بحركة الإرهاب الإسلامي.
أمتنا ترفض الإرهاب وتؤكد حق المقاومة:
إن أمتنا العربية والإسلامية ترفض الإرهاب
بكافة أشكاله وصوره وتعدُّه مخالفاً لتعاليمنا الدينية وتراثنا الحضاري وضاراً
بأمننا واستقرارنا، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نوافق على وصف النضال الذي
يخوضه الشعبان (العراقي والفلسطيني) بالإرهاب؛ لأنه وصف متحيز وبعيد كل البعد عن
الحقيقة؛ فالأعمال المقاوِمة للاحتلال إنما تعبِّر عن حالة الإحباط التي يعانيها
الشعبان (العراقي والفلسطيني) من قَتْلٍ واضطهاد واحتلال؛ تشكل بمجملها إرهاب
الدولة الذي هو أخطر أشكال الإرهاب.
وأخيراً نقول: إن الإرهاب والتطرف لا يمكن
أن ينشآ من فراغ؛ إنما هما ردُّ فعل يبلوره فعل متشدد بلا مسوغ، أكثر مما ينضجه
الفعل الواعي القادر على أن يسمع ويرى ويتأمل كما ينبغي. إننا في الأمة العربية
(كما هو حال المسلمين في كل بقاع الدنيا)، نمقت الإرهاب ونستنكره؛ لأنه ليس من
شمائل العروبة والإسلام، ولأننا نحن العرب والمسلمين أكبر ضحايا الإرهاب الأمريكي
والصهيوني.
لقد كانت أمريكا تتشدق بمكافحة الإرهاب حين
أتى حصارها الظالم على العراق بقتل أكثر من نصف مليون طفل عراقي خلال فترة الحصار
الجائر وهو أعتى أنواع الإرهاب، كما أن أمريكا ذاتها التي تتشدق بأن احتلال العراق
كان من ضمن حملة ضد الإرهاب، فإن كانت عملية 11 سبتمبر المشبوهة أودت بحياة 5000
شخص (كما يزعمون) فإن حرب أمريكا على العراق وأفغانستان - بذريعة الحرب على
الإرهاب - قد أودت بحياة أكثر من مليوني إنسان بريء معظمهم من الأطفال والنساء؛
فهل هذه هي العدالة؟ ويا تُرى من هو الإرهابي الحقيقي في العالم؟