الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:
فإن من أكثر
الامتحانات تمييزاً لمعادن الرجال: أن تتعارض في طريقهم المبادئ مع
المصالح الشخصية؛ فترى الرجل الصادق عاضّاً على مبادئه بالنواجذ، لا تغريه المصالح،
ولا تميل به الأهواء، ولا تُسخِطُه الفتن، ولا تثنيه والمكائد، وحاله كما قال
الشاعر:
تزول الجبالُ الراسياتُ وقلبُه
على العهدِ لا يلوِي ولا
يتغيَّرُ
أما النفوس
الضعيفة، فإنها تتصاغر أمام بريق المصالح، فتُعرِض عن مبادئها، وتتنكر لقيمها،
وربما باعتها بعَرَض زائل، أو بثمن بخس.
وما أكثر
أولئك المتساقطين في زمن الأهواء؛ ذلك الزمن الذي باع فيه بعض الساسة قيمهم،
وتساقطوا الواحد بعد الآخر في امتحانهم أمام شعوبهم، وتطاول فيه بعض علماء السوء
فجعلوا المعروف منكراً والمنكر معروفاً، واستسلم فيه بعض المثقفين والمفكرين
لأهوائهم وراحوا يزوِّرون الحقائق ويتملقون بطريقة فجَّة، وأصبح كثير من
الإعلاميين يتحدثون عن القيم والأخلاق دون أن تُرَى حقيقتُها على أعمالهم، وأخذ
بعض التجار يلهثون وراء مطامعهم المادية؛ حتى وإن كانت على حساب الآخرين!
إن القيم والمبادئ
ليست شعارات سياسية أو اجتماعية يتدثر بها الناس للزينة والتباهي؛ وإنما هي ركائز
راسخة في نفوس الصادقين يتقربون بها لرب العالمين وحدَه لا شريك. وإذا أردتم
أن تروا كيف تنتصر المبادئ و تسمو النفوس على زخارف الدنيا، فاقرؤوا قصة صهيب
الرومي -
رضي الله عنه
- عندما ترك
ماله كلَّه للمشركين شوقاً للهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد
استقبله صلى الله عليه وسلم بقوله: «يا أبا يحي! ربح البيع»، وتلا قول
الله -
تعالى
-: {وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}. [البقرة: 207][1]
[1]
أخرجه الحاكم في المستدرك: (3/ 398). وقال الشيخ مقبل الوادعي: «له طرق أخرى
أغلبها مراسيل، كما في الإصابة وفي الطبقات لابن سعد، وهي بمجموعها تزيد الحديث
قوة وتدل على ثبوته»، الصحيح المسند من أسباب النزول، ص 15.