• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
في مجالس سعد يتربى المصلحون

في مجالس سعد يتربى المصلحون

سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - من العشرة المبشرين بالجنة[1] من السابقين الأولين، كان ثالث ثلاثة في الإسلام[2]. صبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار الشعب، وتحمل الشدة والجوع[3]. حمل لواء الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورمى بأول سهم في الإسلام[4]. وشهد بدراً ولم يكن في وجهه شعرة واحدة يمسحها بيده[5]. وشهد أُحُداً وأبلى فيها بلاءً حسناً وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولَّى الناس[6]، حتى فدَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوالديه وقال له: «اِرم فداك أبي وأمي»[7]. ثم شهد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كلها مقبلاً غير مدبر، لم يتخلف عن شيء منها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفتخر به قائلاً: «هذا خالي؛ فَلْيُرني امرؤ خاله»[8]. وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتخر به لولا أنه كان من الأفذاذ النوادر المستحقين لذلك.

ولمَّا أراد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فتح العراق، ومواجهة مملكة فارس، فتش في أصحابه، واستشارهم، ولم يرَ أقدر من سعد (الأسد في براثنه)[9] لتولي هذه المهمة العظيمة؛ فالراسخون من العمالقة هم وحدَهم القادرون على تحمُّل الشدائد والواجبات الكبيرة، وكان - رضي الله عنه - عند حسن الظن به؛ فأبلى بلاء حسناً، وسطر أروع الأمثلة في التضحية والقوة والبسالة.

ومجالسه التي يمكن أن تُسلتهَم منها القدوة والمثل الحي، كثيرة جداً، أكتفي منها بثلاثة مجالس:

 المجلس الأول: العقيدة القتالية:

تتحدث الدول دائماً عن العقيدة العسكرية لجيوشها باعتبارها المحرك الأساسي للتضحية والدفاع عن الوطن، وكل دولة تحاول أن تستدعي من تاريخها وحاضرها ما يمكن توظيفه لاستثارة الحمية القتالية للجنود.

حسناً، لكن أتدرون ما العقيدة القتالية لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لما أراد إسقاط دولة فارس، أقوى إمبراطورية في عصره؟

لقد انتدب سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أصحابه لخوض نهر دجلة من أجل مواجهة الفرس واقتحام المدائن مقر قصر كسرى، فتقدم جمع منهم، وأحجم آخرون، فقال سعد: «أتخافون هذه النطفة؟» (يعني: ماء البحر)، ثم تلا قول الله – تعالى -: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إلاَّ بِإذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً} [آل عمران: 145]، ولكي يتحقق المقصود بدأ بنفسه؛ فاقتحم فرسه في النهر، واقتحم الناس من ورائه.

فجعل سعد يقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل، والله! لينصرن الله وليه، وليُظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه». وهذا اليقين الراسخ بنصر الله وتأييده لأوليائه، ليس مطلقاً عند سعد؛ بل هو مشروط بقوله: «إن لم يكن في الجيش بغي، أو ذنوب تغلب الحسنات»[10].

وقد تضمنت هذه العقيدة القتالية عدداً من المعالم، من أهمها:

أولاً: القوة والشجاعة، وعدم التردد في اقتحام الأهوال: ولهذا سمى سعد أول كتيبة اقتحمت النهر بكتيبة الأهوال.

نعم، كانت مخاطرة عظيمة؛ فاقتحام نهر كبير مثل نهر دجلة، يتطلب إقداماً وعزيمة، وصدق الشاعر في قوله:

إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ؛

                               فإنَّ فسادَ الرأي أن تترددا

لقد سطر ذلك الرعيل الأول – رضي الله عنهم – أبلغ أنواع القوة والبسالة، ولم يكن المقوقس ملك مصر مبالغاً عندما وصف فاتحي مصر بقوله: (لو استقبلوا الجبال لأزالوها)[11]. ونظير هذا وَصْف أحد قادة النصارى شجاعة الجيش الإسلامي الذي فتح الأندلس بقوله: (إنه نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء نزلوا أم من الأرض خرجوا؟)[12].

ثانياً: أن القدوة هي أساس التحفيز؛ فعندما يكون القائد في مقدمة الصفوف؛ فإن أصحابه لن يترددوا بالاقتداء به والسير على منهاجه، وشخصية القائد لها أثر كبير في استشارة الهمة، واستنهاض البطولة. والقادة إنما يتميزون وتظهر معادنهم في وقت الشدائد والكرب.

ثالثاً: الثقة بنصر الله وتأييده، واليقين بموعود الله – عز وجل – لأوليائه، كما قال الله – تعالى -: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، وقوله – سبحانه -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَـمَعَ الْـمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] .

رابعاً: أن البغي والوقوع في المعاصي من أشدِّ الأدواء التي تؤخر النصر، وتجلــب الهــزيمة والخســار. وأهـل الإيمــان لا يقاتلون بسلاحهم فحسب؛ وإنما يقاتلون بطاعاتهم، كما قال أبو الدرداء - رضي الله عنه - لبعض أصحابه: (عملٌ صالح قبل الغزو؛ فإنكم إنما تقاتلون بأعمالكم)[13].

إن استشعار خطورة المعاصي على الدعوة، من أهم الأسباب التي تعين على تجاوزها والتوبة منها، كما أن الغفلة عنهـا أو التهـوين مـن شـأنها، يبنـي صفـوفاً هزيلـة ضعيفـة لا تقوى على حمل الراية بحقها.

والعجيب أننا في كثير من الأحيان نتساءل: لماذا يتأخر النصر؟ ولماذا يستمر بغي الأعداء وتطاولهم علينا؟ ولماذا لا تحقق بعضُ مشاريعنا الدعوية مبتغاها؟

والأعجب من ذلك أننا نجيب على ذلك بسُنة الابتلاء، وهذا جزء من الجواب بلا شك؛ لكن هناك سنن أخرى لا بد من استحضارها، منها: أننا بذنوبنا ومعاصينا نستجلب الهزيمة ونرسم طريق الإخفاق، وصدق المولى – جل وعلا -: {إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِـمِينَ} [البقرة: 124].

 المجلس الثاني: السلامة مع الناس:

بعد أن استقر لسعد - رضي الله عنه - إسقاط دولة فارس، وفتح العراق، ابتنى مدينة الكوفة، ونزل بها مع أصحابه، لكن الغريب أن بعض أهل الكوفة شَكَوه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في أمر عجيب جداً، فزعموا: (أنه لا يحسن يصلي)[14].

يا لله! أحد العشرة المبشـرين بالجنة، لا يحسـن يصلـي، ما أعظمها من فرية!

لقد أدرك عمر - رضي الله عنه - بفطنته وعبقريته، ومعرفته بسعد أن هذا افتراء، لكن بصفته أميراً للمؤمنين كان واجبه أن يتثبت، فأرسل إلى سعد يسأله عن ذلك بكل لطف ومحبة: (يا أبا إسحاق! إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أمَّا أنا – والله - فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأُخفف في الأخريين. قال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق)[15].

لكن عمر لمزيد من التحري والتثبت، أرسل معه رجلاً، فسأل عنه في الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأله عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة قال: (أمَّا إذ نشدتنا عنه، فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية).

سبحان الله! أَكُل هذا في من فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبويه، وبشره بالجنة؟

ألا ما أقبح الظلم والبغي!

لما سمع سعد هذا الظلم قال: (أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياءً وسعمةً؛ فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن. وكان بعدُ إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد)[16].

ومن حكمة عمر - رضي الله عنه - أنَّه عزل سعداً درءً للفتنة في المجتمع، وقطعاً لمادة الجدل والقيل والقال، لكنه حفظ لسعد مكانته وقدره، فلمَّا طعن، جعله في أهل الشورى الستة، وقال: (... فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذلك، وإلا فليستعن به أيكم ما أُمِّر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة)[17].

عجيب أمر أولئك القوم الذي يتطـاولـون علـى الصحابة – رضي الله عنهم - ويجرحونهم بالباطل، ويفترون عليهم إثماً وعدواناً. وانظر كيف يتناسون تلك المناقب العظيمة، وذلك التاريخ الحافل بالبطولة والجهاد ونصرة الدين!

إنَّ ثمة درساً مهماً ها هنا، وهو: أن هذا البغي والاعتداء إذا حدث في حق سعد - رضي الله عنه -  وأمثاله من الصحابة – رضي الله عنهم – فمن باب أَوْلى حدوثه في حق من جاء بعدهم من أهل العلم والدعوة والفضل، وبعض الناس ممَّن رقَّت ديانتهم، وقلَّ خوفهم من الله – تعالى – قد يطلق لسانه، ويجرح العلماء والدعاة، ويتتبع سقطاتهم، وربما افترى عليهم كذباً وزوراً، وفي أمثال هؤلاء يقول الله – تعالى -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 58].

واشتد نكير النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في قوله: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيِّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته؛ يفضحه ولو في جوف رحله»[18].

وممَّا يعزي الصالحين من علمائنا ودعاتنا ممَّن انتهكت أعراضهم بالقيل والقال، أن من زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجمعت الأمة على إمامتهم وجلالتهم، قُدح فيهم، ولم يَسلَموا من الناس؛ فكيف بمن هو دونهم في الديانة والعلم؟

لكن ألا يخشى أولئك المتطاولون أن تنالهم دعوة كدعوة سعد، رضي الله عنه؟

ومن جميل ما يؤثر أنَّ الحسن بن سفيانوهو من أئمة المحدثينقال لأحد تلاميذه بعد أن أثقل عليه: (اتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة)[19].

 المجلس الثالث: اعتزال الفتن:

لمَّا ثارت الفتنـة بين الصحابةرضي الله عنهم أجمعيناعتزل كثير من أئمة الصحابةرضي الله عنهمكلا الفريقين وفي مقدمة هؤلاء: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأبو هريرة، رضي الله عنهم.

وتأمل تلك الحياة الحافلة بالجهاد والتضحية؛ فسعد منذ نعومة أظفاره وهو في أول صفوف المجاهدين، وقائد عظيم من قاداتهم، أفنى شبابه وشيخوخته في الرباط والإقدام والبذل في سبيل الله، لكنه لمَّا رأى الفتنة أغمد سيفه واعتزل الناس، فلم يحضر معركتي الجمل وصفين ولا التحكيم[20]، وكان من المتوقع أن يأتي إليه الناس يسألونه؛ فساحة الحرب هي ساحته التي كان يصول فيها ويجول، لكنه قال بكل وضوح: (جاهدت وأنا أعرف الجهاد، ولا أبخع نفسي إن كان رجلاً خيراً مني، لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان، فيقول: هذا مؤمن، وهذا كافر)[21].

ومن ورعه - رضي الله عنه - أنه اشتغل بدوابه بعيداً عن الفتنة، وحدَّث ولده عامر بن سعد فقال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل، فقال له: أنزلتَ في إبلك وغنمكَ وتركتَ الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره، فقال: اُسكت! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي»[22]. وفي رواية قال لابنه: (أي بني! أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأساً؟ لا والله حتى أعطى سيفاً إن ضربت به مؤمناً نبا عنه، وإن ضربت به كافراً قتله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن اللهعز وجليحب الغني، الخفي، التقي»[23].

ومع أنه اعتزل كلا الفريقين في الفتنة إلا أنه كان ينهى عن الوقوع في الصحابةرضي الله عنهم - فعن ابن المسيب: أن رجلاً كان يقع في علي وطلحة والزبير، فجعل سعد ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني! فأبى، فقام سعد وصلى ركعتين ودعا، فجاء بُختِي (نوع من الجمال) يشق الناس، فأخذه بالبلاط، فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه، فأنا رأيت الناس يتبعون سعداً يقولون: (هنيئاً لك يا أبا إسحاق: استجيبت دعوتك)[24].

هذا الموقف العظيم في زمن الفتنة يرسم منهاجاً عملياً للمسلم في كل زمان، من معالمه:

أولاً: حينما يطلب سعد - رضي الله عنه - سيفاً له لسان يخبره عن المسلم ليُعرِض عنه وعن الكافر ليقتله، فإن هذا يدل على الخوف الشديد من الوقوع في ورطة الدماء[25]؛ ففي زمن الفتن وكثرة الهرج واختلاط الرايات، فإن الحكمة تقتضي أن ينأى المرء بنفسه عنها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»[26].

والانزواء في وقت الفتن ليس جبناً أو ضعفاً، بل هو عين الحكمة التي يسلم بها المرء من الوقوع في المشتبهات. وليس هذا خاصاً بالفتن السياسية أو في وقت الاحتراب بين الناس، بل هذا هو منهج الصالحين في جميع الاختلافات المتشابهات التي تحدث بين العلماء أو الدعاة أو التجمعات الإسلامية.

ومن الملحوظات المهمة أن بعض الجهلة ومرضى القلوب يغيب في وقت العمل الواضح البينِّ المتفق عليه، ولا يظهر إلا في وقت الفتنوالعياذ بالله تعالىوهذا من أعظم الخذلان وقلة التوفيق، وقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأحد دعاة الفتنة: (لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملاً، فلما ظهرت الفتنة، نجمتَ فيها نجوم قرن الماعز)[27].

ثانياً: فرَّق سعد - رضي الله عنه - بين رايتين عظيمتين: راية الجهاد التي عرفها وضحى في سبيل الله من أجلها، وراية الفتنة. فراية الجهاد هي الراية الصافية التي تتمايز بها الصفوف، ويشرق فيها وجه الحق، وهي التي يتقرب بها الصالحون لنيل مرضاة الله، تعالى. وراية الفتنة هي التي يغيب فيها الهدف، وتختلط بها الأهواء، وتشوبها شوائب الضلالة.

ثالثاً: لم يكن سعد - رضي الله عنه - من طلاب الـمُلْك، المتطلعين إلى السؤدد والشرف الدنيوي، بل كان من الأخفياء طلاب الآخرة. ومعادن الرجال لا تظهر في وقت الرخاء؛ بل تتميز في وقت الشدائد اضطراب الأمور.

وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يضرب ها هنا أنموذجاً يحتذى به في السمو التربوي والنزاهة الأخلاقية التي ينبغي أن تتربى عليها الأجيال؛ فالربانيون من المصلحين لا يرجون إلا الله والدار الآخرة، مهتدين في ذلك بهدي الأنبياء، صلى الله عليهم وسلم. قال اللهتعالى -: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 109]، وقالتعالى -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90]، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه»[28].

رابعاً: من فقه سعد - رضي الله عنه - أنه اعتصم بالنص الشرعي، فموقفه ليس رأياً محضاً رآه، بل هو اجتهاد بناه على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهنيئاً لمن لزم السُّنة، وانتهى لما سمع[29].

وأخيراً:

فإن استعراض سيرة الصحابةرضي الله عنهمليست درساً من دروس التاريخ، أو تمجُّداً بأخبار الماضيين فحسب، بل هو استلهام لجوانب القدوة في سِيَرهم، واهتداء بأخلاقهم وآدابهم السامقة، وتجديد لمعاني التربية في واقعنا المعاصر، وردٌّ على أهل الأهواء الذين يتنقصوهم أو يجرحونهم. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10].

 

 


[1] أخرجه: أحمد (3/209)، رقم (1675)، والترمذي في كتاب المناقب، رقم (3747)، وقال الأرنؤوط في تحقيقه للمسند: (إسناده قوي على شرط مسلم).

[2] روى البخاري في صحيحه أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: (لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام). وروى أيضاً قوله: (قد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام)، كتاب فضائل الصحابة (8/439)، رقم (3726 و 3727).

[3] قال سعد - رضي الله عنه -: (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر؛ حتى إنَّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاه ماله خلط). أخرجه: البخاري في فضائل الصحابة (8/439)، رقم (3728). وانظر: المغازي والسير (ص 194)، والروض الأنف (2/127 - 128).

[4] قال سعد - رضي الله عنه -: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله). أخرجه: البخاري في كتاب فضائل الصحابة (8/439)، رقم (3728).

[5] سير أعلام النبلاء: (1/97). وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/142).

[6] الطبقات الكبرى (3/142).

[7] أخرجه: البخاري في كتاب الجهاد والسير (8/181)، رقم (2905).

[8] أخرجه: الترمذي في كتاب المناقب، رقم (3752)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، رقم (3752).

[9] هكذا وصفه عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - لما استشاره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قائد المسلمين إلى العراق. انظر: البداية والنهاية: (9/614). تحقيق د. عبد الله التركي.

[10] البداية والنهاية: (10/10 - 12).

[11] المواعظ والاعتبار للمقريزي: (1/365).

[12] البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: (2/8). ومن الأشياء المحزنة أن قائداً نصـرانياً آخـر وصـف أهـل الأندلـس إبان سـقوطها بقـوله: (إن القـوم لا دين لهم، ولا شجاعة، ولا عقول)، المرجع السابق: (3/90)، وبالمقارنة بين الحالين يتبين لنا كيف تسود الأمم، وكيف تسقط.

[13] أخرجه: عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد (ص61). وبوب له البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه، فقال: (باب: عملٌ صالح قبل القتال، وقال أبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم): (6/24).

[14] أخرجه: البخاري في كتاب الأذان، (2/651)، رقم (755).

[15] المرجع السابق.

[16] المرجع السابق.

[17] أخرجه: البخاري في كتاب فضائل الصحابة (8/404)، رقم (3700).

[18] أخرجه: الترمذي في كتاب البر والصلة، رقم (2032). وحسنه الألباني في غاية المرام (ص 240).

[19] سير أعلام النبلاء (14/159)، وتذكرة الحفاظ (2/705).

[20] سير أعلام النبلاء (1/122).

[21] الطبقات الكبرى لابن سعد: (3/143)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/94)، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (7/299) إلى الطبراني في الكبير، وقال: (رجاله رجال الصحيح)، وهو كما قال، لكن في سنده انقطاع، وله شواهد يرتقي بها.

[22] أخرجه: مسلم في كتاب الزهد والرقائق (4/2277)، رقم (2965)، وقال الترمذي: (المراد بالغني: غني النفس، هذا هو الغني المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم، ولكن الغنى غنى النفس، وأشار القاضي إلى أن المراد: الغنى بالمال)، شرح صحيح مسلم: (18/100).

[23] أخرجه: أحمد (3/112)، رقم (1529)، وصححه الأرنؤوط.

[24] نسبه الهيثمي في مجمع الزوائد (9/154) إلى الطبراني، وقال: (رجاله رجال الصحيح)، ورواه الذهبي بإسناده في سير أعلام النبلاء (1/166) وقال: (ولهذه الواقعة طرق جمة رواها ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة).

[25] قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله). أخرجه: البخاري في كتاب الديات، رقم (6863).

[26] أخرجه: البخاري في كتاب الإيمان، رقم (10)، ومسلم في المقدمة، رقم (41).

[27] سير أعلام النبلاء: (1/120).

[28] أخرجه: الترمذي في كتاب الزهد، رقم (2376)، وقال: (حسن صحيح). وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (2376).

[29] اقتباس من قول سعيد بن جبير – رحمه الله -: (قد أحسن من انتهى إلى ما سمع). أخرجه: مسلم في كتاب الإيمان، رقم (220).

 

 

 

أعلى