الـدعـاء والأسـبـاب
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله رسوله محمد سيد الأولين والآخرين إلى يوم الدين، أما بعد:
إن علاقة الدعاء بالأسباب علاقة تكاملية، ليست علاقة تناقض أو تنافر أو تعارض، على عكس ما يفعله كثير من الناس فأول ما يقومون به عند الملمات الفزع إلى الأسباب ويداومون على طرق بابها أمدًا ليس بالقصير، ثم عند عدم تحقق المراد يتركون الأسباب ويلجؤون إلى الدعاء، والأسباب هي ما يتوصل به أو يتوسل لتحقيق المراد فيتعاملون مع كليهما بالتوالي أو التتابع وليس بالتوازي!
ليس بين الدعاء والأسباب ترتيب وإنما يلجأ المسلم إلى كليهما معًا، فمن اعتمد الأسباب المادية ولم يلجأ إلى دعاء الله لتحقيق مقصوده فقد ترك شطرًا كبيرًا من الأسباب، كما أن من اعتمد الدعاء وأهمل الأسباب المادية فقد خالف المحسوس الذي لا يدفع ولا ينكر ولو تدبرنا سنة الرسول العظيم لوجدنا أنها زاوجت بين الاثنين الدعاء والأسباب المادية، فالدعاء قسم من الأسباب، ولم تقتصر سنته على أحدهما وتركت الآخر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ بالسبب الذي جعل الله مثله موصلًا لتحقيق المقصود، وفي الوقت نفسه يلجأ إلى دعاء الله؛ فالله رب الكون ورب الأسباب.
وفي ليلة بدر، ليلة الفرقان التي نصر الله في صبيحتها جيش التوحيد على جيش الشرك، أخذ الرسول بالأسباب فأعد العدة المادية كأحسن ما يكون الإعداد ثم لجأ إلى الدعاء، فقام ليله كله يدعو ربه ويناشده حتى أشفق عليه أبو بكر الصديق وهو يقول له كفاك مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك، فلم يعول على الأسباب والإعداد وحدهما ولم يكتفِ بالدعاء وحده بل جمع بين الأمرين. وعندما كان يدخل الحرب فمع إيمانه وتسليمه بما قدره الله كان يلبس المغفر ويظاهر بين درعيه ويأخذ حذره هو والمؤمنون كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعَا} [النساء: ١٧]، فلا تعارض ولا تنافر بين الأخذ بالأسباب والدعاء.