اللاجئون الفلسطينيون في الوطن والشتات
عصفت أحداث نكبة 1948م بالشعب الفلسطيني ومزقت أوصاله، وغيرت خريطته الديموغرافية،
وتسببت تداعيات هزيمة الجيش العربي في فلسطين بعواقب خطيرة على حياة الفلسطينيين
وأحفادهم حتى بعد انقضاء عقود من الزمن، حيث أدت إلى هجرة فلسطينية إلى الدول
العربية المجاورة، وكان يحلم أولئك المهاجرون حينها بالعودة السريعة، غافلين عن حجم
المؤامرة التي كانت تحاك ضدهم، حيث مثلت المذابح وعمليات تصفية الفلسطينيين وطردهم
من قراهم وبلداتهم الركائز الأساسية للمشروع الصهيوني، وذلك بحسب ما جاء في مذكرات
رئيس الوزراء الأسبق «مناحم بيجن» وكثير من قادة الاحتلال الصهيوني.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 1950م، فقد نزح بعد نكبة 1948م حوالي 957 ألف
فلسطيني، ليصبح هذا العدد عام 2013م ستة ملايين لاجئ، وتكرر المشهد عام 1967م، حيث
طُرد حوالي 460 ألف فلسطيني ليصل عددهم إلى حوالي مليون وستمائة ألف لاجئ بحسب آخر
الإحصائيات، وتفيد تقارير عديدة أن عدد اللاجئين بلغ من 65-70% من إجمالي تعداد
الشعب الفلسطيني، الذي يقارب الآن الأحد عشر مليونًا ونصف المليون.
لاجئو الشتات:
هل تغير شيء؟
يعاني فلسطينيو الشتات من أزمات عديدة، حيث لا تتاح للبعض فرصة التعبير عن رأيهم في
القضايا السياسية أو التصويت، سواء ضمن عمليات الانتخاب في الدول المضيفة أو في
الانتخابات الفلسطينية التي تجرى داخل أراضي السلطة الفلسطينية، حتى في الانتخابات
الفلسطينية
(1996
و2006م).
لاجئو الشتات إذنْ محرومون من حق التصويت برغم أنهم الأكثرية، حيث تمثل نسبة
الفلسطينيين في غزة
12%
وفي الضفة الغربية
18%
من إجمالي الشعب الفلسطيني الذي يبلغ تعداده حوالي
11.5
مليون نسمة.
ويعتبر قرار
194
بتاريخ
11/12/1948م
السند القانوني والتاريخي لهؤلاء اللاجئين، وهو من أهم القرارات الخاصة بحق العودة
للاجئي فلسطين، والذي أقر بوجوب حق العودة للراغبين في الرجوع إلى ديارهم والعيش
بسلام مع جيرانهم، أو التعويض.
ويتـركز العدد الأكبـر للاجئي فلسطين في الأردن، حيث يمثـلون أكثر من
40%
من مجموع اللاجئيـن، فيما تمكث نسبة
38%
في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتوزع نسبة
10%
في لبنان وسوريا، فيما هاجر آخرون إلى أوربا والدول الغربية.
وفي غالبية الأزمات والحروب والاقتتال الداخلي للأنظمة كان اللاجئ الفلسطيني الأكثر
تأثرًا وتضررًا، كما يحدث الآن في سوريا، وكما حدث لفلسطيني العراق بعد الاحتلال
الأمريكي عام
2003م،
حيث تعرض الفلسطينيون للمجازر وللاضطهاد المذهبي الطائفي، ومات الكثير على أيدي
الجماعات الشيعية، منها قوات مقتدى، الصدر ليصبحوا مرة أخرى مشردين ولاجئين في أكثر
من
40
دولة أوربية وآسيوية وعربية.
وسنأخذ سوريا ولبنان فقط كنماذج لدول الشتات للاجئ الفلسطيني برغم تشتت اللاجئين في
الخليج ودول أوربا وأمريكا الشمالية واللاتينية وغالبية دول العالم.
أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا:
يبلغ عددهم
630
ألف نسمة، ويحملون وثائق سفر خاصة باللاجئين الفلسطينيين.
وحقيقةً إن اللاجئ الفلسطيني في سوريا وعلى مدار الحكومات المتعاقبة تمتع باهتمام
وامتيازات لم يحظَ بها في أي دولة عربية أخرى، حيث كان يعامل كالمواطن السوري
باستثناء المشاركة السياسية وعلى رأسها حق التصويت والتجنس.
ويساهم الفلسطينيون في سوريا منذ
1948م
بشكل كبير في المجال الثقافي والاجتماعي ويعملون بحرية في غالبية المهن.
وتأثر الوجود الفلسطيني بالأزمة السورية التي التحقت بركب ما سمي بـ«ثورات الربيع
العربي»،
وبما أن الفلسطينيين في سوريا كانوا يملكون ويمثلون جزءًا أساسيًّا من النسيج
الاجتماعي والاقتصادي فقد تأثروا كثيرًا وخسروا أعمالهم ونشاطاتهم وأملاكهم.
فقد نزح داخل سوريا أكثر من ثلثي الفلسطينيين، وأكثر من
25%
قد خرجوا مع إخوانهم السوريين إلى العديد من البلدان منها لبنان ومصر والأردن
وتركيا وغزة، خاصة بعد محاصرة مخيم اليرموك وقصفه في نهاية عام
2013م.
وبرغم أن هؤلاء حاولوا النأي بأنفسهم بعيدًا عن الاقتتال إلا أن مواقف القيادات
الفلسطينية البراغماتية وغير الحكيمة أدت إلى توريط الفلسطينيين في الاقتتال،
وجعلهم ضحية ووقودًا لهذا الصراع.
أوضاع اللاجئين في لبنان:
يتجاوز عددهم
470
ألف نسمة، ويحملون وثائق سفر خاصة باللاجئين الفلسطينيين، ويتمركزون في مخيمات
اللاجئين التي لا يوجد بها مقومات حياة كريمة، ولا بنية تحتية، ولا اهتمام حكومي،
وليس لهم أي حقوق مدنية واقتصادية، وليس لهم حرية التنقل والسفر، ومحرومون من
الرعاية الصحية والطبية، ومحرومون كذلك من فرص العمل حيث توجد قائمة طويلة من المهن
المحظورة على الفلسطيني لا يستطيع أن يشغل أيًّا منها، وتحرمهم الحكومات اللبنانية
من الدخول في النقابات ومن تملك الأراضي والشقق والأعمال.
وقد تأثر الفلسطينيون بأزمة مخيم نهر البارد التي وقعت عام
2007م
حيث نشب قتال مرير بين قوات الجيش اللبناني وبين قوات حركة فتح الإسلام، الأمر الذي
أدى إلى تدمير المخيم.
وبرغم دعوات الدول والمنظمات إلى إعادة إعمار مخيم نهر البارد ورصد مبالغ من أجل
إعماره وإعادة اللاجئين إلى المخيم، إلا أن المبالغ التي رصدت لم تصل كلها، ولم تفِ
الدول الغربية والعربية بجميع التزاماتها، ويظل ما نسبته حوالي
60%
من المتضررين لم يعيدوا بناء بيوتهم في هذا المخيم، وتتصف حياتهم بالمأساوية.
وبحسب ما جاء في كتاب بعنوان
«أوضاع
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان»
للدكتور محسن صالح، المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، فإن المساحة
الجغرافية للمخيمات في لبنان بقيت منذ نكبة
1948م
وحتى الآن هي ذاتها التي تم الاتفاق عليها بين
«الأونروا»
والدولة اللبنانية، إذ لا يسمح للاجئين بالتوسع العمراني الأفقي، برغم ارتفاع عدد
السكان بنسبة تزيد عن
300%
وتدمير
3
مخيمات من أصل
15
مخيمًا رسميًّا كانت موجودة حتى عام
1974م،
كما يمنع الفلسطيني من ترميم بيته أو إجراء أي توسعات وخصوصًا في بيروت.
لاجئو الداخل وأزمة تقليص وكالة
«الأونروا»
لخدماتها:
يعتبر إعلان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
(أونروا)
الشهر الماضي عن
عدم مقدرتها مواصلة تقديم خدماتها المتعددة بسبب أزمة مالية، زلزالًا أصاب المجتمع
الفلسطيني سواء في الوطن أو الشتات، وقد تسبب في إثارة القلق والتوتر داخل الأسر
التي تعتمد اعتمادًا كليًّا على ما تقدمه الوكالة من رواتب وخدمات تعليمية وصحية
وإغاثية.
وكشفت قيمة العجز المالي التي أدت لإعلان تقليص الخدمات والمقدر بــ101
مليون دولار عن النوايا السيئة للمانحين، وعن خيوط مؤامرة لبعض أطراف المجتمع
الدولي تريد من خلالها أن تتراجع الوكالة عن دورها التاريخي قبل إيجاد حل عادل
لمشكلة اللاجئين، الأمر الذي سيفاقم الأزمات التي يعاني مسبقًا منها المجتمع
الفلسطيني.
جدير بالذكر أنه قبل أعوام قليلة شهد المجتمع الفلسطيني انسحابًا تدريجيًّا لخدمات
الوكالة، بمقتضاه قلصت الأخيرة مشاريع إغاثية وتنموية، وتوقفت عن دفع مساعدات رمزية
كانت تعطيها لفئات فقيرة مختلفة، وقلصت العمل في برامج التدريب المهني
(الصناعة
والتشغيل)،
وتوقفت عن دفع
100
شيكل
(حوالي
25
دولار سنويًّا)
ووجبات غذائية كانت تقدم لتلاميذ المدارس، ودمجت أعدادًا كبيرة من هؤلاء التلاميذ
قد تصل إلى
50
تلميذًا في الصف الواحد، وعلى المستوى الصحي والطبي فقد أوقفت العمل في بعض
العيادات والغرف الصحية وتوقفت عن دعم العمليات القيصرية وسرحت موظفي العقود وأوقفت
برنامج
«خلق
فرص عمل».
هذه الأزمة وضعت
22
ألف معلم ومعلمة ونصف مليون تلميذ مسجلين في حوالي
700
مدرسة ضمن المناطق الخمس العملية
(الضفة
الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان)
في حالة من الارتباك والقلق والغموض الوظيفي والتعليمي.
وفي ظل التصعيد الشعبي والنقابي للمتضررين من اللاجئين أُعلن عن بدء العام الدراسي
مؤخرًا
-
بعد تعطل دام أكثر من أسبوع
-
ولكن المخاوف تظل قائمة والأزمة قد تعود في أي وقت تبعًا لظروف أو مخططات المانحين.
تعتبر الخدمات التي تقدمها الوكالة أكبر من كونها مجرد مساعدات إنسانية أو إغاثية،
فهي تمثل الدليل والشاهد التاريخي على الجريمة التي ارتكبتها عصابات الحركة
الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، وهذه الخدمات تأتي بحسب التفويض الأممي الممنوح في
القرار
302
لعام
1949م
للأمم المتحدة، القاضي بقيام الوكالة بتقديم خدماتها بشكل مستمر إلى أن يتم إيجاد
حل عادل لمشكلة اللاجئين على قاعدة قرارات الشرعية ومنها القرار رقم
194.
وبخصوص أوضاع لاجئي الداخل فقد أشارت البيانات المتوفرة لعام
2011م
إلى أن مخيمات اللاجئين في فلسطين هي الأكثر فقرًا مقارنة مع سكان الريف والحضر،
وقد بلغت نسبة الفقر بين الأفراد في قطاع غزة
38.8%
مقابل
17.8%
في الضفة الغربية.
أوضاع اللاجئين في ظل موجات
«الربيع
العربي»:
على عكس ما كان مرجوًا من نتائج إيجابية مرتقبة لثورات الربيع العربي، فقد دخل
فلسطينيو الوطن والشتات في حالة من التراجع في العديد من المستويات المختلفة، فقد
نزح فلسطينيو الشتات من مخيماتهم هربًا من الاقتتال الداخلي إلى أماكن أكثر فقرًا،
وفقدوا فرص العمل والتعليم والرعاية الكافية.
وقد انشغلت البلدان التي شهدت ثورات بإعادة ترتيب بيتها الداخلي، وهناك بلدان ما
زالت في أوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية حرجة، إذ لا تستطيع أن توفر لأبنائها
المستوى الأدنى من المتطلبات الحياتية، فهل سيحظى اللاجئ الفلسطيني بحال أفضل من
حال أبناء البلد؟!
اللاجئون ومنظمة التحرير..
الدور الغائب:
في كل أزمة تمس اللاجئين في بلدان الشتات كان يتساءل الفلسطينيون: أين منظمة
التحرير؟ وما الهدف من وجودها؟ فبعد دخول الأمريكان لبغداد عام
2003م
وسقوط بغداد وسيطرة الجماعات الشيعية وقتلهم لكثير من الفلسطينيين وتشريدهم لعشرات
الآلاف والفلسطينيون يتساءلون: أين منظمة التحرير وماذا فعلت للاجئين؟ فمنذ خروج
الفلسطينيين من الكويت إبان حرب الخليج الثانية، مرورًا بأحداث نهر البارد عام
2007م
وارتدادات ما سمي بـ«الربيع
العربي»
عام
2011م
وآثاره السلبية على الفلسطينيين في بلدان مثل سوريا وليبيا، ظل الفلسطينيون يناشدون
منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لإنقاذ مئات وآلاف الأسر الفقيرة المشردة
بالمساعدة المباشرة أو الضغط على الدول الأخرى لتقديم التسهيلات
(دخول
البلاد، الحصول على الإقامة، الحصول على إعفاءات، الحصول على رعاية صحية وتعليمية،
إلخ)
ولم تحصل تلك الأصوات المناشدة إلا على رجع صدى صوتها.
من ناحية أخرى، لم يصدر عن الدبلوماسية الفلسطينية والسفارات في الخارج أي حراكٍ
سوى بعض التصريحات الخجولة، ولم تتحرك المنظمة التي أصبحت بندًا على أجندة السلطة
الفلسطينية التي لا تلجأ للمنظمة إلا عند اقتراب السلطة من الانهيار؛ فدائرة
اللاجئين في المنظمة تحظى بميزانية ضعيفة هشة لا تكفي لفعل شيء، فقد كشفت أزمة
تهديد
«الأونروا»
عن عجز في الدور التي أنشأت من أجله تلك المنظمة، وعن عدم تحركها حتى لحث الدول
المانحة للإيفاء بالتزاماتها وسد العجز في الموازنة.
وهذا التقصير يحتم على صاحب القرار الفلسطيني أن يعيد بناء المنظمة لتشمل جميع
الفصائل الفلسطينية من أجل ضخ دماء جديدة وتفعيل هذه المنظمة.
::
مجلة البيان العدد 341 مـحـرّم 1437هـ، أكتوبر - نوفمبر 2015م.