• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اللاجئون المسلمون بين "إنسانية" الغرب والتقاعس الأممي

اللاجئون المسلمون بين "إنسانية" الغرب والتقاعس الأممي


أمام أسوأ أزمة لجوء يشهدها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، اقتصر دور الأمم المتحدة على التصريحات والإحصاءات، وكان آخرها قد أشار إلى أن عدد اللاجئين والنازحين بسبب النزاعات في العالم قد بلغ حتى عام 2014م نحو 60 مليونًا، أكثر من نصفهم من المسلمين.

التقاعس الدولي تجاه أزمة اللاجئين لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتاجًا لمؤامرة قوامها الإهمال، كانت كفيلة بخروج الأمر عن السيطرة، فتسببت في موجات لجوء ضخمة وقف المجتمع الدولي عاجزًا عن إيجاد حلول عاجلة لها، وهو ما دفع بعض القوى الكبرى إلى القيام بدور قذر يهدف إلى الضغط على الدول الأوربية لمواجهة اللاجئين في عرض البحر ومنعهم من الوصول إلى أوربا، دون الأخذ بعين الاعتبار الوضع الإنساني لهذه الأعداد الكبيرة من البشر الذين تركوا بلدانهم هربًا من الموت الذي يطاردهم في كل مكان.

ولا شك في أن هذا العدد الكبير وغير المسبوق من اللاجئين قد جاء نتاجًا لاتساع رقعة النزاعات في العالم، حيث تجاوزت خمسة عشر نزاعًا أغلبها في قارتي آسيا وإفريقيا، لكن اللافت في هذا الصدد أن جل هذه الأعداد من المسلمين، وهو ما عزز من مستوى القلق الغربي، حتى كاد الأمر خلال مناقشات الاتحاد الأوربي في الأسابيع القليلة الماضية يصل إلى أزمة دبلوماسية بين دول الاتحاد، خصوصًا في ظل التناقضات الواضحة بين الدول الأوربية وتعارض مصالحها في هذا الشأن بين مستفيد ومتضرر.

«إنسانية» أوربا:

قرأت الكثير من المقالات عن الجانب الإنساني لأوربا، والمؤسف أنها كانت لأكثر الكُتاب شهرة في العالم العربي، وكان الثناء على الموقف الأوربي تجاه اللاجئين محور حديثهم، لكنني لم أفهم الأسباب التي دفعتهم للحديث عن إنسانية الغرب بالرغم من عنصريته الواضحة تجاه المهاجرين المسلمين، فأين الإنسانية في أسئلة «القس الألماني «غوتفريد مارتنز» الموجهة لـ«محمد علي زونوبي» اللاجئ الإيراني المسلم، التي جاءت على هذا النحو: هل تتحرر من الشيطان وأفعاله الشريرة؟ وهل تخرج من ملة الإسلام لكي تتوافر لك سبل العيش والإقامة في أوربا؟

لا أعرف أين كانت إنسانية أوربا أثناء غرق ما يقرب من 2600 لاجئ بالقرب من حدودها البحرية خلال الأشهر القليلة الماضية؟!

قبل أسابيع قليلة لم نكن نسمع عنها تجاه أزمة اللاجئين، ولم تكن القارة العجوز مستعدة لاستقبالهم، وهذا ما تؤكده لغة الأرقام، فخلال الفترة من يونيو 2014 حتى يونيو 2015م استقبلت بريطانيا 160 لاجئًا فقط، حتى الدول الأوربية الواقعة على الشواطئ الجنوبية للقارة كانت قد استقبلت بحكم الأمر الواقع عشرات الآلاف من اللاجئين الطامحين إلى الوصول لألمانيا حيث حالت العراقيل المتعلقة بطريقة تنقلهم عبر البحر المتوسط ووقوعهم ضحية للمهربين وسياسات الاتحاد الأوربي دون وصول الغالبية العظمى منهم.

الأمر الذي يدعو إلى الحيرة والاستغراب في هذا المقام، أن بعض الدول العربية والإقليمية المحيطة بسوريا كانت قد استقبلت وحدها أكثر من ٣٫٤ مليون لاجئ سوري خلال سنوات الأزمة السورية، وكان حديث الإعلام الغربي حيال أزمة اللاجئين عند الحد الأدنى، فقد استقبلت تركيا مليونًا و800 ألف لاجئ، ولبنان حوالي مليون لاجئ، بينما الأردن استقبل قرابة 600 ألف لاجئ.. كل هذه الأعداد لم يكن الغرب يعتبرها أزمة في حين شكل حوالي 300 ألف لاجئ سوري وغيرهم من جنسيات أخرى أزمة غير مسبوقة بدأ الإعلام الغربي في تسويقها، وبدأنا نسمع عن ضمير إنساني للغرب لم نكن نعرفه من قبل!

لو كان الغرب يتحرك وفقًا لضميره الإنساني لما فشلت محاولات بعض الدول تجميد اتفاق دبلن بشكل مؤقت، حيث أسفرت نتائج نقاشات دول الاتحاد الأوربي عن رفض الغالبية العظمى منها فتح حدودها لاستقبال اللاجئين وخصوصًا المسلمين، لكن برغم الترحيب الألماني باستقبال اللاجئين، الذي يبدو للوهلة الأولى أنه إنساني، إلا أنه يحمل في ثناياه جانب مصلحي بالدرجة الأولى، خاصة إذا علمنا أن معدل الخصوبة في هذا البلد هو الأقل على مستوى العالم، فعدد سكانها البالغ 82 مليونًا عام 2010م سيتراجع إلى 65 مليون عام 2060م وفق تقديرات تأخذ بعين الاعتبار استقبال هذا البلد نحو 100 ألف لاجئ سنويًّا، ويعود هذا التراجع إلى أن معدل الإنجاب لكل ألف ألماني هو 8.2 طفل، أضف إلى ذلك أن هذه التقديرات تشير إلى أنه بحلول عام 2050م سيصبح أكثر من ربع سكان ألمانيا والكثير من الدول الأوربية في سن الـ65، ما سينعكس سلبًا على عجلة الإنتاج التي هي بحاجة للأيدي العاملة الشابة.

لذلك نجد أن هذه النزعة «الإنسانية» تخفي في طياتها عوامل مصلحية في ترحيب ألمانيا وبعض الدول الأوربية باستقبال اللاجئين، ولعل تصريحات المستشارة الألمانية في هذا الشأن، التي عبرت فيها عن استعداد بلادها استقبال 800 ألف لاجئ مع نهاية العام الجاري، تؤكد على أن إيجابيات اللاجئين لهذا البلد أكثر من سلبياتهم، كون وجودهم سيوفر مزيدًا من الأيدي العاملة لهذا البلد الذي يُعاني من تراجع كبير في معدلات المواليد على العكس من الكثير من الدول الأوربية لاسيما الشرقية منها، لذا فهي الأكثر رفضًا أو اعتراضًا على استقبال اللاجئين.

قلق غربي:

يرجع القلق الأوربي من أزمة اللاجئين إلى سبب رئيس يتعلق بهوية القارة، ويظهر ذلك في ردود فعل الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ترفض استقبالهم، وخصوصًا العرب والمسلمين منهم، فدول مثل سلوفاكيا وقبرص أعلنت بكل صراحة رفضها استقبال اللاجئين المسلمين واشترطت خلال نقاشات مطولة أجرتها دول الاتحاد الأوربي مؤخرًا أن تستقبل اللاجئين المسيحيين فقط، وقد برر رئيس وزراء سلوفاكيا ذلك بعدم وجود مساجد للمسلمين في بلاده مما يجعل التأقلم صعبًا عليهم.

في هذه الأثناء كانت وكالة الأنباء الألمانية وصحيفة «فيلت» قد أشارتا إلى أن سلوفاكيا والتشيك وبولونيا وقبرص وبلغاريا تطبق معيار «المسيحية» في قبول اللاجئين وهي غير مستعدة لاستقبال لاجئين مسلمين، يضاف إلى ذلك أن أحزاب اليمين في معظم الدول الأوربية لاسيما هولندا والدنمارك اتخذت هي الأخرى مواقف مناهضة لبعض الأصوات التي تدعو لاستقبال اللاجئين، سواء لأسباب دينية أو حتى سياسية، كما هو الحال بالنسبة للمجر وسلوفانيا وهي دول قريبة من الموقف الروسي الداعم لنظام بشار في سوريا، لكن حقيقة المخاوف الأوربية تكمن بالأساس في مستقبل أوربا والواقع الديموغرافي الذي سيفرض نفسه على القارة في ظل تزايد أعداد المسلمين، وهو ما حذرت منه المجر عبر رئيس وزرائها المحافظ «فيكتور أوربان» الذي عبر عن تخوف بلاده من تحول الأوربيين إلى أقلية في قارتهم، على حد وصفه.

في حقيقة الأمر، هذا التوجه الأوربي العنصري يظهر بصورة أكثر وضوحًا في الجانب الشرقي من القارة، فالرئيس التشيكي «ميلوس زيمان» أكد أن بلاده لا تستقبل اللاجئين المسلمين بسبب الفوارق الثقافية، أما النمسا فاتخذت موقفًا مشابهًا حين عبرت وبشكل صريح عن استعدادها استقبال ألف لاجئ سيجري اختيارهم على أساس الدين، وكذلك الأمر بالنسبة لقبرص التي رحبت فقط باللاجئين المسيحيين الأرثوذكس.

لكن هذه العنصرية المقيتة في مواقف الغالبية العظمى من الدول الأوربية تخالف دساتيرها واتفاقيات حقوق الإنسان العالمية، وهو ما شددت عليه باحثة حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية «فرانسيسكا بيزوتللي» بالقول إن التمييز بين الأشخاص الفارين من الحروب وفق معايير دينية يعتبر تمييزًا عنصريًّا.

تقاعس أممي

برغم الزيادة الهائلة في عدد اللاجئين بحسب تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في عام 2014م، والبالغ 42,500 شخصًا يوميًّا، مقارنةً بالعام الماضي الذي قدرت فيه الأعداد بـ32 ألف شخص في اليوم، إلا أن تعامل الأمم المتحدة مع الأزمة أظهر الكثير من العجز والتقاعس الذي يصل إلى حد التواطؤ، وهو ما عبر عنه بشكل صريح رئيس مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في أوربا «فنسنت كوشيتيل» عندما تحدث خلال القمة الأوربية الأخيرة، قائلًا إن المشكلة ليست في عدم وجود أفكار لانتهاج سياسة عادلة بشأن اللاجئين بل في «عدم توفر الإرادة والشجاعة لتنفيذها.

في هذه الأثناء انتقدت منظمة العفو الدولية التقاعس المخزي عن مساعدة اللاجئين، عبر أمينها العام «سليل شيتي» الذي دعا الدول الأوربية إلى التوقف عن إعادة قوارب اللاجئين الوافدة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأضاف: «استجابة المجتمع الدولي لهذه التحديات جاءت في شكل تقاعس مخزٍ مع الأسف، فنحن بحاجة إلى إعادة رسم سياسات وممارسات من أجل التوصل إلى إستراتيجية عالمية متماسكة وشاملة».

فإذا كان الضمير الإنساني قد حرك بعض الدول الأوربية تجاه اللاجئين القادمين عبر البحر المتوسط، كما يصور الإعلام الغربي، فإن الأمم المتحدة قد اكتفت بإصدار البيانات والإحصاءات حول أعدادهم، والكثير من التصريحات الداعية لاستقبالهم وتوفير الحياة الكريمة لهم، لكن الملاحظ أن تلك التصريحات والبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة على وجه التحديد كانت تبدو أكثر جدية خلال الأسابيع القليلة الماضية برغم أن هذه الأزمة ليست وليدة الساعة، وقد بدأت تتصاعد منذ خمس سنوات تقريبًا وإن كانت قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق مؤخرًا، لكن الواضح أن التخوف الغربي كان حاضرًا وبقوة داخل أروقة المنظمة الدولية وفرض نفسه على رؤيتها لمسألة اللاجئين، فاستشعار المنظمة الدولية لخطورة الموقف تزامن فقط مع القلق الغربي!

لذلك بدأت دعوات الأمم المتحدة عبر «ستيفان دوجاريك» المتحدث باسمها مطالبًا «الاتحاد الأوربي بتحمل مسؤولياته في معاملة المهاجرين بكرامة، ومطالبًا دول أوربا باحترام القوانين الأممية خاصة في إيطاليا واليونان، اللتين تتحملان مسؤولية كبيرة في هذا الشأن من أجل إنقاذ الأرواح مع المحافظة على كرامة الأشخاص وحياتهم».

في السياق ذاته، شدد المفوض الأعلى للأمم المتحدة للاجئين «أنطونيو غوتيريس» في 4 سبتمبر الماضي على ضرورة أن يستفيد اللاجئون من عملية إيواء جماعية بالمشاركة الإلزامية لكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، مطالبًا بتوسيع إمكانيات الإيواء إلى 200 ألف لاجئ.

وفي غمار هذا الكم الكبير من التصريحات والبيانات الصادرة عن المؤسسات الدولية، طالب الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» بضرورة «تحرك سياسي جماعي» لتجنب ما وصفه «أزمة التضامن». وأشار إلى أن أزمة اللاجئين، التي وصفها بأنها «مأساة إنسانية»، تحتاج إلى جهد سياسي جماعي لمواجهة الأزمة التي اعتبرها أزمة «تضامن وليست أزمة متعلقة بالأرقام»، وذلك في إشارة إلى الأعداد الضخمة التي فرت إلى أوربا مؤخرًا. الجدير بالذكر أنه خلال العام الحالي فقط، عبر نحو 264 ألف مهاجر البحر المتوسط نحو السواحل الأوربية، وصل نحو 100 ألف منهم سواحل إيطاليا ونحو 160 ألفًا إلى سواحل اليونان، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

قصارى القول إن مئات الآلاف من لاجئي الشرق الذين عبروا البحر المتوسط نحو الغرب لم يكونوا مضطرين لهذا الفعل لولا تدخل الغرب في شؤونهم، كما أن موجات الهجرة في تصاعد مستمر، فإذا كانت إحصائيات 2014م تتحدث عن حوالي 60 مليون لاجئ ونازح حول العالم، فإن إحصائيات عام 2013م كانت حوالي 51 مليونًا، فعلى الغرب الذي لعب دورًا كبيرًا في إشعال النزاعات في هذه المناطق أن يتحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين، كما أن تقاعس المنظمات الدولية تجاههم لم يعد ممكنًا لأن الخطر أصاب الجميع ولم يعد يقتصر على مناطق بعينها.

:: مجلة البيان العدد  341 مـحـرّم  1437هـ، أكتوبر - نوفمبر  2015م.

 

أعلى