الجرف الهار لا الجرف الصامد
مِنْ دلائل البشرى في اسم
العملية الإسرائيلية الأخيرة ضد قطاع غزة، أن العدو الصهيوني أطلق عليها اسم «الجرف
الصامد»، والحقيقة أنها «جرف
هار» سينهار
ببني إسرائيل في أتون النهاية الحتمية القريبة جداً - إن
شاء الله تعالى -.
عند كتابة هذا المقال
كانت قوات العدو الصهيوني قد نفذت 750 غارة على أهداف في غزة،
وقد طالت تلك الغارات ليس فقط قواعد لحماس أو الجهاد الإسلامي، بل شباباً يجلسون
على المقاهي ونساء وأطفالاً. وهناك مدفعية صهيونية
تطلق قذائفها من خارج حدود غزة، وكذلك دبابات تقف داخل العمق الصهيوني لم تدخل بعد
في العمليات، وإن كان من المتوقع أن تجتاح قوات برية صهيونية قطاع غزة لإكمال
العملية المشؤومة، التي ستكون بداية نهاية إسرائيل - إن
شاء الله -. وأكثر من هذا، فإن البوارج البحرية
الصهيونية دخلت المعركة، وكانت قذائفها هي ذاتها من قتلت شباباً فلسطينيين في غزة
كانوا يتابعون إحدى مباريات كرة القدم على أحد المقاهي.
إسرائيل من جهتها وجّهت
نداء أو تهديداً لأكثر من 100 ألف فلسطيني على الحدود
بين قطاع غزة ودولة الكيان الصهيوني؛ للرحيل من تلك المنطقة، تمهيداً للاجتياح
البري الصهيوني المتوقع، بعد أن استدعت الحكومة الإسرائيلية المصغرة بقيادة المجرم
بنيامين نتنياهو نحو 40 ألف جندي من قوات الاحتياط الصهيوني.
فحصيلة الجرف الصامد «الهار» حتى
كتابة هذه السطور، نحو 100 شهيد فلسطيني، بينهم نساء
وأطفال، وأكثر من 500 جريح. والحقيقة
أن هناك أيضاً ضمن العملية اعتقال 968 فلسطينياً في الضفة
الغربية، وكذلك سقوط شهداء في الضفة والقدس والخليل، أي أن الجريمة ليست في غزة
وحدها.
من ناحية أخرى، فإن
صواريخ المقاومة وصلت إلى ديمونة وبئر السبع وتل أبيب وحيفا وعسقلان، وزادت
قدراتها التفجيرية ومداها الطولي؛ فهناك بحسب المصادر الصهيونية ذاتها نحو 6000 صاروخ
لدى حركة حماس، و5500 صاروخ لدى حركة الجهاد الإسلامي، وأن من
بينها صواريخ قصيرة المدى إلى نحو 45 كيلو متراً، وأخرى تصل
إلى
110 كيلو مترات، وثالثة تصل إلى 200 كيلو
متر، وأن 80 ٪ من هذه الصواريخ (الطويلة
إلى
200 والقصيرة إلى 45 كيلو
متراً)، هي صناعة محلية، والباقي مهرب.
أي أن هناك قدرة على
تصنيع الصواريخ محلياً، وهناك قدرة على تهريب بعضها الآخر، وأن مداها يتطور إلى
الأمام وقدراتها التفجيرية تزيد مع الوقت. وعلينا
أن نتوقع مثلاً أن يقوم الخبراء في حماس والجهاد وغيرهما بنقل خبرة صناعة الصواريخ
إلى كل إنسان في قطاع غزة والضفة الغربية، بحيث إنه لو نجحت إسرائيل - لا
قدر الله - في إضعاف قدرة حماس والجهاد على المقاومة؛
تكون الأمة والشعب قادراً على إفراز مقاومة دائماً.
وفي هذا الصدد أيضاً يجب
أن ندرك أن وصول هذه الخبرة إلى كل إنسان فلسطيني، هو بداية نهاية إسرائيل؛ لأن
وصول هذه الصواريخ إلى كل مكان في دولة العدو الصهيوني، شمالاً وجنوباً وشرقاً
وغرباً وعلى شاطئ البحر، يعني أن الصهيوني في إسرائيل لم يعد بأمان، وهو أمر له ما
بعده على مستوى انهيار الفكرة الصهيونية. وقد صورت كاميرات إسرائيلية
مدى الرعب الذي يعيشه أطفال الصهاينة بعد كل صافرة إنذار تجبرهم على الاختباء في
الملاجئ بظرف 15 ثانية، ولو استمر هذا الأمر عدة شهور أو
سنوات؛ لانهار الكيان الصهيوني من داخله. وفي الحقيقة إن هذا الأمر
يفتح باباً جديداً لأشكال الحروب، فهناك الحرب التي تقضي على العدو، وهذا غير ممكن
بالنسبة للطرفين حتى الآن، فلن تستطيع قوات العدو الصهيوني القضاء على
الفلسطينيين، ولا يستطيع الفلسطينيون بإمكانياتهم الحالية ولا في الدول العربية،
هزيمة إسرائيل عسكرياً؛ إذ إن المطلوب هو الصمود، ومنع العدو من تحقيق أهدافه،
والمحافظة على إرادة المقاومة مشتعلة، ونقل خبرة إزعاج الصهاينة إلى كل فلسطيني
بصواريخ محلية الصنع. أضف إلى هذا فإنني لن أملّ من التذكير
بفكرتي التقليدية التي أرددها منذ عشرين عاماً على الأقل، بمناسبة ومن دون مناسبة،
وهي ضرورة الزحف بالملايين من مصر ولبنان والأردن وسورية ومن كل مكان إلى فلسطين، «سلمياً»،
من دون أي سلاح، ونجوس في تلك المسيرات السلمية خلال الديار الفلسطينية، ليكون ذلك
هو الوعد المفعول كما جاء في القرآن الكريم.
يجب أن ندرك أيضاً أن
القدرة على هزيمة الإرادة الفلسطينية لن تتحقق بالطيران الصهيوني ولا بضرب
المدفعية والبوارج من وراء الحدود، وإلا لماذا يفكر العدو الصهيوني في الغزو
البري؟ إذن فكرة حسم المعركة من الجو والبحر وعبر الحدود أصبحت فكرة خاطئة، ومن ثم
فإن الغزو البري دائماً محتمل، وهذا يجعل لحم العدو في أظافر الشعب العربي
المقاوم، وهذه فرصة لإثبات الصمود والشجاعة والمقاومة، وفي كل الأحوال فإن الحسم
الجوي أو البحري أو الغزو البري لن يكسر إرادة المقاومة، مهما سقط من شهداء
وخسائر، وعموماً فإن خسائر الصمود والمقاومة دائماً أقل من خسائر الاستسلام
والحلول الوسط مع عدو تاريخي للأمة، ولدينا تجارب المقاومة العراقية والصومالية
والأفغانية خير دليل، وهذا الأمر في رأيي قاصر على معارك الأمة مع الاحتلال فقط،
وليس ضرب بعضنا البعض باسم الصمود وعدم الاستسلام، أي لا يجب استخدام القياس هنا
في قضايا الصراع السياسي الداخلي داخل الدول العربية والإسلامية.
ويحضرني هنا مقولة كانت
تتكرر دائماً، وهي أن تحرير فلسطين يبدأ من عمان أو القاهرة أو دمشق، والحقيقة أن
العكس هو الصحيح على طول الخط، فحتى الصراع السياسي من أجل الحرية والعدالة
الاجتماعية وحقوق الإنسان وغيرها من الأمور؛ لن يحسم إلا بمقاتلة إسرائيل وأمريكا
التي تدعمها، وأن تحرير فلسطين هو الذي سيحل قضايا الصراع السياسي في المنطقة
لصالح الشعوب، وهذه بديهية يجب أن نعض عليها بالنواجذ.
إذا تابعنا المواقف
الرسمية العربية والإسلامية التي لا نعوّل عليها أبداً، نجدها كالعادة أقل من
المأمول، وهي لم تكن يوماً ما في أكثر من 70 عاماً
أو تزيد من عمر الصراع مع إسرائيل، بالقدر الكافي والمأمول.. وهكذا؛
فإن الوقوف عند هذه النقطة كثيراً هو مضيعة للوقت والجهد، بل إن البعض في هذه
الأنظمة يتوقع مثلاً أن الموضوع برمته محاولة لتوريطه في مستنقع، وهو لن يتورط فيه. فقط
لا نريد أن تتصرف هذه الأنظمة كرد فعل لموقفها من تيار سياسي بعينه، ومن ثم معاقبة
حماس مثلاً على ذلك؛ فالموضوع ليس الأمن القومي العربي، وليس فلسطين وحدها ولا
كلها، وليس غزة وحدها، وليس كل الأمة، وليس حماس وحدها. ومن
جانبها، فإن على حماس والجهاد الفلسطيني أن تتصرف كحركات تحرر وطني وتتجاوز
الانتماء السياسي والحزبي، وأن نجد هذه المعركة فرصة لإثبات ذلك، والتوقف تماماً
عن التهريج السياسي الذي لم يعد يجدي في زمن المواجهة الحتمية مع إسرائيل. وفي
الحقيقة هناك عدد من الحقائق يجب أن نرصدها:
أولاً: أن
حركة حماس في غزة حين تصالحت مع فتح وتنازلت عن السلطة الرسمية في القطاع، أصبحت
أكثر قدرة على مواجهة إسرائيل؛ لأنها لم تعد مطالبة بتوفير المواد الغذائية
والكهرباء لقطاع غزة، وهي في عموم الأمر أكثر قدرة في حالة ابتعادها عن السلطة على
المواجهة منها في حال وجودها فيها.
ثانياً: أنه
على الحركات الجهادية، أو التي تزعم أنها جهادية، وأياً كان الموقف منها في سيناء
وسورية والعراق وغيرها؛ أن تسارع إلى فعل أي عمل ولو رمزي لإثبات أنها جزء من
الأمة وليست صنيعة أجهزة مخابرات هنا وهناك، والوعي بأن الدم الفلسطيني الذي يسيل
على أيدي الصهاينة لا يقل قيمة عن غيره من الدماء، والثأر مع الإسرائيليين ليس أقل
من الثأر مع أنظمة عربية، وقضية وجوب قتال الإسرائيليين بديهية وهي من الأمور
المعلومة من الإسلام والقومية والوطنية بالضرورة، ولا تحتاج إلى دليل.
ثالثاً: أن
على الحركات السياسية العربية الشعبية أن توجه مظاهراتها إلى سفارات العدو الصهيوني
في القاهرة وعمان، وإلى سفارات أمريكا وقواعدها العسكرية في الدوحة وإسطنبول... إلخ. وبديهي
أن الولايات المتحدة التي قال المتحدث الرسمي لها إن إسرائيل من حقها أن تدافع عن
نفسها؛ هي الراعي الأول والأخير لإسرائيل، ومن ثم فإن المطالبة بخروج القواعد
الأمريكية من الدول العربية، والسفارات الصهيونية والأمريكية من العواصم العربية
والإسلامية؛ واجب ديني ووطني وقومي لا خلاف عليه.
ويجب
هنا أن نقرر أننا نطالب الجميع بذلك ولا نستثني أحداً، وإلا كنا كمن يطالب الناس
بالبر وينسى نفسه.
:: ملف
خاص بعنوان "غزة تقاوم"
:: مجلة البيان العدد 326 شوّال 1435هـ، أغسطس 2014م.