بيان من الروابط العلمية والمنظمات النسائية عن وثيقة الأمم المتحدة
بيان بخصوص مشروع وثيقة الاستنتاجات المتفق
عليها التي نوقشت خلال الاجتماع الـ 58 للجنة مركز المرأة في
نيويورك بعنوان «التحديات والإنجازات التي تحققت في تنفيذ
الأهداف الإنمائية للألفية للنساء والفتيات» خلال
شهر مارس الماضي 2014م.
أصدر عدد من الروابط والهيئات العلمية
والمنظمات النسائية في العالم الإسلامي، على رأسها: الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء المسلمين، ورابطة علماء أهل السنة، ودار
الإفتاء الليبية، ومجلس العلماء الإندونيسي.. وغيرها؛
بياناً بخصوص (مشروع الوثيقة)،
وهذا نصه:
يتابع كثير من الهيئات وروابط علماء
المسلمين، ومنظمات المجتمع المدني، وجماهير المسلمين في العالمين العربي
والإسلامي؛ بقلق ما تصدره لجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة من وثائق، خاصة مع ما
ترصده من بنود تهدّد استقرار الأسرة وتماسكها، من خلال تبنّي عدد من القضايا التي
تتجاوز حدود الحريات الفردية؛ لتهدد قيم المجتمع وأسس استقراره. ويهمنا أن نؤكد في
هذا الصدد ضرورة احترام التنوع الديني والثقافي للشعوب من قبل هذه اللجنة، وغيرها
من لجان وهيئات الأمم المتحدة، كما ندعو الدول العربية والإسلامية إلى التعاون
والتنسيق بينها؛ لاتخاذ موقف موحد إزاء تلك الوثائق.
وفي حين تشدد تلك الوثائق الصادرة على
الحريات الجنسية لكل الأفراد من كل الأعمار، وما يُطلق عليه «منظور
الجندر»[1]، وتطالب الحكومات بشكل
حثيث بإدماجه في كل مؤسسات الدولة؛ تلتزم السلبية أمام الانتهاكات الصارخة التي
تتعرض لها المرأة والفتاة المسلمة في كثير من أنحاء العالم، مثل: سورية،
وفلسطين، والعراق، وبورما، ومصر، وإفريقيا الوسطى... وغيرها؛
من قتل، وحرق، واغتصاب ممنهج، وتعذيب، واعتقالات تعسفية.
ومن أهم الملاحظات على مشروع الوثيقة موضوع
البيان ما يلي:
أولاً: الإصرار
على إدماج مصطلح مساواة (النوع) “الجندر” في
جميع سياسات الدول، كما ورد في البند (26/B): «إعطاء الأولوية بشكل منتظم، وتعميم منظور
مساواة الجندر في جميع السياسات، والبرامج الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية؛
لتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية»، وهو مصطلح غريب عن
قيمنا ومجتمعاتنا، بل عن الفطرة السوية.
وتعد المطالبة بـ (مساواة
الجندر) في حقيقة الأمر، مطالبة بـ: إلغاء
كافة الفوارق بين الرجل والمرأة للوصول إلى التساوي المطلق، وفي نفس الوقت مطالبة
بتحقيق التساوي في الحقوق بين الأسوياء والشواذ، ومن ثم يعد الإخلال بتلك المساواة
«عنفاً
مبنياً على الجندر».
وقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة، بان
كي مون، عن ذلك بوضوح خلال الاجتماع الذي عقده مجلس حقوق الإنسان بجنيف في السابع
من مارس 2012 تحت عنوان: «العنف
والتمييز المبني على التوجه الجنسي والهوية الجندرية»،
حيث قال: «وأنتم يا أعضاء مجلس حقوق الإنسان؛ يجب
عليكم أن تستجيبوا لأصوات الشواذ المعذبين؛ لأولئك السحاقيات، واللوطيين، وأصحاب
التوجهات الجنسية المزدوجة، والمتحولين جنسياً. دعوني
أقول: لستم وحدكم. كفاحكم
لإنهاء العنف والتمييز نشارككم فيه. كل هجوم عليكم هو هجوم
على القيم العالمية التي أقسمتُ أنا والأمم المتحدة على حمايتها وتأييدها. أقف
اليوم معكم، وأدعو كل الدول والشعوب للوقوف معكم كذلك».
وفي ختام كلمته كرر ما ورد في تقرير
الاجتماع: «يجب أن نوقف العنف الذي يستهدف الشواذ،
ونقضي على تجريم العلاقات المثلية، ونمنع التمييز، ونعلم الشعوب»! ثم
قال إنه يعتمد على مجلس حقوق الإنسان في تحقيق ذلك[2].
وتتكرر محاولة إقحام قضية «العنف
المبني على الجندر» في أكثر من سياق خلال الوثيقة محل النقاش،
حيث ورد في البند (26/A/h): «القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء
والفتيات من خلال سبل منسقة، ومتعددة القطاعات؛ لمنع العنف والرد عليه..». كما
ورد في البند (9): «كما يساور اللجنة قلق خاص إزاء عدم إحراز
تقدم للفئات الأكثر تهميشاً من النساء والفتيات، وأولئك الذين يعانون أشكالاً
متعددة من التمييز المبني على أساس الجندر..». ففي
عبارة «الفئات الأكثر تهميشاً» إشارة
ضمنية للسحاقيات، والشواذ، حيث ورد صراحة في الأوراق المقدمة إلى اللجنة التحضيرية
للاجتماع الـ 58 للجنة مركز المرأة، ما يلي: «وقد
صدرت دعوات للتركيز على الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً في إطار ما بعد عام 2015،
بما في ذلك النساء ذوات الإعاقة والسحاقيات وثنائيو الجنس والمتحولون جنسياً»[3].
كما ورد في تقرير اجتماع فريق الخبراء
المعني بالمعوقات الهيكلية والسياسات في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية للنساء
والفتيات: «ينبغي للدول وضع القوانين والسياسات
والبرامج التي تؤكد.. فضلاً عن عدم التمييز تبعاً للتوجه الجنسي،
والهوية الجندرية، في ممارسة الحقوق الجنسية ومظاهرها»[4].
ثانياً: المطالبة
بإلغاء كل الفوارق التشريعية بين الرجل والمرأة، واعتبارها «أحكاماً
تمييزية»، من منظور اتفاقية إلغاء جميع أشكال
التمييز ضد المرأة (سيداو)،
مثل: القوامة،
والولاية، والوصاية، والتعدد، والعدة، والحضانة، وأحكام الزواج، والطلاق،
والمواريث، وهو الأمر الوارد في البند (26 A/C): «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء
والفتيات من خلال: تبنّي وتنفيذ عاجل وفعال للقوانين وتدابير
سياسية شاملة، وإلغاء الأحكام التمييزية في الأطر القانونية، واتخاذ تدابير شاملة
لضمان وصول المرأة إلى العدالة»[5].. حيث
تتصادم هذه الدعوة في أوساط المجتمعات الإسلامية مع التعاليم الدينية الواضحة في
هذا الشأن.
ثالثاً: الضغط
المستمر على الحكومات للتنفيذ الكامل للوثائق الدولية المتعلقة بالمرأة والطفل،
ورفع التحفظات عن اتفاقية (سيداو)،
وهو ما يعد انتهاكاً لسيادة الدول، وعدم تقدير لإرادة الشعوب، ومن المعلوم أن
الدول العربية والإسلامية قد تحفظت على المواد التي تتضمن مخالفات صريحة للشريعة
الإسلامية.
وأيضاً الإلحاح الشديد للانضمام إلى
البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية «سيداو»،
وهو الذي يعطي الأمم المتحدة في حال الانضمام إليه الحق في التدخل المباشر في
الشؤون الداخلية، وإحالة الحكومات إلى المحاكمة في حال وجود شكوى من مواطنة بسبب
وجود قانون يعتبر «تمييزياً» بنظر
اتفاقية (سيداو).
رابعاً: إطلاق
الحريات الجنسية، والمطالبة بعدم تجريم الزنى، والشذوذ؛ عبر المطالبة بضمان حقوق
وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء[6]،
وهو الأمر الوارد في البند (26/A/i): «ضمان حقوق وخدمات الصحة الإنجابية والجنسية
للنساء، شاملة توفير خدمات الصحة الإنجابية والجنسية ذات الجودة العالية على مستوى
عالمي؛ لتصبح في متناول الجميع عبر دورة الحياة..»،
«وتشمل
هذه الخدمات: تأمين وسائل منع الحمل للمراهقات في
المدارس، وبرامج التعليم الجنسي الشامل»[7]،
حيث ورد في توصيات تقرير اجتماع فريق الخبراء المعني بالمعوقات الهيكلية والسياسات
في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية للنساء والفتيات: «ينبغي
للدول أن توفر التعليم الجنسي الشامل باعتباره مادة أساسية في المناهج الدراسية
الوطنية، ووضع الموارد نحو هذا في نظام التعليم»،
وأيضاً: «... يجب أن يكون للفئات الشابة حق متساوٍ في منع
الحمل، فضلاً عن ضمان الحق في التعليم للفتيات الحوامل واللواتي لديهن أطفال»[8].
خامساً: المطالبة
بتحويل العلاقات الاجتماعية السوية القائمة على التكامل بين الرجل والمرأة إلى
التساوي التام، واقتسام المسؤوليات داخل وخارج الأسرة، واعتبار العمل الرعائي
للمرأة داخل المنزل عملاً غير مأجور ينبغي تقاسمه بين المرأة والرجل، وذلك وفقاً
للبند (26/A/d): «تنفيذ تدابير ملموسة وطويلة الأجل لتحويل
المعايير الاجتماعية التمييزية، والقوالب النمطية، والممارسات الضارة؛ لتعزيز
المساواة الجندرية، وتمكين (تقوية) المرأة»[9]،
والبند (26/A/k): «ودعم التوفيق بين العمل المدفوع الأجر،
والمسؤوليات الأسرية والرعائية لكل من النساء والرجال». (يُعَبَّر
عن الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة بـ «القوالب
النمطية»، مثل: اختصاص
المرأة بالأمومة، والرجل بالإنفاق والقوامة).
أمام تلك المعطيات فإننا نؤكد ما يلي:
أولاً: مطالبة
منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها باحترام إرادة الشعوب والمنظومات
القيمية والأخلاقية التي تستند إليها، والتي من شأنها الحفاظ الفعلي على الأمن
والسلام الدوليين.
ثانياً: دعوة
الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ موقف موحد وحاسم إزاء الوثائق الدولية
المتعلقة بالمرأة والطفل، ورفض كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية الغراء، سواء في
الوثائق السابقة؛ كالسيداو وبكين، أو أي وثائق لاحقة تطرح للنقاش أو التوقيع، مع
التمسك بالتحفظات التي وُضِعَت عليها، وعدم الانضمام إلى البروتوكولات الملحقة
بها؛ حفاظاً على هوية الشعوب وسيادة الحكومات.
ثالثاً: مطالبة منظمة الأمم المتحدة باتخاذ خطوات
جادة وعملية لرفع العنف عن النساء والفتيات في كل المناطق التي يتعرضن فيها للقتل،
والحرق، والاعتقال، والتعذيب، والاغتصاب الممنهج.
** المؤمرات على السكان :: ملف العدد :: (323) رجب 1435هـ
:: مجلة البيان العدد 323 رجب 1435هـ، مايو 2014م.
[1]
يمثل مصطلح الجندر (النوع) المصطلح
المفصلي الذي تدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة، وقد تم تمريره للمرة الأولى
من خلال ديباجة اتفاقية سيداو. ومن الملاحظ أن عبارة
مساواة الجندر تترجم إلى «المساواة بين الجنسين» في
الوثائق العربية، وتستخدم في سياقات متعددة، منها: «الهوية
الجندرية» التي تعرفها الموسوعة البريطانية بأنها: «شعور
الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى»، وبالتالي فإن نوع
الإنسان – وفقاً لذلك التعريف - أمر
متغير ومتوقف على إحساس واختيار الشخص! وفي حين يشمل «الجنس» الذكر
والأنثى، فإن «الجندر» يشمل
كل الأنواع (الرجل، والمرأة، والشواذ بأنواعهم)،
وبالتالي فإن مساواة الجندر (النوع) تشمل
مساواة كل الأنواع!
[2] نص الكلمة على
http://www.un.org/apps/news/infocus/sgspeeches/statments_full.asp?statID=1475#.Upd3psR3ZBw .
[3] Key gender equality
issues to be reflected in the post-2015 development framework, Moderator’s
summary , Commission on the Status of Women ,Fifty-seventh session ,4-15 March
2013 ,Agenda item 3 (b) ,Follow-up to the Fourth World Conference on Women and
to the twenty-third special session of the General Assembly entitled “Women
2000: gender equality, development and peace for the twenty-first century”.
[4]
www.unwomen.org ̸ EGM ̸ 2013 ̸ Report.
[5] مصطلح التمييز قد عرفته اتفاقية السيداو
بأنه:
«أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون
من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات
الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في
أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر
عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل». وبالتالي
فإن أي فارق بين الرجل والمرأة في أي مجال من المجالات يعتبر – وفقاً
للاتفاقية - تمييزاً ضد المرأة يتوجب القضاء عليه.
[6]
وفقاً لمنهاج عمل بكين البند (95): «تشمل
الحقوق الإنجابية.. الاعتراف بالحق الأساسي لجميع الرفقاء
والأفراد في أن يقرروا بحرية ومسؤولية عدد أولادهم وفترة التباعد فيما بينهم
وتوقيت إنجابهم، وأن تكون لديهم المعلومات والوسائل اللازمة لذلك، والحق في بلوغ
أعلى مستوى ممكن من الصحة الجنسية والإنجابية». ونلاحظ
استعمال كلمة «الأفراد» كما
لتكون مدخلاً لتعميم ما تم تسميته بـ «الحقوق الإنجابية» على
كل الأعمار، بغض النظر عن الحالة الزواجية. ثم
يأتي نفس البند ليؤكد: «الاهتمام بوجه خاص بتلبية الحاجات
التثقيفية والخدمية للمراهقين ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي من حياتهم معالجة
إيجابية ومسؤولة». و«الحاجة
التثقيفية» تعني: تعليم
كيفية استخدام موانع الحمل. و«الخدمية» تعني: تقديم
تلك الوسائل لمن يريدها!
[7]
برامج التعليم الجنسي الشامل هي برامج تُعنى بإعطاء معلومات عن الممارسة الجنسية
في عمر الـ 9 سنوات قبل الممارسة الأولى. ومن
المواضيع التي تناقشها هذه البرامج: تأخير الممارسة الجنسية
الأولى لحين الاستعداد الجسدي والانفعالي، وإعطاء المعلومات الكافية حول الوقاية
من الحمل والإيدز عبر الممارسات الآمنة: الاستمناء، واستعمال الواقيات
الذكرية والأنثوية، إضافة إلى وسائل منع الحمل الأخرى؛ وإعطاء المعلومات عن
الإجهاض الآمن في حال الحمل غير المرغوب فيه، وتعزيز المتعة الجنسية كحق وعنصر مهم
من عناصر الصحة الجنسية، وتشجيع الشباب للدفاع عن الحقوق الجنسية، وتشجيع قبول
واستكشاف التوجهات الجنسية والهويات بين الجنسين، ومحاربة التمييز ضد المثليين
الجنسيين وثنائيي الجنس، وتشجيع تعليم الجنس والتوعية عبر القرناء. (وفقاً
لـ:
International
Guidelines on Sexuality Education: An evidence informed approach to
effective sex, relationships and HIV/STI education-UNESCO- ED-2009/WS/36
(CLD1983.9).).
[8]
www.unwomen.org ̸ EGM ̸ 2013 ̸ Report.
[9]
مصطلح Women Empowerment يترجم إلى «تمكين
المرأة»، وهي ترجمة مضللة؛ فكلمة «التمكين» هي
كلمة قرآنية تتلقاها العقلية العربية والإسلامية بمفهوم إيجابي، ألا وهو: تمكين
المرأة من حقوقها التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية، والمرادف لكلمة «تمكين» في
اللغة الانجليزية هو كلمة Enabling،
وليس
Empowering، في حين أن كلمة Power تعني قوة، وكلمة Empowerment تعني
التقوية، ويتماشى مفهوم التقوية مع الحركة النسوية الراديكالية التي تبنّت: «مبدأ
الصراع بين الجنسين - الإناث والذكور - انطلاقاً
من دعوى أن العداء والصراع هما أصل العلاقة بينهما، ودعت إلى ثورة على الدين، وعلى
الله، وعلى اللغة، والثقافة، والتاريخ، والعادات والتقاليد والأعراف، بتعميم
وإطلاق! وسعت إلى عالم تتمحور فيه الأُنثى حول
ذاتها، مستقلة استقلالاً كاملاً عن عالم الرجال» (وفقاً
لعبد الوهاب المسيري).