• - الموافق2025/06/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حدود وخلفيات الإلحاح الأوروبي على الدولة الفلسطينية

أما بشأن التغيُّر في الموقف البريطاني، فقد كان العالم شاهدًا على مناقشة مُهمَّة وغير مسبوقة جرت مؤخرًا في مجلس العموم البريطاني. فقد تحدَّث وزير الخارجية البريطاني عن دراسة الاعتراف بالدولة الفلسطينية


تصاعدت المواقف الأوروبية الضاغطة على الكيان الصهيوني، إلى درجةٍ غير معهودة منذ إعلان قيامه وحتى الآن.

وإذا كانت المواقف الشعبية -في الدول الأوروبية-، قد شهدت طفرةً في الموقف الداعم للشعب الفلسطيني، تجسَّدت على الأرض في مظاهرات شاركت فيها حشود شعبية ضخمة؛ فقد وصل الحال على الصعيد الرسمي، أن فرضت بعض الدول حظرًا على تصدير السلاح أو تعليقًا له، مع إصدار تهديدات بإعادة النظر في اتفاقية الشراكة والتجارة الأوروبية مع الكيان الصهيوني، وقد أُعْلِن عن بَدْء النقاش فعليًّا لإصدار هذا القرار.

كما بدا لافتًا أن لغة التعبير والتوصيف لما تقوم به القوات الصهيونية في غزة، قد أخذت منحًى بالغ الأهمية والتأثير على الصعيدَيْن السياسي والقانوني؛ إذ تردَّد على لسان مسؤولين بدولتين أوروبيتين وَصْف ما يجري في غزة، بالإبادة الجماعية، وكذا اعتبار ما تقوم به القوات الصهيونية أعمالاً مخزية ومشينة، وأن تلك القوات حوَّلت غزة إلى مقبرة.

وقد جرى توقيع عقوبات على وزراء في حكومة نتنياهو مِن قِبَل حكومات 5 دول غربية.

ولم يكن بعيدًا عن التغيير في مواقف أوروبا: ما صدر عن المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق.

وهكذا، فبعض دول أوروبا التي حضرت بقواتها لإنقاذ الكيان الصهيوني بعد الهجوم الإستراتيجي للمقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023م، شهدت مواقفها تغييرًا الآن، وتحوَّلت من الدعم غير المشروط إلى اتخاذ مواقف مضادَّة للحرب وللمواقف والخطط والشخصيات الحكومية الصهيونية الحالية.

وفي ذلك، كان الأمر الأوسع أُفقًا في التغيير -وحتى في التأثير- تكاثر الحديث الرسمي الأوروبي عن الاعتراف بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعن استمرار اعتبار الضفة وغزة أراضي فلسطينية، وعن أن قيام دولة فلسطينية مستقلة هو الحل والبديل لدوامة الصراع غير المنتهية.

وإن بدا أن مثل هذا القول، بات يأخذ أُفقًا لتنفيذه باستعمال أدوات الضغط، خاصةً بعد أن اعترفت دول أوروبية فعليًّا بالدولة الفلسطينية، كما هو حال كلّ من إسبانيا والنرويج وجمهورية إيرلندا؛ إذ أعلنت الدول الثلاث اعترافها بدولة فلسطين اعتبارًا من 28 مايو 2024م.

والسؤال هنا: ما الذي غيَّر مواقف أوروبا؟ وما حدود هذا التغيير؟ وهل يمكن القول بأن طرح أوروبا وإلحاحها المتصاعد على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة يُمثّل حالة أبعد في تغيير رؤيتها الإستراتيجية التي اعتمدتها منذ نحو قرن، حين قررت إقامة هذا الكيان في المنطقة؟ أم أنّ هذا الإلحاح حالة مؤقتة لا يمكن البناء عليها.

أوروبا تتحرَّك عمليًّا

يلفت النظر إذًا صدور مواقف أوروبية شعبية ورسمية غير مسبوقة من الكيان الصهيوني؛ بسبب الجرائم التي يرتكبها في غزة والضفة. وقد بدأت أوروبا ممارسة ضغوط باتجاه حلّ الدولتين، ولم تَعُد تكتفي بالترديد اللفظي لمقولة حلّ الدولتين، كما كان الحال سابقًا.

وتُظهر المقارنة بين مواقف أوروبا بعد الهجوم الإستراتيجي الفلسطيني في 7 أكتوبر عام 2023م، والمواقف الحالية؛ حجم التغيير في تلك المواقف.

فور الهجوم الفلسطيني، حضَر العديد من قادة الدول الأوروبية إلى الكيان الصهيوني، وأعلنوا عن جلب غواصاتهم وحاملات طائراتهم لمساندة الكيان الصهيوني بلا حدود. تلك الحالة جدّ مختلفة عما يحدث الآن؛ إذ تصدر البيانات، وتتخذ إجراءات ومواقف في اتجاه مختلف.

والاختلاف هنا يبدأ من التشديد على ضرورة إدخال الغذاء والدواء وحماية المدنيين، ويشمل اتخاذ إجراءات بشأن شحنات السلاح وبدء نقاشات تمهيدية لمراجعة وتعليق بعض الاتفاقيات، وتصل حدّ إعلان بعض الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتهديد أخرى بالاعتراف بها، وهو ما يُغيِّر المشهد.

وقد انتقلت بعض المواقف الرسمية في وصف ما يقوم به الكيان الصهيوني إلى خانة حرب الإبادة الجماعية. وباتت بعض الدول الأوروبية تتحدث عن أن ما يقوم به الجيش الصهيوني هو أعمال إبادة. وقد جاء هذا التوصيف حادًّا في وضوحه في تصريحات رئيس وزراء إسبانيا ووزير الخارجية الإيرلندية.

وقد كان لافتًا أيضًا أن أخذ التغيير في المواقف الأوروبية طابعًا جماعيًّا بطريقةٍ أو بأخرى، وإن شمل توافقًا في المواقف مع دول غربية أخرى. في آخر الإجراءات التي جرى خلالها فرض عقوبات على الوزيرين في حكومة نتنياهو -بن غفير وسموتريتش-، صدر القرار من كلّ من بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج، وجرى إعلان الإجراء في بيان مشترك، وتحدّد السبب لفرض العقوبات في قيام الوزيرين بالإدلاء بتصريحات «متطرفة وغير إنسانية»، وأن لكليهما دورًا في تأجيج العنف ضد الفلسطينيين بشأن الوضع في قطاع غزة. وأكَّد البيان التزام الدول الخمس بحلّ الدولتين. وشملت العقوبات تجميد أصولهما المالية، ومنع دخولهما أراضي تلك الدول.

ويمكن رَصْد العديد من أشكال التعبير عن التغييرات في المواقف الأوروبية فيما يلي:

في 7 مايو الماضي صدر بيان مشترك عن ست دول أوروبية، وهي إيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا ولوكسمبورج وأيسلندا؛ أعلنت فيه رفض محاولات «إسرائيل» تغيير ديموغرافية غزة وتهجير سكانها، واعتبرت ما يجري ترحيلًا قسريًّا وجريمةً وفق القانون الدولي. وقد أكد البيان أن غزة جزء من دولة فلسطين.

وهناك البيان الذي وقَّعت عليه 22 دولة، من بينها: فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وكندا، وجرى الإعراب فيه عن رفض تلك الدول للآلية الجديدة التي اقترحتها «إسرائيل» بالتعاون مع الولايات المتحدة لتوزيع المساعدات في غزة. وهو ما شكَّل استمرارية ومتابعة وتصعيدًا للمواقف. وقد اعتبرت هذه الدول أن «النموذج الجديد» الذي يجري بالمشاركة بين أمريكا و«إسرائيل» لإدخال الغذاء لغزة يفتقر للفاعلية، ويربط المساعدات بأهداف عسكرية وسياسية، ويُقوِّض حيادية الأمم المتحدة، ويُعرِّض العاملين والمستفيدين للخطر.

وأصدرت كلّ من بريطانيا وكندا وفرنسا بيانًا حمل دلالات مهمة؛ إذ دعت الدول الثلاث إلى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وطالبت برفع الحصار الجائر، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.

وقد أكَّد هذا البيان الثلاثي معارضة توسيع المستعمرات في الضفة الغربية، وشدَّد على تصميم تلك الدول على الاعتراف بدولة فلسطينية لتحقيق حل الدولتين.

ويبدو أن الدلالة الأشد في رسم صورة التغيير في المواقف الأوروبية: هو ما جرى بشأن اتفاقية التجارة والشراكة بين أوروبا والكيان الصهيوني والاتفاقات التجارية بين بريطانيا والكيان؛ إذ أوضحت المناقشات شِبْه الجماعيةِ التغييرَ في الموقف الأوروبي -إلى حدّ كبير-، وانضمام دول غربية أخرى إلى هذا الموقف.

ويلفت النظر هنا أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ونظيره الأيرلندي ليو فارادكار، كانا قد وجَّها رسالةً إلى المفوضية الأوروبية العام الماضي، طالَبَا فيها بإجراء مراجعة عاجلة لمدى احترام «إسرائيل» لتعهداتها في الاتفاقية الموقَّعة مع أوروبا. لكنّ المفوضية والدول الأوروبية تجاهلوا الدعوة وقتها.

وفي موقف معاكس أو مختلف، فقد شهدت الفترة الأخيرة إقرارًا لبدء النقاش والتداول داخل الكيان الأوروبي حول اتخاذ هذا الإجراء؛ إذ أعلنت مفوضية السياسة الخارجية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي قد اتخذ قرارًا بمراجعة تلك الاتفاقية.

الموقفان البريطاني والفرنسي: التغيُّر الأهم

وإذا كان ما حدث من تغيُّر واضح وقويّ في مواقف دول مثل إسبانيا وإيرلندا يُعدّ شيئًا مهمًّا، إلا أنه يمكن القول بأن أهمّ تغيير -والأكثر تأثيرًا- هو التغيير في الموقفين البريطاني والفرنسي. فرغم أن بريطانيا وفرنسا لم تصلا بعدُ إلى درجة قوة موقفي إسبانيا وإيرلندا -مثلًا-؛ إلا أن أهمية التغيير في الموقفين البريطاني والفرنسي تظل أشد أهميةً وتأثيرًا؛ إذ بريطانيا هي مَن لعبت الدور الحاسم في نشأة الكيان الصهيوني، وفرنسا هي مَن لعبت الدور الأكبر في تأسيس المشروع النووي الصهيوني. ولأن كلتا الدولتين قدَّمت الدعم الشامل للكيان في حروبه العدوانية ضد الدول العربية -كما كان الحال في العدوان الثلاثي في عام 1956م على مصر-. وكذلك لأن بريطانيا وفرنسا قد اتخذتا موقفًا داعمًا بالقوة العسكرية -إلى جانب الولايات المتحدة-، فور الهجوم الإستراتيجي الفلسطيني في 7 أكتوبر عام 2023م.

ويمكن فَهْم طبيعة التغيير في الموقفين البريطاني والفرنسي من متابعة مواقف البلدين منذ بداية الحرب وحتى الآن. أما بشأن التغيُّر في الموقف البريطاني، فقد كان العالم شاهدًا على مناقشة مُهمَّة وغير مسبوقة جرت مؤخرًا في مجلس العموم البريطاني. فقد تحدَّث وزير الخارجية البريطاني عن دراسة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما شهدت المناقشات مطالبات من بعض النواب بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. هذا الموقف جاء مختلفًا عما كان قد شهده مجلس النواب ذاته في مارس الماضي؛ إذ حدثت ضجة، واضطُرّ وزير الخارجية للتراجع عن أقوال له، كانت أقل وضوحًا مما جرى مؤخرًا.

كان وزير الخارجية البريطاني «ديفيد لامي» قد أشار إلى أن «إسرائيل» تنتهك القانون الدولي بمنعها المساعدات عن غزة -قال ذلك مرتين-. لكنّه تراجَع بعدها. وتحدّثت وسائل الإعلام البريطانية عن توبيخ رئيس الوزراء له.

والموقف الفرنسي أيضًا يُظهر تغييرًا مهمًّا؛ فالرئيس الفرنسي «ماكرون» الذي كان عرض على «إسرائيل» -فور الهجوم الإستراتيجي الفلسطيني في 7 أكتوبر 2023م-، تشكيل تحالف على غرار التحالف الذي بُنِيَ للقضاء على «داعش»، والذي كان أعلن عن حضور قواته للدفاع عن «إسرائيل»، وتحدَّث عن دعمٍ غير مشروط للكيان الصهيوني، تحوَّل مؤخرًا إلى انتقاد الكيان الصهيوني، فتحدَّث عن «السلوك غير المقبول والمخزي أو المشين» للحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو في غزة، مُلمِّحًا إلى احتمال إعادة تقييم اتفاقات الشراكة الأوروبية مع «إسرائيل». وخرج وزير خارجية فرنسا ليقول: «إن غزة تكاد تصبح مقبرة».

نحن أمام تغيير لا شك في ذلك، لكن هل لأوروبا قدرة على التأثير على الكيان الصهيوني؟

هل تستطيع أوروبا التأثير على الكيان الصهيوني؟

المتداول والمشتهر والمؤكّد أن الولايات المتحدة هي مَن تستطيع لَجْم الكيان الصهيوني، أو التأثير على سياساته. لكن لأوروبا قوة تأثير خاصة هي الأخرى. والأسباب متعددة، لعل أهمها ما يتعلق بالجانبين الاقتصادي والعسكري.

في الجانب الاقتصادي، فنحو 40% من تجارة الكيان الصهيوني تتم مع أوروبا، وهو ما يعني أن لأوروبا أوراق ضغط قوية، وأن أوروبا لو فرضت على الكيان قَدْر ما فرضته على روسيا من عقوبات فبإمكانها التأثير على السياسة الصهيونية وقرارات الحكومات على نحوٍ كبير. وهنا تأتي أهمية ما يجري من مناقشات حول تعليق اتفاقية التجارة الأوروبية مع الكيان الصهيوني.

وفي الجانب العسكري، فإن أمر التأثير الأوروبي قويّ هو الآخر. فكثير من تكنولوجيا الأسلحة الصهيونية -المحلية- هي في الواقع تكنولوجيا أوروبية. كما أن دول أوروبا تلعب دورًا مُهمًّا في تعظيم قوة الجيش الصهيوني والحفاظ على استمرار قدرته على مواصلة القتال خلال الحروب؛ إذ يستورد الكيان الصهيوني أسلحة ومعدات وقِطَع غيار وذخائر من مختلف دول أوروبا، بميزانيات سنوية تبلغ مليارات الدولارات، سواء من ألمانيا أو إيطاليا أو فرنسا أو بريطانيا أو إسبانيا.

وتؤكد مراكز الدراسات أن الجيش الصهيوني لا يملك القدرة على خوض حروب طويلة دون الحصول على إمدادات السلاح الأوروبية، وليس الأمريكية فقط. كما تؤكد جميع الدراسات أن لدى أوروبا إمكانيات وقدرات للتأثير على مواقف وسياسات الكيان الصهيوني.

لكن هل أوروبا جادة؟ وهل تسعى فعليًّا لإقامة دولة فلسطينية؟ أم أن ما نراه من تغيير له أهداف أخرى؟

أبعاد وحدود الموقف الأوروبي

واقع الحال أن لأوروبا حساباتها المصلحية -وهذا أمر طبيعي-، لكنّ واقع الحال أيضًا أن أوروبا لم تستفق فجأة لتجد نفسها تتحرّك خارج أُطُر المبادئ التي تُعلن ليل نهار عن تبنّيها على صعيد حقوق الإنسان، ورفض جرائم الإبادة والتطهير العرقي والديني، فقررت تصحيح مساراتها وسياساتها تجاه القضية الفلسطينية.

ولذلك فالسؤال الجوهري في فَهْم ما يجري هو: هل تلك الحسابات المصلحية أساسية لدرجة تجعل التغييرات في المواقف ذات طابع مستديم أو ذات طابع إستراتيجي، بما يُمكّن من البناء عليها أم أن التغييرات غير أساسية أو ذات طابع مُؤقّت؟

ثمة أسباب متعددة ومتنوعة وراء التغيُّر في المواقف الأوروبية تجاه جرائم الكيان الصهيوني. فأوروبا تعلم ما يجري وسيجري من عمليات تهجير وتطهير عرقي يصر عليها الكيان الصهيوني، وتدعمه الولايات المتحدة، وهي تدرك أن ثمة احتمالات لحدوث تحولات واضطرابات خطرة في الإقليم، وتريد تبرئة نفسها مما يجري وسيجري، وتستهدف تقليل أثر تلك التحولات على دولها ومصالحها، وهي الأقرب جغرافيًّا إلى الشرق الأوسط.

ويمكن القول: إن أوروبا قد اتخذت هذه المواقف لتحقيق أهداف سياسية مباشرة أو وقتية. فأوروبا بدأت تدرك أنها تضيع بيديها تأثير مقدرات قوتها الناعمة عند أهم جيرانها، أو في محيطها الحيوي. فالعالم العربي هو أهم جار لأوروبا؛ إذ البحر المتوسط هو ما يفصل ويربط جنوب أوروبا بالعالم العربي -الإسلامي من الجنوب-، وهو كان تاريخيًّا مساحة الاحتكاك الأوروبي مع جنوب العالم وإفريقيا، وكم حمل هذا البحر تيارات الحركة السياسية بين ضفتيه!

والآن لم يعد لأوروبا جوار قابل للحركة والتفاعل سوى العالم العربي، بعد أن صار محور الطريق مع الشرق أو روسيا مغلقًا بأدوات الحرب بعد الأزمة الأوكرانية. وترى أوروبا أنها تفقد ورقة الحفاظ على المنظمات الدولية التي كانت هي صاحبة الدور الأساسي في تشكيلها، والتي تحتاج إلى استمرارها في ظل الانسحاب الأمريكي منها والعصف بها.

وفي ظل السعي الأوروبي لتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب، لا ضمانة لتأسيسه سلميًّا إلا باستمرار عمل تلك المؤسسات. وبتفحُّص تلك العوامل نجد أنها لا تصلح لتأسيس تغيير جوهري في الرؤية الإستراتيجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، كما نجد أن الإلحاح الأوروبي على إقامة الدولة الفلسطينية لا يرقى إلى مستوى ممارسة الضغط الشامل لتحقيق الهدف.

فأوروبا لم تفرض حظرًا على تصدير السلاح على جيشٍ يرتكب كل جرائم الحرب. وأوروبا لم تفرض حظرًا اقتصاديًّا لا جزئيًّا ولا شاملًا على الكيان الصهيوني. كما أن الخطوات العملية تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا تزال خجولة، وتبدو كأوراق مساومة مع الطرف العربي، وورقة تهديد للكيان الصهيوني.

باختصار، لا تتحرك أوروبا بتلك الطريقة التي رأيناها حين قررت إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.


أعلى