• - الموافق2025/05/31م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تأثير الإبداع فــي مسيرة التميُّز

الإبداع عملية مُعقَّدة تتأثر بالعديد من العوامل المختلفة، بدءًا من البيئة الشخصية والاجتماعية إلى السمات الفردية والمعرفة. كلّ هذه العوامل تعمل معًا لتشكيل القدرة على الابتكار وتقديم حلول جديدة. والمفتاح هو التوازن بين هذه العوامل، وتوفير البيئة المناسبة


الإبداع هو قدرة الإنسان على ابتكار شيء جديد، أو تحويل الأشياء المألوفة إلى شيء مختلف بأفكار غير تقليدية ومميزة. ولا تقتصر هذه المهارة على مجال معيّن، بل تمتد لتشمل مختلف جوانب الحياة، سواء كانت علمية، فنية، أو حتى في أعمال يومية.

ويُعَدّ الإبداع وسيلة لتجاوز الحدود التقليدية والعادية، والبحث عن حلول جديدة للمشكلات، وتقديم أفكار مبتكرة تُحسِّن من أسلوب الحياة. فكل ما نراه اليوم من إنجازات واختراعات كان يومًا ما فكرة إبداعية خطرت في ذهن شخص قادر على التفكير خارج الأُطُر المعتادة.

إضافةً إلى أن الإبداع يتجاوز كونه مجرد نشاط عقلي، إلى أن يصبح نمط حياة يُغيِّر الطريقة التي ننظر بها إلى العالم، ونحاكي بها احتياجاتنا وتطلعاتنا. كما أن الإبداع ليس مجرد مهارة، بل هو فنّ يستند إلى القدرة على التفكير بطريقة مغايرة عن المعتاد، وإعادة النظر في كلّ ما هو مألوف بشكل جديد ومبتكر.

ومن هنا تنبثق أهمية الإبداع؛ حيث يُسهم في التقدم والتطور، ويدفع الإنسان نحو التفوق والتميز في مجالات متعددة.  

لقد ظهرت تعريفات عديدة للإبداع من حيث أبعاده وعوامله وجوانبه. ومن أجملها وأيسرها ما قرَّره جيمس فورد رودس، وهو كاتب أمريكي شهير؛ حيث عرَّف الإبداع بأنه «فِعْل يتكوَّن من جزأين؛ الأول هو التوصل إلى فكرة جديدة، والآخر هو التعبير عنها وتشكيلها في صورتها المناسبة». هذه المقولة تلخّص جوهر الإبداع، فهو ليس مجرد تفكير في شيء مختلف، بل القدرة على تحويل هذا التفكير إلى شيء ملموس يراه الجميع ويستفيدون منه.

 العوامل المؤثرة على الإبداع

الإبداع لا ينشأ ويولد في فراغ كما يدّعي الكثيرون، بل يتأثر بعوامل متعددة تُسهم في صقل هذه القدرة أو إعاقة تطورها. فلكل فرد إمكانيات إبداعية، ولكنَّ قدرة هذه الإمكانيات على التحوُّل إلى أفكار مُبتكَرة مرتبطة بالعديد من المؤثرات التي تُحيط بالفرد.

وفيما يلي نُلقي الضوء على أبرز العوامل التي تُؤثِّر على عملية الإبداع:

التفكير المجتمعي مقابل التفكير الفردي: عندما يُفكّر الفرد بمفرده، يُتاح له المجال لتطوير العديد من الأفكار المختلفة التي قد تتباين أو تتنوع في الاتجاهات. فالفكر الفردي يتميز بحرية الإبداع والانفتاح على أفكار جديدة. ولكن عند التفكير في مجموعة، تميل الأفكار إلى الاقتراب من بعضها البعض؛ في محاولة للوصول إلى توافق أو إجماع، وهو ما قد يَحُدّ أحيانًا من تنوُّع الأفكار. لذلك، يجب تحقيق توازن بين العمل الفردي والتعاون الجماعي؛ لضمان مَنْح الأفكار الفردية الفرصة للنمو قبل إدخالها في النقاش الجماعي. كما أن التقنية الحديثة والتواصل الدائم قد يَحُدّان من فترات التفكير الفردي. لذا، من المستحسن أحيانًا الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية وقضاء بعض الوقت الشخصي في أنشطة تُحفِّز التفكير الإبداعي.

المعرفة: المعرفة سلاح ذو حدين في عملية الإبداع. فمن جهة، تحتاج إلى معرفة كافية في مجال معين لتتمكن من الإبداع فيه. فلا يمكنك تجاوز المشكلات أو ابتكار حلول جديدة إن لم تكن مُلِمًّا بها. ومن جهة أخرى، قد تُقيِّدك المعرفة المسبقة بنظرة محددة قد تُعيق قدرتك على التفكير بطرق جديدة. لذا، يجب استخدام المعرفة بحذر حتى لا تتحوَّل إلى عائق أمام الإبداع.

السمات الشخصية: تلعب السمات الشخصية دورًا كبيرًا في الإبداع. وتشمل السمات التي تُعزّز الإبداع: القدرة على التغلُّب على التحديات، الاستعداد لتحمُّل المخاطر المعقولة، تقبُّل الغموض، والثقة بالنفس. والشخص المبدع هو الذي يستطيع مواجهة المعايير التقليدية والتفكير خارج الصندوق، حتى وإن كانت الأفكار تتحدَّى ما هو مألوف ومتعارف عليه.

الدوافع: الدافع ليس شيئًا يُولَد مع الشخص، بل هو قرار يتخذه بناءً على احتياجاته ورغباته في حياته. والأشخاص الذين لديهم شغف بعملهم يجدون عادة طرقًا تجعل هذا العمل ممتعًا، حتى وإن كان في البداية يبدو مملًا. والبحث عن جوانب معينة في العمل تثير الاهتمام هو ما يدفع الفرد للابتكار والإبداع في مجاله.

كفاية الوقت: الإبداع يحتاج إلى وقت للتفكير والتطوير. فلا يمكن توليد الأفكار المبتكرة في عجالة، بل تتطلب عملية التفكير العميق والاستمرارية. والإبداع كالزهرة التي تحتاج إلى العناية والصبر حتى تتفتح بألوانها الزاهية. لذا، من المهم تخصيص الوقت الكافي للتفكير والعمل على الأفكار الإبداعية دون استعجال.

البيئة: البيئة التي يعيش فيها الفرد لها تأثير كبير على قدرته على الإبداع؛ فالفرد قد يمتلك جميع القدرات والمهارات الداخلية، ولكن بدون وجود بيئة تُشجِّع الأفكار الجديدة وتكافئ الإبداع، قد تظل هذه القدرات كامنة وغير مستغلة. البيئات الداعمة تُوفِّر للفرد الفرصة للتعبير عن أفكاره بحرية وتساعده على تطويرها وتنفيذها.

 

ويُستخلَص هنا أن الإبداع عملية مُعقَّدة تتأثر بالعديد من العوامل المختلفة، بدءًا من البيئة الشخصية والاجتماعية إلى السمات الفردية والمعرفة. كلّ هذه العوامل تعمل معًا لتشكيل القدرة على الابتكار وتقديم حلول جديدة. والمفتاح هو التوازن بين هذه العوامل، وتوفير البيئة المناسبة التي تسمح للأفكار بالنمو والازدهار.

كيف نُعزّز الإبداع لدى الطلبة؟ وما دور المعلمين في ذلك؟

يُولَد كل طفل بقدرات فطرية على الإبداع، وهو جانب حيوي من شخصيته يُسهم في تطوير قدرته على التفكير بطرق مبتكرة وغير تقليدية. والإبداع لا ينمو تلقائيًّا، بل يحتاج إلى الرعاية والتنمية المستمرة.

ويُعدّ الفصل الدراسي البيئة المُثلى لتنمية هذا الإبداع منذ الصغر؛ حيث إن الأطفال يتمتعون بقدرة طبيعية على التفكير الإبداعي الذي يتطلب الاهتمام والتوجيه. ويرى البعض أن الإبداع يُولَد مع الشخص، بينما يرى آخرون أنه مهارة يمكن تعزيزها وتطويرها. في هذا السياق، نستعرض مجموعة من الإستراتيجيات التي يمكن أن يستخدمها المعلمون والمدرسون لتعزيز الإبداع لدى الطلبة في الفصل الدراسي.

الأنشطة الصفية: وهي إحدى أسهل الطرق لتعزيز الإبداع في الصف، والتي هي تصميم مساحة مخصَّصة في الفصل للاستكشاف الذاتي والتفكير الإبداعي. ويمكن للطلبة أن يُبدعوا من خلال النقاش والتعاون مع زملائهم في التفكير والتخيُّل، ممّا يُعزّز تنوُّع الأفكار ويُنمّي الحس الإبداعي لديهم.

تشجيع الفضول: اكتشاف اهتمامات الطلبة وتحفيزهم على تعميق هذه الاهتمامات هو أمر ضروري لتوسيع عقولهم الإبداعية. عندما يُحفِّز الطفل بما يُثير شَغفه، ينمو فضوله، ويصبح أكثر إبداعًا في تفكيره.

استخدام التفكير المتباعد: يميل الطلبة عادة إلى التفكير المتقارب الذي يعتمد على تقديم إجابات بسيطة ومباشرة. لكنَّ التفكير المتباعد هو الذي يدفع الأطفال للتفكير بطريقة إبداعية. وتشجيع الطلبة على العصف الذهني ومناقشة الأفكار المختلفة يفتح أمامهم آفاقًا جديدة في التفكير.

استخدام نماذج مختلفة في التدريس: استخدام نماذج تعليمية متنوعة يسهم في ربط ما يتعلمه الطلبة بحياتهم اليومية. ويمكن لهذه النماذج أن تُلهم الابتكار، وتخلق فرصًا لحلّ القضايا بطرق جديدة ومبدعة.

تمارين بناء الفريق: الأنشطة التعاونية التي تجمع الطلبة للعمل معًا بدون خوف من الخطأ تُعزّز الإبداع. هذه التمارين تسمح للطلبة بالتواصل والتفكير بشكل جماعي لإيجاد حلول جديدة وغير تقليدية.

تحفيز الطلبة بالمكافآت والتقدير: مكافأة الطلبة على إنجازاتهم الإبداعية يمكن أن يُعزّز الثقة بالنفس ويشجعهم على الاستمرار في تقديم المزيد من الأفكار الإبداعية. شهادات التقدير والاعتراف بجميع الجهود، سواء كانت نجاحات أو محاولات، تدفع الطلبة للتفكير بطرق مبتكَرة.

تصميم دروس متعددة المناهج: دمج تخصصات مختلفة في درس واحد يمكن أن يساعد في تحفيز التفكير الإبداعي لدى الطلبة. على سبيل المثال، دَمْج الرياضيات مع العلوم؛ قد يُعزّز القدرة على ربط الأفكار واستخدام الإبداع في فَهْم المواد الدراسية.

بيئة الفصل الدراسي: بيئة الفصل تلعب دورًا مهمًّا في تعزيز الإبداع. وإنشاء بيئة يشعر فيها كل طالب بأن صوته مسموع، ويحظى بالتقدير؛ يشجّع على المشاركة الإبداعية. والتفاعل المستمر بين الطلبة والمعلمين يُنشئ بيئة داعمة تتيح المجال للتفكير الحر.

دمج الأنشطة الثقافية: الأنشطة الثقافية مصدر مهم لإثراء الإبداع إلى حدّ ما. والبحث عن طرق لدمج هذه الأنشطة في الفصول الدراسية يُعزّز الحس الإبداعي، ويخلق بيئة تعليمية متجددة ومتنوعة.

استخدام التكنولوجيا: في عالم يهيمن ويسيطر عليه التكنولوجيا، يمكن استخدامها لتعزيز الإبداع. والأدوات المتاحة عبر الإنترنت مثل المدونات، وأدوات العصف الذهني، ورسم الخرائط الذهنية، يمكن أن توفّر للطلبة منصات جديدة للتفكير البنّاء والتعلم الإبداعي.

منح الوقت لطرح الأسئلة: منح الطلبة الوقت لطرح الأسئلة يُشجعهم على استكشاف الأفكار بعمق. والدروس التي تسمح بالتساؤل وتفتح المجال للاستكشاف الفكري تُعدّ بيئة مثالية لنمو الإبداع.

إرساء حرية التعبير: إتاحة حرية التعبير في الفصل الدراسي تضمن بيئة يشعر فيها الطلبة بالأمان لطرح أفكارهم الجديدة. وتشجيع المرونة ووضع معايير تدعم الإبداع يجعل من الفصل مكانًا للإلهام والإنتاجية.

والحاصل، أن للمعلمين دورًا محوريًّا في توجيه طلابهم نحو اكتشاف قدراتهم الإبداعية إلى حدّ ما؛ وذلك من خلال استخدام إستراتيجيات تُحفّز الإبداع، ويمكن للمعلمين أن يسهموا في بناء جيل من المفكرين المبدعين الذين يملكون القدرة على تحويل أفكارهم إلى واقع ملموس.

الإبداع بين الذكاء والعبقرية:

يُعدّ التفكير المتقارب أساسًا للذكاء، في حين يُشكِّل التفكير المتباعد جوهر الإبداع. ويتميز التفكير المتباعد بأنه يتجاوز البيانات المحددة، ويبحث عن العديد من الاحتمالات الجديدة، وهو غير محصور بمحفزات مباشرة. على العكس، يرتبط التفكير المتقارب بالمحفزات، ويعتمد على البيانات المعطاة، ويقتصر على توليد حلول محددة ومتوقعة.

ومن المعروف لدى الجميع أن الأشخاص ذوي الإبداع العالي غالبًا ما يتمتعون بدرجات مرتفعة من الذكاء، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل شخص ذكي مبدعًا؛ فقد يكون لدى الفرد مستوى عالٍ من الذكاء دون أن يمتلك مهارات إبداعية. ومع ذلك، فإن وجود مستوى مناسب من الذكاء يُعتَبر شرطًا أساسيًّا للإبداع.

ومن الصعب توقع الإبداع من شخص يعاني من تخلف عقلي أو نقص في القدرات الذهنية. وفي اختبارات الذكاء، يتم التركيز على سرعة ودقة الأداء المعرفي، بينما في الاختبارات الإبداعية يتم إعطاء الأولوية للمرونة، والطلاقة، والأصالة، والتفاصيل الدقيقة.

وهكذا يتضح أن الذكاء والإبداع على الرغم من ارتباطهما، إلا أن لكل منهما صفاته المميزة وخصائصه الفريدة.

في ختام هذا الاستكشاف العميق لمفهوم الإبداع وعلاقته بالذكاء والتعلم، يتضح أن الإبداع ليس مجرد صفة فطرية، بل هو مهارة يمكن تنميتها وتطويرها؛ من خلال فهم عميق لجوانبها المتعددة.

ومن خلال تعريف الإبداع وجوانبه الأساسية؛ يتضح أن التفكير المتباعد والتفكير المتقارب يلعبان دورًا محوريًّا في تحقيق التفوق. وإن العوامل المؤثرة على الإبداع، بما في ذلك البيئة، المعرفة، والشخصية، تُشكّل محاور أساسية في تعزيز القدرة على الابتكار. أما في المجال التعليمي، فيُعَدّ الإبداع عنصرًا حيويًّا في تطوّر الطلبة، ولذا يجب تشجيعه وتنميته بطرق منهجية.

 وبالتالي، يُعدّ الإبداع والذكاء عنصرين متكاملين؛ حيث يدعمان بعضهما البعض في تحقيق النمو الشخصي والتطور الأكاديمي. ومن خلال الاهتمام الجاد بتنمية الإبداع والذكاء، يمكننا أن نُسهم في بناء مستقبل مليء بالابتكار والتميز؛ حيث تكون قدرات الإنسان في أقصى تجلياتها.

 

  

أعلى