لقد جعل الله أسبابًا لكل دولة لتقوم وأخرى لتسقط، وكذلك لم تخرج الدولة السلجوقية عن هذه القاعدة، فقد سقطت كما سقطت الكثير من الدول؛ رغم تربُّعها على ذُروة النجاح في فترة سبقت.
في تاريخنا قامت عدة دول سادت وانتشر سلطانها على مساحات واسعة؛ إلا أنها لم تدم طويلًا لأسباب عديدة، قد تختلف فيما بينها. ومنها دولة السلاجقة التي سادت في المشرق العربي، وكانت بديلًا لدولة الغزنويين، والتي كانت بدورها بديلًا لدولة السامانيين التي نشأت بعد ضعف السيطرة المركزية لدولة الخلافة العباسية.
الدول -بشكل عام- تسود بوجود سلطان قوي، وأسرة حاكمة قوية متآلفة، وتَضْعُف عندما يموت هذا السلطان، ويدبّ الخلاف بين أفراد الأسرة الحاكمة، وعندما تغفل عن الأعداء المتربصين بها الراغبين في السيطرة على أراضيها.
فدولة السلاجقة بدأت قوية، إلا أنها بعد وفاة السلطان الثالث «مُلْكشاه» دَبَّ الخلاف بين زوجاته وأبنائه متناسين الخطر الصليبي الذي يحدق بهم، فضاعت بلاد الشام، واحتل الصليبيون القدس في ظلّ انشغالهم بالصراعات الداخلية بينهم، وانتهى الأمر إلى انقسام دولتهم إلى عدة دول؛ إلى أن انتهى بسيطرة الخوارزميين على أراضيها.
لقد جعل الله أسبابًا لكل دولة لتقوم وأخرى لتسقط، وكذلك لم تخرج الدولة السلجوقية عن هذه القاعدة، فقد سقطت كما سقطت الكثير من الدول؛ رغم تربُّعها على ذُروة النجاح في فترة سبقت.
وكان أكثر ما أضعف الدولة السلجوقية: التنازع على الملك، والاقتتال الذي وصل لحمل السلاح بين الورثة.
دولة السلاجقة بسطت سيطرتها على إقليم خراسان وإيران والعراق وأجزاء من الأناضول وبلاد الشام، وقضت على الدولة البويهية الشيعية التي حكمت العراق وإيران.
أما ملكشاه «جلال الدولة» ابن ألب أرسلان، ثالث سلاطين الدولة السلجوقية، فكانت الدولة في عهده قد اتسعت اتساعًا عظيمًا، من حدود الصين إلى العراق والشام والأناضول.
وعلى الرغم من أن السلاجقة كانوا على المذهب السنّي الحنفي والشافعي، إلا أنهم ظلوا يحتفظون بالكثير من عادات القبيلة قبل الإسلام، وعلى رأسها: احترامهم وتقديسهم لوضع المرأة الذي كان له دور رسمي أو قانوني، مقارنةً بغيرهم من نساء العباسيين والأمويين والبويهيين وغيرهم، فإذا كان لدينا العديد من الأمثلة على نفوذ النساء في تلك العصور، وهو نفوذ كان طاغيًا من وراء ستار، فإن دور «الخاتون» كان قانونيًّا علنيًّا مستوحًى من عادات وتقاليد القبيلة التركية منذ ما قبل الإسلام.
الخاتون زوجة السلطان ودورها في الحكم
مُنحت الأميرات السلجوقيات من بنات السلاطين اللاتي احتللن مكان الزوجة الأولى لقب «خاتون»، وقد أصبح مصطلح «خاتون» مرادفًا لكل زوجات السلاطين، وتُخاطَب أيضًا بـ«الملكة» و«ملكة نساء العالم»، كما في مخاطبة سفير الإمبراطور البيزنطي إسحاق كومنين القادم لعقد هدنة مع السلطان طغرل بك سنة 449هـ، وكان مما جاء في رسالته إليها: «عبد مولاتنا الملكة الجليلة والخاتون الكريمة». وكما خاطب الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله تركان بقوله: «[الخاتون] الدار العالية الشاهنشاهية السلطانية الملكية الجلالية الخاتونية ملكة نساء العالم».
الخواتين لهم ديوان خاتوني يشرف على مؤسسات إدارية ومالية وعسكرية تابعة لهن، ولدعم أدوارهن السياسية والعسكرية في الدولة؛ مُنِحْنَ الإقطاعات والأراضي الزراعية الخصبة والشاسعة، ويتسلمن ريعها لتغطية نفقاتهن الشخصية والعسكرية.
وحين انتصر السلطان طغرل بك على البويهيين والفاطميين في فتنة البساسيري، اشترط الخليفة العباسي القائم بأمر الله -بعد زواج ابنته فاطمة من السلطان طغرل بك- منح ابنته جميع إقطاعات الخاتون «المتوفاة» الترنجان زوجة طغرل بك السابقة، وكانت تضم مدينة واسط وبعقوبة، وما حولها من مدن كانت تقع ضمن هذه الإقطاعات الزراعية.
ومن خلال هذه الإقطاعات الزراعية والخراجية أصبحت لدى الخواتين الثروات الهائلة التي كُنَّ يستخدمنها ليس لقيادة جيوشهن الخاصة فقط، بل وفي بعض الأحيان جيوش السلطنة كلها التي كانت تُقدَّر أعدادها بمئات الآلاف من العساكر، وكانت تُركان خاتون زوجة السلطان ملكشاه من أشهر مَن «بذلت الأموال الطائلة» للجنود السلاجقة.
النفوذ السياسي وصراع العروش
بعد وفاة السلطان ملكشاه تفككت الدولة السلجوقية، وتنافس الأمراء على عرش السلطنة، الأمر الذي أحدث انقسامًا كبيرًا، وبصفة خاصة بين بركياروق الابن الأكبر لملكشاه، الذي عيَّنه السلطان وليًّا للعهد وأخيه الأصغر محمود، وكان لكل منهما مؤيدون ومؤازرون؛ حيث كان يؤيد بركياروق نظام الملك قبل وفاته ومن بعده أبناؤه وأتباعه وأفراد أسرته، في حين أن محمود كانت أمه تركان خاتون، تقف إلى جانبه والوزير تاج الملك الشيرازي الذي خلف نظام الملك.
وكان النزاع دائرًا بين تركان خاتون أم السلطان محمود وزبيدة بنت ياقوتي والدة السلطان بركياروق. أما تاج الدين خاتون السفرية، وكانت جارية السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان ووالده السلطانين محمد وسنجر؛ فلم تتدخل في النزاع.
تركان خاتون -بالاتفاق والتدبير مع تاج الملك- عملت على إخفاء نبأ وفاة السلطان ملكشاه؛ حتى يتسنى لها أن تُرتّب أمورها، وحتى تتم البيعة لابنها محمود الذي كان يبلغ من العمر وقتئذ أربع سنين وشهورًا، وكان عند وفاة أبيه في بغداد. أما بركياروق فكان في الثالثة عشرة من عمره عندما مات أبوه، وكان حينئذ في أصفهان.
واستغلت تركان خاتون الظروف لصالحها؛ حيث سعت إلى اعتراف الخليفة العباسي بمحمود بن ملكشاه سلطانًا، بعد أن حصلت على البيعة من العسكر لأمور؛ أحدها أن أمه «تركان خاتون» كانت مستولية ومسيطرة على الأمور في أيام السلطان ملكشاه، وتُحسن إلى الجند، بالإضافة إلى أنها كانت من نسل الملوك الترك، وكانت محظية للسلطان ملكشاه، ووزيره تاج الملك من أنصارها، وكان أن رتَّبت مع الخليفة العباسي على مبايعة ابنها محمود والتوجه إلى أصفهان مقر الحكم؛ حيث أُقيمت الخطبة لمحمود في مساجد بغداد، ومنحه الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله الخلع السلطانية ولقَّبه «ناصر الدنيا والدين».
واشترط الخليفة العباسي على تركان خاتون أن تكون السلطنة لولدها محمود، والخطبة له، بينما يختص الأمير أنر السلجوقي بتدبير الجيوش ورعاية البلاد، ويختص تاج الملك بجباية الأموال، وترتيب العمال. وافقت تركان خاتون على تلك الشروط بعد إقناعها مِن قِبَل الإمام أبي حامد الغزالي.
وبعد حصولها على ما تريد أرسلت تركان خاتون أحد أتباعها ليقبض على بركياروق، ليودَع في السجن؛ حتى لا يكون خطرًا على ابنها. إلا أن أتباع نظام الملك ومؤيدي بركياروق في أصفهان تمكنوا من إخراجه من سجن أصفهان، ونصَّبوه سلطانًا في أصفهان، وذلك نكايةً في تركان خاتون ووزيرها تاج الملك الشيرازي؛ لموقفهما المعادي لنظام الملك قبل موت ملكشاه.
القتال على عرش السلطنة بين بركياروق وتركان خاتون
تركان خاتون كانت البادئة بالهجوم، فسارت من بغداد مع الجيش، ومعها ابنها السلطان محمود والوزير تاج الملك الشيرازي إلى أصفهان معقل بركياروق وأنصاره، إلا أن بركياروق اتجه إلى الري مقر الحكم وجرت الحرب بينهم؛ حيث انتصر بركياروق بسبب انحياز جماعة من جند تركان خاتون إلى بركياروق، ولحقت الهزيمة بتركان خاتون وابنها، واتفق الطرفان على الصلح بشروطٍ؛ منها: قسمة البلاد بينهم، ويأخذ بركياروق أصفهان، وتبقى خراسان مع تركان خاتون، بالإضافة إلى قيام تركان خاتون بدفع خمسمائة ألف دينار لبركياروق.
وعادت الحرب بينهم في شهر محرم من سنة 486ﻫ؛ حيث نشبت معركة عنيفة بينها وبين بركياروق، وانتصر فيها الأخير؛ بسبب انحياز بعض أتباعها إليه، ومنهم الأمير أنر السلجوقي قائد الجند، ما أدَّى إلى زيادة أنصار بركياروق، فرجحت كفته، وقوي أمره، وتكررت هزيمة تركان خاتون في مدينة أصفهان، وفرَّ الوزير تاج الملك الشيرازي الذي قُتِلَ لاحقًا مِن قِبَل أنصار نظام الملك.
عند وقوع هذه الأحداث اتفقت تركان خاتون مع خال بركياروق إسماعيل ياقوتي، ووعدته بالزواج على أن يحارب بركياروق في رمضان 486ﻫ؛ إلا أنه هُزِمَ وقُتِلَ. كما اتفقت مع عمه تتش بن أرسلان حاكم دمشق إلا أنها ماتت في الطريق؛ فتفرق أنصارها الذين انضم أغلبهم إلى بركياروق.
أما محمود بن ملكشاه، وهو طفل صغير، فقد أصابه الجدري، فأُصيب بالحمى، ومات في شوال من نفس العام، وآل السلطان إلى بركياروق بحكم الواقع، الذي طالَب الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله بأن يعترف به سلطانًا على السلاجقة، فما كان من الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله إلا أن اعترف به سلطانًا على السلاجقة.
النزاع بين بركياروق وعمه تتش على عرش السلطنة 488ﻫ
ظهر منافس آخر لبركياروق ينازعه على عرش السلطنة، وهو عمه تاج الدولة تتش، الذي كان واليًا على دمشق وما جاورها. فعندما علم بوفاة أخيه رأى أنه أحق بأمور السلطنة من أبناء أخيه، وقد بدأ تتش في السعي للسيطرة على السلطنة، وراسل تركان خاتون أرملة أخيه قبل وفاتها، واتفق معها على الزواج؛ إلا أنها ماتت في الطريق فتفرّق عساكرها، وانضم أكثرهم إلى بركياروق.
ومضى تتش في مشروعه، فتوسَّع في السيطرة على الأراضي فأخذ أراضي من آقسنقر، وسيطر على أنطاكية ونصيبين والموصل وغيرها، واستفاد بركياروق من انتهاء الحرب فتوجَّه لملاقاة عمه تتش بن أرسلان، فلما التقى الجمعان، انضم آقسنقر بجيوشه إلى بركياروق، وتفرقت جيوش تتش، فانهارت قوته، ولم يستطع مواجهة جيوش بركياروق الذي ألحق به الهزيمة.
واستمر النزاع بين بركياروق وعمه تتش إلى أن تمكن بركياروق من إلحاق الهزيمة به في النهاية، وكان ذلك بالقرب من مدينة الري؛ حيث قُتِلَ تتش في المعركة، وأغرقه بركياروق في نهر دجلة.
صراع الأمراء في بلاد الشام والموصل وضياع القدس
كان لتتش خمسة أولاد، وهم رضوان ودقاق وأبو طالب وبهرام وأرتاش، وكان تتش قد أوصى بأن يخلفه رضوان، وعندما علم رضوان بمقتل والده عاد إلى حلب، وتسلم الحكم فيها، وفي هذه الفترة توجه دقاق نحو دمشق، وتسلم الحكم فيها، واستقل عن أخيه رضوان، وبذلك يكون التمزق السياسي عاد مجددًا إلى بلاد الشام.
كانت العلاقة بين رضوان ودقاق تتسم بالعدائية، ولأن رضوان كان يتطلع إلى العودة إلى دمشق؛ لأنها حاضرة مدن بلاد الشام وأكبرها وأغناها؛ حيث حاول رضوان العودة إلى دمشق؛ إلا أنه فشل في ذلك. وفي المقابل حاول دقاق الاستيلاء على حلب معتمدًا بذلك على ياغي سيان صاحب أنطاكية، فخرج رضوان لمواجهته، والتقى الجيشان عند قويق، وانتهت المعركة بهزيمة الجيش الدمشقي، وعاد دقاق إلى دمشق، وقد نتج عن هذه المعركة ظهور تفوق رضوان عسكريًّا، وحصول تقارب بين رضوان وياغي سيان صاحب أنطاكية.
شهدت حلب في عهد رضوان صراعًا مزدوجًا بينه وبين أمرائه من جهة، وبين أمرائه فيما بينهم من جهة أخرى، وقد برز على المسرح السياسي كلّ من يوسف بن آق، وجناح الدولة الحسين، وبركات بن فارس الفوعي؛ حيث حاول كل منهم القضاء على رضوان؛ إلا أن رضوان تمكَّن من القضاء عليهم، وذلك بإثارة النزاعات فيما بينهم.
وشهد شمال بلاد الشام عددًا من الانتفاضات على الحكم السلجوقي، منها ثورة سكان أفاميا على حاكمها التركي. وهذه الصراعات كانت والصليبيون يحتشدون ويجمعون الجيوش لغزو المشرق. فكانت البداية إلى أن استغل الفاطميون انشغال السلاجقة بالصراعات الداخلية وصد الحملات الصليبية لاستعادة نفوذهم؛ فخرج الأفضل بن بدر الجمالي على رأس جيش كبير متوجهًا نحو بيت المقدس للاستيلاء عليها، وما لبثت أن بدأت المعاقل الساحلية تسقط بيد الفاطميين من عكا جنوبًا حتى جبيل شمالاً، وقد استمرت البلاد الشامية وأتابكية الموصل مسرحًا لحروب كثيرة بين صغار الأمراء، حتى استطاع عماد الدين زنكي ونور الدين محمود من بعده أن يُوحِّدا هذه البلاد من جديد ويُخضعاها لسلطة واحدة.
التفكك في الدولة السلجوقية، وصراع الأمراء، واحتلال الفاطميين للقدس وما حولها؛ كان من أكبر عوامل نجاح الحملة الصليبية الأولى على بلاد الشام؛ حيث لم تكن هناك قوة موحدة تتصدَّى لهم؛ ما أدى إلى انتزاع الصليبيين معظم بلاد الشام من المسلمين نتيجة للتشرذم بين الأمراء.
منافسة أرسلان أرغوت بركياروق على السلطنة
استمر الصراع على الحكم؛ حيث ظهر منافس آخر للسلطان بركياروق هو عمه أرسلان أرغون؛ حيث أرسل إلى بركياروق بأنه قد بسط سلطانه على الأقاليم التي كانت لجده داود، وأنه لا يدين له بالولاء، ووافق بركياروق مرغمًا لانشغاله بالصراع مع أخيه محمود؛ إلا أن الأمور آلت إلى سنجر، وهو أخوه من أبيه، أرسله ليحكم خراسان باسمه بعد مقتل عمه أرغوت، فأجلس أخاه سنجر على عرش خراسان سنة 490ﻫ، ثم رجع إلى بغداد، وقد تولى سنجر الحكم على بلاد خراسان في عهد أخيه السلطان بركياروق لمدة عشرين عامًا، وكان واليًا على بلاد ما وراء النهر، ومِن ثَمَّ فقد سُمِّي ملك المشرق.
النزاع بين بركياروق وأخويه من أبيه محمد وسنجر على عرش السلطنة
لم تهدأ الأمور؛ فقد عاد النزاع على عرش السلطنة من جديد بين بركياروق وأخويه محمد وسنجر؛ حيث استمر خمس سنوات من عام 492ﻫ حتى 497ﻫ، وكان الخليفة العباسي يعترف بمن يأتي إليه؛ حيث سمح لمحمد بن ملكشاه أن يقيم الخطبة لنفسه سنة 492ﻫ، وكان بركياروق في هذه الأثناء مريضًا، وانضم سنجر بن ملكشاه إلى أخيه محمد ضد بركياروق؛ لكونهما كانا ولدين لأم واحدة إلى أن انتهت الحرب بين محمد وبركياروق سنة 497ﻫ؛ فتم الصلح بينهم بعدها.
قال السيوطي يصف بعض ما حدث: «إن الحروب لما تطاولت بينهما، وعمَّ الفساد، وصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والسلطنة مطموعًا فيها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قادرين؛ دخل العقلاء بينهما في الصلح، وكُتبت العهود والأيمان والمواثيق».
وقد عيّن بركياروق سنجرًا واليًا على خراسان، واستمر حكمه واحدًا وستين عامًا، منها عشرون عامًا مَلكًا على خراسان مِن قِبَل أخيه بركياروق، وواحدًا وأربعين عامًا سلطانًا للسلاجقة.
وفاة بركياروق وتولي محمد بن ملكشاه السلطنة
تُوفِّي السلطان بركياروق في سنة 498ﻫ على إثر مرضٍ أصابه، وعيَّن قبيل وفاته ابنه ملكشاه وليًّا لعهده، وكان طفلًا صغيرًا لم يبلغ الخامسة من عمره. وقد ذكر ابن كثير فيمن تُوفِّي من الأعيان عام 498ﻫ: بركياروق بن ملكشاه ركن الدولة السلجوقي، خُطِبَ له ببغداد سِتَّ مرات، وعُزِلَ عنها ست مرات. وقد تولى محمد بن ملكشاه، وحكم أكثر من ثلاثة عشر عامًا عمت الفوضى في أثنائها جميع أنحاء الدولة فضعف الشرق الإسلامي أمام الصليبيين في بلاد الشام، وأمام القوات الأخرى المعادية في داخل الدولة الإسلامية، وأهمها الطائفة الإسماعيلية.
وانتهى الأمر بدولة السلاجقة إلى التفكك؛ حيث انقسمت الدولة السلجوقية بعد وفاة بركياروق، وأصبحت خراسان وما جاورها تخضع لحكم سنجر، وشمال إيران وأذربيجان تخضع لحكم أخيه محمد، أما بلاد الشام فتحت سيطرة أبناء تتش (رضوان ودقاق) اللذين كانوا يتنازعان للسيطرة على دمشق وحلب. أما بلاد الأناضول فكانت تحت حكم أبناء سليمان بن قتلمش الذين تلقوا صدمة الحروب الصليبية.