خاض المسلمون حروبًا على كافة الجبهات في الجهات الأربع؛ إحداها كانت الجبهة البيزنطية التي ابتدأت العلاقة معها بمعركة اليرموك، وتوسطتها معركة ملاذ كرد، وانتهت بمعركة فتح القسطنطينية؛ حيث انتهت أسطورة تلك الدولة العظمى على يد القائد المسلم محمد الفاتح -رحمه
في التاريخ الإسلامي صفحات ناصعات، ولكنها في بعضها مطويات، كانت مَعالم مشرقة على درب انتشار الدعوة الإسلامية الخيّرة بما تحتويه من مبادئ سامية ومُثل راقية وقِيَم أصيلة، تشعّ نورًا وأملًا على شعوب العالم، فلم تكن الحروب التي خاضها المسلمون من أجل استعمار الشعوب ونهب خيراتها، ولا كانت من أجل القضاء على الشعوب الأخرى أو استعبادها بحجة التفوق العِرقي أو العنصري، ولا من أجل إشباع رغبة جامحة بالتسلط، ولا من أجل إنشاء قواعد أو تسهيلات عسكرية لخدمة جيوشها وأساطيلها، كما هي الحال في الحروب التي خاضتها الأمم الأخرى عبر التاريخ، ولكنها كانت حروبًا مقدسة، هدفها وغايتها إزالة العقبات والعراقيل التي وُضعت في طريق نشر العقيدة الإسلامية السمحاء بما تحويه من مبادئ ترتكز على التوحيد وإتمام مكارم الأخلاق[1].
ولقد خاض المسلمون حروبًا على كافة الجبهات في الجهات الأربع؛ إحداها كانت الجبهة البيزنطية التي ابتدأت العلاقة معها بمعركة اليرموك، وتوسطتها معركة ملاذ كرد، وانتهت بمعركة فتح القسطنطينية؛ حيث انتهت أسطورة تلك الدولة العظمى على يد القائد المسلم محمد الفاتح -رحمه الله-.
وسنتحدّث في هذه المقالة عن معركة ملاذ كرد ذات الأهمية التاريخية الكبرى؛ باعتبارها معركة فاصلة غيَّرت مجرى التاريخ، وترتب على نتائجها آثار مهمة طبعت العالم بطابعها لمدة قرنين من الزمن.
وعلى الرغم من أهميتها الكبرى إلا أنها غير معروفة لدى الكثيرين؛ نتيجةَ عدم إعطائها حقّها في المناهج الدراسية، وعدم التصدّي لبحث نتائجها وآثارها مِن قِبَل المختصين، خاصةً في المجالات الثقافية والإعلامية.
وفي هذه الدراسة الموجزة، سنحاول إلقاء بعض الضوء على هذه المعركة، والتي اعتبرها بعض المؤرخين تساوي معركة اليرموك من حيث الأهمية[2].
فنبدأ بسرد موجز للأوضاع السياسية والعسكرية التي كانت سائدة في المنطقة قبل المعركة، ثم نستعرض باختصار أحداث المعركة، ثم ننتهي ببحث آثارها ونتائجها، راجين من الله التوفيق والسداد.
الأوضاع السياسية والعسكرية قبل المعركة في الدولة البيزنطية
في عام (967م) تقلدت الأسرة المقدونية الحكم في الدولة البيزنطية، فأعادت عبادة الأيقونات والتماثيل بعد أن ألغتها الأسرة الأيسورية التي سبقتها؛ متأثرةً بالعقيدة الإسلامية، وجدّدت التشريع، وقامت ببعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وأمّنت موارد جيدة للخزينة، مما ساعدها على إعادة بناء الجيش والأسطول، بحيث تضاعفت قوتها البرية والبحرية، وشكَّل اعتناق العنصر السلافي للنصرانية على المذهب الشرقي مصدرًا جيدًا للعنصر البشري الذي ساهم في رفد جيشهم بالفرسان، وهو ما يقابل سلاح المدرعات في العصور الحديثة.
واستطاع اثنان من الأباطرة الأقوياء -وهما: نقفور فوكاس (963- 969م)، ويوحنا نزيمسكس (969- 967م)- إعادة احتلال شمال سوريا، بما في ذلك أنطاكية ذات القيمة التاريخية، وجزيرة كريت وقبرص نجمة الساحل السوري، ودخلت الجيوش البيزنطية حلب عدا القلعة، فصالحهم أهلها على الجزية، وكذلك فعلت في حمص، ووصلت طلائع تلك الجيوش في بعض الأحيان إلى جهات بحيرة طبرية شمال فلسطين؛ بهدف إستراتيجي هو الوصول إلى القدس، واستعادة السيطرة على بلاد الشام التي كانت محتلة مِن قِبَل الدولة البيزنطية قبل الفتح الإسلامي الذي تمَّ بقيادة خالد بن الوليد وأبي عبيدة ابن الجراح -رضي الله عنهما-[3].
في بلاد الشام
من جهة أخرى، كانت الدولة الإسلامية في القرن الرابع الهجري تعاني من التفكك السياسي والاختلاف المذهبي؛ حيث بدأ الضعف يدبّ في جسد الدولة العباسية في عصرها الثاني، وأصبح الخلفاء مجرد رمز دينيّ لا يملكون من السلطة شيئًا، وبدأ حكم الوزراء بالظهور ممَّا أدَّى إلى ولادة إمارات شبه مستقلة في أنحاء متفرقة من الدولة مرتكزة على عَصبيات قَبَلية أو عِرْقية أو مذهبية، بعد أن استطاع الإسلام القضاء عليها في القرون الثلاثة السابقة، وكانت الضربة القوية التي نالت من وحدة الأمة السياسية والفكرية تلك التي أوجدها انقسام الدولة الإسلامية إلى مشرقية وعاصمتها بغداد، ومغربية وعاصمتها القاهرة.
وحاولت كل دولة القضاء على الأخرى، أو على الأقل تقوية حدودها معها، وكانت بلاد الشام مسرح الصراع بين القوتين الكبيرتين؛ مما أدى إلى حدوث تمزُّق شديد ضمن تلك الكتلة المتماسكة، والتي استطاعت بقوتها الذاتية الوقوف لفترة طويلة في وجه المطامع البيزنطية، وخاصة في العصر الذهبي للحمدانيين.
لقد تجلّى هذا التمزق الذي أصاب بلاد الشام في انحياز بعض زعمائها المحليين إلى أحد المعسكرين، والبعض الآخر إلى المعسكر الثاني؛ مما أدَّى إلى تفريغ الثمرة اليانعة الصلدة من محتواها، فأصبحت هشَّة يسهل تحطيمها؛ الأمر الذي أدّى إلى عودة التسلط البيزنطي بعد غياب دام ثلاثة قرون.
في الدولة العباسية
في هذا الوقت، والذي كانت فيه الأمة تعاني من التمزق والصراع وشراسة الهجوم الخارجي عليها، وُلِدَت قوة إسلامية جديدة في القسم الشرقي من الدولة الإسلامية؛ إذ استطاعت بعض قبائل التركمان من مستوطني بوادي ما وراء النهر حول بخارى وسمرقند وتخوم بحيرة خوارزم (بحر آرال حاليًّا)؛ السيطرة بزعامة طغرل بك على خراسان، وإلحاق الهزيمة بالدولة الغزنوية في معركة (دندا نقاف) (431هـ - 1039م)، ممَّا مكَّن القائد المسلم السُّنيّ من الحصول على الشرعية؛ من خلال اعتراف الخليفة العباسي القائم بالله بسلطته (432هـ - 1040م)، بعد ذلك بسط طغرل نفوذه على خوارزم، ثم الري؛ حيث جعلها عاصمة له، وقد ساعد استيلاء البساسيري -ذو الميل الفاطمي- على بغداد وهروب الخليفة منها؛ ساعد ذلك على دخول السلطان طغرل بك إلى بغداد، بناء على طلب من الخليفة نفسه، حيث قضى على الدولة البويهية، وتم الاعتراف للسلاجقة بالسلطنة ضمن الدولة العباسية.
بعد وفاة طغرل بك، خلفه ابن أخيه ألب أرسلان، فتابع فتوحات عمه، واتجه نحو البلاد البيزنطية؛ فتمكن خلال خمس سنوات (460- 465هـ) من بسط سيطرته على المناطق الواقعة بين بحيرتي وان وأورميا، وفتح بلاد الأرمن والكرج، وأخذ في تدعيم جبهته الداخلية، يُعاونه في ذلك وزيره القويّ نظام المُلك؛ وذلك تحسبًا من ردّ الفعل الذي كان يتوقعه من الدولة البيزنطية[4].
معركة ملاذ كرد
لقد تحقق ما توقعه ألب أرسلان، فلقد جهز الإمبراطور (رومانوس ديوجينس) جيشًا قويًّا هاجم حلب (463هـ- 1070م)، ونهب ما حولها، واحتل منبج ثم توجَّه بجيشه الجرار نحو شرق الأناضول؛ بهدف استرجاع المناطق التي فتحها ألب أرسلان، وحاصر خلاط، وتركها بعد أن صالَح أهلها على مبلغ من المال.
كان جيش رومانوس خليطًا من أعراق مختلفة تمثل الشعوب التي تؤلف الإمبراطورية الرومانية الشرقية؛ من أرمن ويونان وروس وكرج وبلغار وفرنج وغيرهم كثير، وكأنه أراد أن تأخذ حربه صبغة الحروب الصليبية المقدسة، وحدد لنفسه هدفًا إستراتيجيًّا هو القضاء على الفتى الإسلامي اليافع المندفع بقوة والمتمثل بالدولة السلجوقية، وقدّر المؤرخون عدد أفراد جيشه بين مائة وثلاثمائة ألف على اختلاف بالرأي، وغالَى بعض المؤرخين بالعدد فأوصله القلانسي إلى ستمائة ألف[5].
وضمَّ هذا الجيش الكبير -حتى في أقل التقديرات بالنسبة لذلك الزمان- حوالي ثلاثين ألفًا من الفرسان، جُلّهم من الروس الأشداء. وذكر العماد الأصفهاني أنه كان معهم ثلاثة آلاف عجل تنقل الأحمال ومنجنيقًا، أعظمها وأثقلها له ثمانية أسهم، وبخدمته ألف ومائة رجل، ويحمله مائة عجل، ويرمي حجرًا وزنه قنطار على وزن الشمال.
علم ألب أرسلان بمحاولة رومانوس احتلال حلب؛ فأسرع الخطى نحوها، وعندما زال الخطر عنها نتيجة انسحاب رومانوس؛ لعلمه بقدوم ألب أرسلان، ولمقاومة أهلها الباسلة؛ عاد ألب إلى منطقة الموصل، وهناك جاءته الأخبار بتحرك رومانوس بجيشه نحو خلاط؛ فأسرع بمن معه من فرسان عدتهم خمسة عشر ألف فارس، مردفين بفرس لكل منهم، وأرسل أهله مع نظام المُلك لحفظ الدولة.
أدرك الجميع خطورة المعركة؛ وأولهم الخليفة القائم بأمر الله؛ حيث أمر بالدعاء على المنابر، وعمل نسخة الدعاء ودفعه إلى الخطباء، وكان من إنشاء سعيد بن الموصلايا الكاتب الملقّب بأمين الدولة، ويتضمن «اللهم أعلِ راية الإسلام وناصره، وادحض الشرك بجب غاربه وقطع أواصره، وامدد المجاهدين بالعون الذي يطول به باعهم، وتملأ بالظفر والأمن رباعهم، وأجب السلطان ألب أرسلان بالنصر الذي تستنير به أعلامه ويستيسر مرامه، فإنك تقول وقولك الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ صلى الله عليه وسلم ٠١^صلى الله عليه وسلم ) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف: ٠١، ١١][6].
فابتهلوا -معاشر المسلمين- إلى الله تعالى بالدعاء له بنِيَّة صافية، وعزيمة صادقة، وقلوب خاشعة؛ فإنه سبحانه يقول: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: ٧٧].
وثانيهم ألب أرسلان الذي قال لمرافقيه: «إنني أقاتل محتسبًا صابرًا، فإن سلمتُ فنعمة من الله، وإن كانت الشهادة فإن ابني مُلكشاه ولي عهدي»، وأرسل قائده صنداق التركي للتصدي لمقدمة الجيش المعادي؛ حيث دارت معركة بين فرسان الجانبين أسفرت عن هزيمة مقدمة الجيش البيزنطي المؤلفة في أكثريتها من الفرسان، وأَسْر قائدها وسوقه مخفورًا للسلطان.
عند ذلك أرسل ألب أرسلان إلى ملك الروم يعرض عليه الهدنة؛ لعلمه أن جيشه صغير لا يقوى على مجابهة جيش رومانوس الجرار، ولربما كي يكسب الوقت ريثما تتوارد النجدات. وبرأي العماد الأصفهاني حتى يختبر عود العدو ومدى صلابته. وأعتقد أن ألب أرسلان كان صادقًا عندما عرض الهدنة، بدليل أنه لم يستثمر النصر الذي تحقق له بعد ذلك[7].
وعندما جاء الجواب من رومانوس بالرفض قائلًا: «لا هدنة إلا بالري»؛ قال له إمامه وفقيهه أبو نصر محمد ابن عبد المالك النجاري الحنفي: «إنك تقاتل عن دينٍ وعَد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله -تعالى- قد كتب باسمك هذا الفتح؛ فالْقِهم يوم الجمعة بعد الزوال في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة».
أثارت أقوال فقيه السلطان وجواب رومانوس القاسي حماس الجند وسلطانهم؛ فقاموا لله مصلين وكبَّر السلطان وكبَّروا، وبكى وبكوا لبكائه، ورددوا الدعاء معه، ثم قال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما هاهنا سلطان يأمر وينهى، وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف والدبوس كناية عن تحضير نفسه للالتحام، وعقد ذنب فرسه، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنّط، وقال: إن قُتِلْتُ فهذا كفني، ثم التحم الجيشان، وكانت معركة حامية حيث استطاع فرسان الإسلام اختراق صفوف العدو {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} [العاديات: ٥] ، وتحقق النصر -بفضل الله- للمسلمين، وتم أَسْر مَلِك الروم، وهو أول مَلِك لهم يتمّ أَسْره منذ بداية الفتح الإسلامي، ومُلِئَ مكان المعركة في منطقة ملاذ كرد في موقعٍ يُعْرَف بالزهرة بالقتلى والشهداء من الجانبين، وغنم المسلمون ما لا يُعدّ ولا يُحْصَى من السلاح والمتاع والدواب والكراع[8].
أحضر كوهرائين -وهو أحد قواد ألب أرسلان- الإمبراطور الأسير للسلطان؛ حيث عنَّفه على عدم قبوله للهدنة فأجابه: «دعني من التوبيخ، وافعل ما تريد»، فقال له السلطان: ماذا كنت فاعلًا بي لو أسرتني؟ فقال: أفعل القبيح، فقال السلطان: ما عزمت إلا على العفو عنك، وأطلقه لقاء هدنة طويلة ومالٍ يدفعه، وأكرمه وجهَّزه، ولكن الإمبراطور لم يستطع دفع ما عليه؛ لحصول انقلاب ضده في عاصمة مُلْكه، واستلام ميخائيل للمُلك، واتّهم رومانوس بالجنون، فأرسل ما معه من أموال للسلطان معتذرًا، وارتدى لباس الكهان زاهدًا في الدنيا.
آثار المعركة ونتائجها
تعتبر هذه المعركة من المعارك الفاصلة في التاريخ، وهي تساوي من حيث الأهمية معركة اليرموك، وقد تركت هذه المعركة آثارًا مهمة، وترتب عليها نتائج مهمة، منها المباشر وغير المباشر.
ومن آثارها المهمة: أَسْر مَلِك ثاني إمبراطورية كبرى في العالم في ذلك الوقت، والقضاء على جيشها قضاء مبرمًا؛ مما أضعف هيبتها وشجَّع الجرمان على الانفصال بمملكتهم عن الإمبراطورية الرومانية الشرقية، والتي كان العالم الغربي يعترف لها حتى ذلك الوقت بالزعامة.
كما أدت هذه الهزيمة إلى انكفاء ما تبقَّى لدى البيزنطيين من قوة نحو الغرب، واندفاع التركمان المسلمين نحو ساحل بحر مرمرة وإيجة حتى وصلوه ولم يبقَ بينهم وبين القسطنطينية سوى أميال معدودة، ولو استغل ألب أرسلان هذا النصر الباهر، وتابع تقدُّمه نحو عاصمة العدو؛ لربما كان حقَّق ما استطاع تحقيقه السلطان محمد الفاتح بعد ذلك بأربعة قرون[9].
وقد انطبع بعد ذلك الأناضول بالطابع التركي الإسلامي، وما يزال حتى يومنا هذا، وسيبقى كذلك إلى ما شاء الله. ونتيجة لهذا التقدم الذي أحرزه المسلمون، وما ترتب عليه من انكفاء الجيوش البيزنطية نحو الغرب؛ زال الخطر عن شمال سوريا، واستطاع السلاجقة استرجاع أنطاكية في عام (1075م)، وبذلك عادت منطقة كليكية للنفوذ الإسلامي وأصبحت شبه جزيرة الأناضول حتى بحر مرمرة ملكًا للأتراك المسلمين، وتأسست فيها بعد ذلك دولة سلاجقة الروم والتي لعبت دورًا مهمًّا في وجه الحملات الصليبية التي قدمت من أوروبا في نهاية القرن الحادي عشر للميلاد[10].
يقول المؤرخ الغربي رانسجان: «إن عام (1071م) يعتبر نقطة تحوُّل في التاريخ البيزنطي، ونظرًا للآثار المُدمّرة التي خلّفتها هذه المعركة على هذه الإمبراطورية؛ فقد سارع ميخائيل، وطلب النجدة من بابا روما جريجوري السابع (1073- 1085م)، وكاد هذا البابا أن يستجيب للطلب لولا انشغاله بالخلاف مع إمبراطور ألمانيا؛ حيث سارع خلفه أوريان الثاني إلى إعلان الحرب المقدسة التي سُمِّيت بالصليبية ضد المسلمين انتصارًا للعالم النصراني[11]. كما قال في مؤتمر كلير مونت عام (1092م).
وكانت معركة ملاذ كرد، وما خلفته من آثار السبب الرئيسي المباشر للحروب الصليبية التي دامت قرنين من الزمن، والتي انتهت إلى فشل الغرب في القضاء على الهوية الإسلامية في الشرق[12].
كما كان من نتائج هذه المعركة: بسط النفوذ السلجوقي الإسلامي السُّنيّ على بلاد الشام، وتقهقر النفوذ الفاطمي، واستعادة الخلافة العباسية لقوّتها المعنوية، والدولة لقوتها العسكرية؛ حيث استطاع الخليفة بعد ذلك مباشرة أعمال القيادة لفترة طويلة من الزمن، كما أدّى وجود السلاجقة في بلاد الشام إلى حَملهم لِعِبْء التصدي للغزاة الغربيين لفترة طويلة، سواء بشكل مباشر أو على يد قوادهم بشكل غير مباشر، مما لا يتسع المجال للتفصيل فيه هنا[13].
[1] الكامل في التاريخ لابن الأثير.
[2] أخبار الدولة السلجوقية، صدر الدين بن علي الحسين 575-1180ه، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1984م.
[3] تاريخ دولة آل سلجوق، عماد الدين الأصفهاني، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
[4] السلاجقة، أحمد كمال الدين حلمي، دار السلاسل.
[5] تاريخ دمشق، ابن القلانس، تحقيق الدكتور سهيل زكار، دار حسان.
[6] موقف أمراء العرب بالشام والعراق حتى أواخر القرن الخامس الهجري، د. أمية بيطار، دار دمشق.
[7] الحروب الصليبية الدكتور سهيل زكار، الجزء الأول والثاني، دار حسان.
[8] الحرب الصليبية الأولى، الدكتور حسن حبشي، دار الفكر العربي.
[9] العرب والروم واللاتين، د. جوزيف نسيم يوسف، مؤسسة شباب الجامعة.
[10] العرب والروم واللاتين، د. جوزيف نسيم يوسف، مؤسسة شباب الجامعة.
[11] ورثة الإمبراطورية الرومانية، د. جوزيف نسيم يوسف، مؤسسة شباب الجامعة.
[12] تاريخ الحروب الصليبية، أنتوني بردج، ترجمة أحمد غسان سبانو- ونبيل الجيرودي، دار قتيبة، دمشق.
[13] الحروب الصليبية، أرنست باركر، ترجمة الدكتور السيد الباز العريبي، دار النهضة العربية.