العنصر الجديد في هذا النزاع المرير، انحياز حركات التمرّد السابقة في دارفور إلى الجيش الذي كانت تقاتله لسنوات. والميزة المضافة من انضمام مجموعاتها إلى القتال، أنّ هذه الحركات اعتادت القتال كوحدات خفيفة وسريعة، قادرة على تنفيذ اختراقات في العمق
لم يكن السودان منذ استقلاله عام 1956م في مثل الحالة التي هو عليها اليوم، فقد أصبح على مسافة واحدة من الانهيار والتلاشي، أو الانبعاث وإعادة التأسيس.
عُمر الدولة من عُمر الانشقاق عليها، في الجنوب ثم في الغرب (دافور) وجهات أخرى، ومنها الشرق بقيادة مؤتمر البجة، وهنا تتحصّن الحكومة المركزية الآن؛ وذلك لدواعٍ عرقية (نزاع الهوية)، واقتصادية (عدالة توزيع الثروة)، وسياسية (إسلامية الدولة)، وصولًا إلى أخطر ثورة شعبية ضدّ النظام في أواخر عام 2018م، وأخطر تمرّد مسلّح على الدولة، ومن داخلها (قوات الدعم السريع) في أبريل عام 2023م.
وإذا كانت التمرّدات السابقة قد انحصرت في الأطراف النائية عن العاصمة المثلّثة (الخرطوم وخرطوم بحري وأم درمان)؛ فإن التمرّد الحالي أول ما ضرب مركز البلاد وعصبها الإداري والاقتصادي والأكاديمي والتاريخي والديموغرافي. حتى مع التمرّد في الجنوب والذي أدّى إلى انفصال جنوب السودان عام 2011م بدعم غربي وإقليمي، وحرمان البلاد من مساحة شاسعة (أكثر من ثلث المساحة السابقة)، ومن ثروات طبيعية لا سيما النفط (حوالي 350 ألف برميل يوميًّا قبل اندلاع الحرب الأهلية في الدولة الجديدة)؛ فإن خطر التمرّد العسكري المنطلق من ولاية مضطربة عرقيًّا هي دارفور، هو أكبر بكثير، ويُنذر بتفكيك البلاد.
ولولا أنّ محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، طامح لحكم كل السودان، كما كان قبله جون قرنق زعيم التمرّد في الجنوب، إلى أن ارتضى الانفصال بالجنوب وحده، (إلى أن قُتل في تحطّم طوافة عام 2005م)، فلربما نجح في فصل دارفور عمليًّا، بالتحالف مع كلّ حركات التمرّد في دارفور وغيرها. فطول مدّة التمرّد في الجنوب تحت قيادة قرنق (1983-2005م)، ربما تفسّره العوامل الجغراسياسية والديموغرافية في الجنوب نفسه، الذي غرق في الحرب الأهلية عقب انفصاله.
والوضع مُشابه أيضًا في دارفور الذي شهد تمرّدًا عسكريًّا منذ عام 2003م، وهو ما حفّز الحكومة بقيادة عمر البشير آنذاك على الاستعانة بالميليشيات العربية هناك، فيما عُرف بالجنجويد، ثم قوات الدعم السريع. فالانقسام العِرْقي الحادّ والتداخل القَبَلي والجغرافي بين المكوِّنين الزنجي والعربي، يُشكِّلان عائقًا كبيرًا أمام حلم الانفصال، على الرغم من الثروات الطبيعية الهائلة من المياه والمعادن، لا سيما اليورانيوم والذهب.
هذا الوضع الديمغرافي المُعَقّد يُفسِّر لجوء آل دقلو إلى أسلوب التطهير العرقي في بداية هذا الصراع، لا سيما المجازر المروّعة ضدّ المساليت الذين يتركّزون غرب دارفور، وهم من ذوي التاريخ العريق في السودان، فكانت لهم سلطنة مستقلة، ولهم امتدادات في وسط إفريقيا، وقد هزموا الفرنسيين مرتين عام 1910م، وانضموا إلى السودان بدلًا من تشاد عقب الاتفاق بين الفرنسيين والبريطانيين وسلطان المساليت قبل قرن من الزمان.
وإذا كان ممكنًا اعتبار الصراع بين المساليت والقبائل العربية في دافور، من النوع التقليدي بين المزارعين الأفارقة والرعاة العرب؛ إلا أنّ الاعتداء الصارخ على المساليت عقب انفجار الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم، لا دلالة له سوى تمهيد الطريق للسيطرة الكاملة على الإقليم، فيكون هو الجائزة الأخيرة؛ إن فشل مخطط السيطرة على الحكم المركزي.
ولعلّ هذا ما دفَع حركات التمرّد السابق في دارفور، إلى التخلّي تدريجيًّا عن الحياد، لا سيما حركة العدالة والمساوة، وحركة تحرير السودان، مع حصول انشقاقات واسعة فيها، بين محايد أو منحاز لأحد طرفي النزاع في الخرطوم.
البداية والنهاية في دارفور
قد يكون دقيقًا القول: إنّ الدول المجاورة للسودان، كان لها دور تاريخي في دعم التمرّدات المسلّحة في المناطق المجاورة لها. ويصدق ذلك على التمرّد الجنوبي وداعمته الأساسية أوغندا، والتمرّد في الشرق وداعمته إرتيريا، وكذلك التمرّد في دارفور وداعمته تشاد.
لكنّ الأسباب الحقيقية في كلّ التمرّدات، تكمن في سياسات تركيز السلطة والثروة في المركز، في نظام سياسي اتحادي، لا يلحظ الدواعي المتعدّدة لنظام فيدرالي، من اتساع الجغرافيا (ثالث أكبر بلد إفريقي حتى بعد انفصال الجنوب)، وتعدُّد العرقيات والثقافات واللغات (578 مجموعة إثنية مع لغات ولهجات كثيرة)، وتوافر الثروات التي تحتاج إلى حُكم محليّ فاعل، من أجل حُسْن استغلالها، من دون انتظار البيروقراطية الثقيلة والبطيئة. وهذا الاستعصاء المزمن في تاريخ السودان، جعل دور الجيش مركزيًّا منذ الاستقلال، فهو الذي حكَم البلاد فعليًّا ما عدا بعض الفترات المحدودة من الحكومات المدنية (قرابة عشر سنوات متقطّعة).
تاريخيًّا، اتَّسم الحكم المدني -على قصر تجربته السياسية-، بالهشاشة والضعف والانقسامات السياسية الكبيرة، مما جعله عاجزًا على العموم عن التصدّي للمشكلات التأسيسية والبنيوية للسودان، إلى أن وقعت الثورة الشعبية الأخيرة في ديسمبر 2018م، فطرحت مشروع إعادة النظر بالنظام السياسي من جذوره، وعلى رأس بنوده إخراج الجيش من السياسة، أي حرمان الجيش من دوره التاريخي، وفاقَم الأمر صعوبةً: وجود مكوّن عسكري رديف ومنافس قوي للجيش، وهو قوات الدعم السريع، التي تحوّلت في السنوات الأخيرة، إلى رافعة النظام، في وجه خصومه.
وإذا كان الجيش احترافيًّا في تكوينه الأساسي؛ إلا أنّ الدعم السريع ميليشاوية في منشئها، ومسيَّسة أكثر من الجيش نفسه. ومن هنا نشأت المعضلة التي أشعلت الحرب في 15 أبريل 2023م. فالخلاف أولًا على دمج الدعم السريع بالجيش؛ لأسباب مهنية، تحوَّل لاحقًا إلى خلاف على دور قيادة الدعم السريع في المرحلة الجديدة، مع الطموح السياسي الطاغي لحميدتي نائب رئيس مجلس السيادة إلى حين إقالته رسميًّا بعد أكثر من شهر على اندلاع الحرب في 19 مايو 2023م.
الجديد هو نجاح القوى المدنية الثورية في استمالة حميدتي لتنفيذ انقلاب عسكري سريع على الجيش، فقوات الدعم السريع في الأماكن الحسّاسة في العاصمة. وثمّة انتشار سكّاني قديم من دارفور في الولايات الوسطى، ومنها ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة؛ فخليفة المهدي عبد الله التعايشي (قُتل عام 1899م) الذي قاتل الإنجليز بين عامي 1883 و1899م، هو من دارفور، وقد جلَب قبيلته التعايشة إلى أم درمان، فتغلّب بها على الأشراف وهم أقرباء محمد أحمد المهدي (توفي عام 1885م). ومع ازدهار الزراعة في الجزيرة، أُتِيَ بعُمّال من دارفور للعمل في الأرض.
وهذان العاملان منَحا حميدتي أفضلية كبيرة للانتصار على أحد أعرق الجيوش في القارة السمراء (عمره أكثر من قرن)؛ فالتموضع العسكري في العاصمة وعلى مداخلها وجسورها وأمام المقارّ العسكرية والإدارية والسيادية، إضافةً إلى استغلال الولاء القَبَلي في الولايات، لتشغيل ذوي الأصول الدرافورية كطابور خامس، تسبَّبا حرفيًّا بسقوط العاصمة والجزيرة بسهولة كبيرة.
ويبلغ التناقض مداه؛ إذ كيف يكون الرهان على ميليشيا جرّارة للتخلّص من حكم العسكر في السودان؟ وهل كان حميدتي سيُعيد جنوده إلى الثكنات بعدما يصبحون نواة الجيش السوداني الجديد؟ وهل بمقدور حمدوك -رأس الحربة حاليًّا في المنتديات العالمية- أن يضمن موقعه في نظام ما بعد الحرب تحت رئاسة حميدتي المتهمة قواته محليًّا ودوليًّا بارتكاب جرائم شنيعة في دارفور على وجه الخصوص. وأخيرًا لا آخرًا ما تفعله الدعّامة في ولاية الجزيرة الغنية بإنتاجها الزراعي الإستراتيجي، والتي دخلتها قوات حميدتي في 15 ديسمبر العام الماضي؟
العنصر الجديد في هذا النزاع المرير، انحياز حركات التمرّد السابقة في دارفور إلى الجيش الذي كانت تقاتله لسنوات. والميزة المضافة من انضمام مجموعاتها إلى القتال، أنّ هذه الحركات اعتادت القتال كوحدات خفيفة وسريعة، قادرة على تنفيذ اختراقات في العمق، من دون الحسابات المعقَّدة التي يضطر قادة الجيش النظامي إلى إجرائها قبل اتخاذ قرارات عملياتية حاسمة. وهذا النوع من التكتيكات العسكرية التي تتلاءم تمامًا مع تكتيكات قوات الدعم السريع الآتية من البيئة نفسها. وعلى هذا قد يصحّ القول: إنّ الفتنة التي أطلّت بقرنها من دارفور، قد تُوأَد بمساعدة فعّالة من أهل دارفور أنفسهم.
مشروع سلطة لا تهميش
لا يتعلّق التمرّد الحالي بموضوعة التهميش التقليدي، باعتبار أنّ ميليشيات الجنجويد ثم قوات الدعم السريع بعدها، أضحت في العشرين سنة الأخيرة، من العناصر المحظوظة لدى النظام؛ إذ هي التي كانت تَسُدّ ثغرةً عظيمةً في الغرب، وتحمي النظام الشائخ من التداعي والسقوط. ومن البديهي أنّ إقليم دارفور نفسه المنقسم على نفسه عرقيًّا وسياسيًّا، كان يشهد في الحقبة نفسها، حالات متفاوتة جدًّا من التهميش والقمع (العنصر الزنجي)، في البيئة الحاضنة لحركات التمرّد تاريخيًّا، قبل التصالح مع النظام الانتقالي عقب إسقاط البشير، أما البيئة العربية التي ينزح منها آل دقلو ميليشياتهم، فكانت حرفيًّا جزءًا من النظام السياسي في الخرطوم.
وعلى هذا، فإن المفارقة اللافتة، هي انقلاب الفئة المحظوظة على النظام، وهو راعيها أصلًا، فيما انحازت حركات التمرّد السابقة إلى جانب الجيش.
وفيما يتعلّق بالجهات الإقليمية الدولية المؤيدة للتمرّد التي تقوم به قوات الدعم السريع؛ فقد كشفت عن نفسها من خلال جولة حميدتي على عدة دول إفريقية عقب احتلال ولاية الجزيرة، وهي أوغندا وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا، وبعض هذه الدول، لا سيما أوغندا وإثيوبيا، كان لها أدوار تاريخية في دعم التمرّد في الجنوب. ويُضاف إلى ذلك، وجود علاقات دول أخرى في الجوار مثل تشاد وليبيا؛ حيث النفوذ المتنامي لفرنسا، مع ذِكْر أدوار غير مُحدَّدة للموساد الإسرائيلي، وتكشّف ذلك أخيرًا مع دعوة يوسف عزّت المستشار السياسي لحميدتي إسرائيل كي تساعد الدعم السريع ضدّ العدو المشترك (الإخوان في السودان وفي فلسطين).
وظهرت أخيرًا، محاولة فرنسية للتعويض عن خسائرها في إفريقيا السمراء؛ من خلال تنظيم مؤتمر إنساني دولي في باريس من أجل السودان والدول المجاورة، دعت إليه فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، وشاركت فيه منظمات دولية وإقليمية ومنظمات غير حكومية سودانية ودولية، فضلًا عن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك من دون أن تُوجَّه الدعوة إلى حكومة بورتسودان بقيادة البرهان.
وتعهّدت الدول الأوروبية بجمع ملياري دولار لدعم العمليات الإنسانية، من دون التواصل مع الجهة الرسمية المُكلَّفة بإدارة شؤون السودان خلال الحرب. وهو ما اعتبره مراقبون أنه محاولة تعويم حمدوك والقوى المدنية المتحالفة ضمنًا مع الدعم السريع سياسيًّا؛ من خلال توفير الأموال اللازمة لتحسين الوضع الإنساني.
وكانت «تقدّم» بقيادة عبد الله حمدوك، قد أقدمت إبَّان اختلال الميزان العسكري بين الجيش والدعم السريع، أواخر العام المنصرم، على لقاء حميدتي في أديس أبابا، وبحيث اتفق الطرفان على خارطة طريق عامة للخروج من حالة الاحتراب. وبرَّر القريبون من «تقدّم» هذه الخطوة المفاجئة بأنها نوع من البراغماتية، فالجيش غير قادر على حسم المعركة مع الدعم السريع، ومن الأفضل التحاور مع حميدتي لإنهاء الحرب، مع الإقرار بما ترتكبته قوات الدعم السريع من نهب وقتل واغتصاب وترويع.
وفي حقيقة الأمر، إنّ مجرّد وضع الجيش والميليشيا على قدم المساواة، واتهام الثنائي العسكري ومن دون تمييز بينهما بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، هو ميل واضح إلى الميليشيا على حساب الجيش الوطني. وهناك رضًى جليّ بالتعايش مع المكوّن العسكري كما هو بعد وقف إطلاق النار، على ما كشفته المبادرة الأخيرة الذي قدَّمها المكوّن المدني، وفي بنودها هدنة لمدّة 60 يومًا، ثم تشكيل حكومة انتقالية، وإقرار آلية لتوحيد الجيش في مهلة عشر سنوات.
وهكذا كان دأب القوى المدنية: ركوب متن الصراع الدائر في أعلى هرم السلطة بين الجيش والميليشيا، لتوفير موقع سياسي لهذه القوى التي فقدت شعبيتها في السودان. وتطويل أمد المرحلة الانتقالية إلى عشر سنوات، من دون انتخابات، هدفه تمكين المدنيين من تفكيك بنى النظام وأُسسه، والحلول مكانه، ولو كان ذلك تحت حماية الميليشيا التي دمّرت السودان خلال أقلّ من عام.
حرب التحرير الشعبية
على الصعيد العسكري البحت؛ بدأ التحوُّل من يوم السقوط المفاجئ لولاية الجزيرة، وهي ذات موقع إستراتيجي وسط السودان، وذات أهمية بالغة للاقتصاد الوطني ومورد أساسي للخزينة العامة. تغيّرت إستراتيجية الجيش من الاعتماد المطلق على سلاح الطيران لضَرْب مُتحرِّكات الدعم السريع وخطوط إمدادها ومواقع تجمُّعاتها ومعسكراتها ومخازنها، إلى الاستنجاد بأفراد الشعب المكلوم، واستنفاره للدفاع عن الأرض والمال والعِرْض، فضلًا عن استمالة عناصر الحركات المتصالحة مع النظام.
وهذه الخطوة ولو تأخَّرت باتت ضرورية؛ لأن قوات آل دقلو قامت اعتمدت على تجنيد مئات الآلاف للانسياح داخل الجغرافيا السودانية، أينما شاءت، ومحاصرة القواعد والحاميات العسكرية التي نادرًا ما تخرج منها. وبحسب مصادر الدعم السريع؛ فإن عدد جنودها تضاعف بسرعة صاروخية من أكثر من 100 ألف قبيل الحرب إلى 800 ألف، وربما إلى مليون فرد. وبغضّ النظر عن دقّة هذه الأرقام، فإن المغزى بالضرورة هو أنّ قوات الدعم السريع خسرت الآلاف المؤلفة خلال عام من القتال.
وإلى ذلك، ثمّة جهد محموم لتجنيد المرتزقة من خارج السودان، خاصةً وأنّ القبائل العربية في دارفور لها امتدادات في الدول المجاورة، ومن تشاد التي تشهد احترابًا داخليًّا، مع علاقات تخادم أنشأتها الميليشيا سابقًا مع اللواء خليفة حفتر في ليبيا أثناء القتال الضاري بين بنغازي وطرابلس الغرب بين عامي 2019 و2020م، إضافةً إلى إفريقيا الوسطى والنيجر.
وهذا العدد المهول من المقاتلين متفاوتي الخبرة القتالية، يحتاج إلى جيش هائل من المشاة حتى لو كان معظمهم عديم الخبرة في معرفة صنوف القتال وتكتيكاته. وقد نجح الجيش السوداني عقب صدمة الجزيرة وما ارتكبته قوات الدعم من فظائع في المناطق المحتلّة، ومنها الاغتصابات خاصة، في زحزحة موقف الحياد أو اللامبالاة الشعبية. وما تشهده مسارح العمليات في العاصمة، والجزيرة، وكردفان شمالها وجنوبها، ودارفور، هو حالات نادرة من الاندماج الشعبي والعسكري، الذي يُولِّد طاقة كبيرة من الزخم القتالي المناسب في شكله ومضمونه لموجات الدعم السريع، والتي أثبتت نجاعتها سابقًا.
هذا الاصطفاف الجماهيري الكبير خلف الجيش وقيادته، يطوي صفحة انعدام الثقة التي وصلت ذروتها بالانقلاب المفاجئ الذي نفَّذه الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وبشراكة قوات الدعم، على مسار الانتقال إلى الحكم المدني، في 25 أكتوبر 2021م. كما أنه يمسح صورة تضعضع الجيش وتراجعه في قلب العاصمة نفسها أمام ميليشيا كانت إلى بضع سنوات خلت مجرّد قوات حدودية متواضعة، لمطاردة المسلّحين المتمرّدين في دارفور.
بل إنّ سرديّة بطولات الحرس الرئاسي صبيحة 15 أبريل العام الماضي، والتي نُشرت تفاصيلها أخيرًا، أمام الهجوم الانقلابي الكاسح لقوات الدعم السريع، تصنع صورة مختلفة ومتجدّدة للقوات المسلّحة السودانية. فالجيش أمام خيار من أمرين لا ثالث لهما؛ إما الاستسلام للميليشيا، أو النهوض بالسودان مجدّدًا على أُسس مختلفة من الحكم بلا استئثار للسلطة ولا تهميش لأحد.