ومن يفتش في أبعاد الموقف الأمريكي والغربي يجد أن الغرب –كما الكيان الصهيوني-، يطرح نزع سلاح المقاومة التي هدَّدت بقاء الكيان في مقابل البدء في مسار الدولة الفلسطينية.
ولذلك فالجديد الوحيد هو ما تحدَّث به المسؤولون الأمريكيون عن «مسار» الدولة، بدلاً لما ك
يعلم دارسو الظواهر الاستعمارية أن خلاصة الفكر الصهيوني ومضمون إستراتيجية قيام
الدولة الصهيونية لدى الحكم والمعارضة ولدى المؤسسات الأمنية والعسكرية قوامهما
الأساسي: خوض صراع متطاول على قاعدة معادلة صفرية، وبقاء طرف وزوال الآخر؛ تنتهي
إلى هزيمة الشعب الفلسطيني وإبادته وطرده وتهجيره من الأرض.
وإن النموذج المعتمَد في إدارة هذا الصراع هو النموذج الاستعماري الذي طُبِّق في
تجربة قيام الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا.
كما يعلمون أن الفارق الوحيد بين النموذج الصهيوني والنموذج الذي طُبِّق في تلك
الدول الثلاث، أنه لا يُعلِن صراحةً عن الإبادة والتطهير، ولا يخوض هذا الصراع في
معركة واحدة متصلة -بحكم الكتلة السكانية العربية والإسلامية الداعمة للشعب
الفلسطيني-، بل وفق معارك متعددة الجولات، وعلى مراحل زمنية متطاولة، يتم تحديد كل
منها على أساس طبيعة التغيُّرات الدولية، وتطور التوازنات في الوضع الإقليمي،
وبطبيعة الحال وفقًا لعوامل قوة وضعف الطرف الآخر في الصراع.
ويعلم خبراء النظم السياسية، أنه ليس واردًا في العقل الصهيوني بكافة مكوناته، وعلى
صعيد جميع مؤسساته، القبول بفكرة إقامة أيّ كيان فلسطيني محدد الجغرافيا، حتى لو
كان منزوع السلاح والسيادة، ليس فقط لأن الكتابات الصهيونية تؤكد ذلك؛ بل لأن نظرية
الأمن الصهيونية تقوم على فكرة نفي وجود الآخر، وإن قيام أيّ شكل من أشكال الدولة
الفلسطينية سيكون بمثابة اعتراف بوجود الآخر، وبحقّه في الوجود على أرضه، وهو ما
يتصادم حضاريًّا وإستراتيجيًّا مع فكرة الاستعمار الاستيطاني القائم على اقتلاع
الطرف صاحب الأرض، وبناء نمط سكاني وحضاري مختلف على تلك الأرض. ولأن قيام أيّ شكل
من أشكال الدولة الفلسطينية، يمكن أن يتطور مع الزمن، ويهدّد بقاء الكيان الصهيوني.
وهم في ذلك أصحاب تجربة تدرجية جرت عبر نحو 40 عامًا انتهت إلى إعلان الدولة
العبرية، وخلاصتها أن الأشكال الجنينية من المؤسسات والأشكال المبسطة من الاعتراف،
يمكن تطويرها ودفعها لتصبح الحقيقة المسيطرة. وهم يفهمون جيدًا أنهم -وهم لصوص
الأرض- قد فعلوا ذلك، وأن فرصة نجاح خصمهم أقوى؛ إذ إن مساحة حركة أصحاب الأرض لن
تحتاج سوى وقت قصير لفرض الوقائع وبناء دولة قوية يمكنها إزالة دولة الاحتلال.
وهي رؤًى تأكدت عمليًّا من خلال تجربة التفاوض الفلسطينية الصهيونية -والعربية
كذلك–، ومن خلال الاتفاقات المرحلية التي أُبرمت؛ إذ تعامل الكيان الصهيوني مع تلك
المفاوضات والاتفاقات باعتبارها فرص وقت وزمن يجري استغلالها لمزيد من السير في
مخططات طرد السكان الأصليين وتعميق احتلال الأرض عبر الاستيطان، وصولاً إلى تحقيق
الهزيمة الكاملة والاقتلاع التام للشعب الفلسطيني من أرضه.
ولذلك، فإذ تعود أحاديث الساسة في الولايات المتحدة والغرب للدوران حول ما يُوصَف
بحل الدولتين في الآونة الأخيرة، فمن الطبيعي أن يجري هذا الحديث مقرونًا بقصص
الضغط على القادة الصهاينة، وبالخلاف معهم حول ضرورة السير في هذا الحل؛ لعلمهم
برفض الصهاينة له.
ويزيد من ضرورة هذا الاقتران -بين طرح الفكرة والتشديد الإعلامي على وجود خلافات-،
أن هذا الطرح يأتي فيما تشنّ القوات الصهيونية حرب إبادة وتطهير وتهجير ضد أكثر من
مليوني فلسطيني في غزة، وفيما تشن تلك القوات وعصابات المستوطنين أعمال قتل وإرهاب
ضد الشعب الفلسطيني على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس.
غير أن هذا الحديث الغربي أو تلك التحركات لا يساندها موقف غربي رافض بشكل حاسم
لجرائم الإبادة الجارية –بل هم في موقع الداعم والمدافع عن تلك الجرائم، بل وحتى
المشارك فيها-، ولا إلى إعلان غربي برفض فكرة ومشروع وقرارات المؤسسات الصهيونية
باعتبار الدولة الصهيونية
«دولة
النقاء اليهودي، تحت عنوان إسرائيل دولة يهودية أو دولة لليهود فقط، الذي يعني أن
الكيان الصهيوني في وضع الانتقال من مرحلة
«أسرلة»
الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48، إلى مرحلة الضغط عليهم باتجاه التهجير من
تلك المناطق أيضًا –في مرحلة تالية- بما يعني طرد كل مكونات الشعب الفلسطيني من
الأرض الفلسطينية بشكل تامّ وكامل.
وواقع الحال أن الكاشف الأكبر لما يمكن وصفه بـ«لعبة
الخداع الإستراتيجي للإيهام بإمكانية قيام دولة فلسطينية»
أن الحديث الغربي الجاري الآن، ليس إلا تكرارًا، وبذات الجُمَل والعبارات التي جرى
استخدامها منذ نحو 30 عامًا على الأقل؛ إذ إن أطروحة الغرب بشأن إمكانية إقامة دولة
فلسطينية ليست وليدة اليوم، بل جرى الترويج لها وخوض أشكال متعددة من التفاوض
والاتفاقات بشأنها.
لقد صدرت قرارات دولية، وجرت تحركات ومفاوضات، وعُقدت اتفاقات تمَّت جميعها تحت
رعاية نفس الأطراف التي تُعيد طرح تلك الأطروحة الآن، وكلها انتهت إلى وضع كارثي
على الشعب الفلسطيني، شواهده جارية الآن.
وكان أبرز ما جرى تحت هذا العنوان، وتحت إشراف نفس من يجددون الحديث عن تلك
الأطروحة، هو اتفاقات وتجربة أوسلو التي انتهت إلى دوران السلطة الفلسطينية التي
تشكَّلت على أساسها، في داخل الإستراتيجية الصهيونية القائمة على تمرير حركة
الإبادة والتطهير والطرد وفق نمط التنفيذ التدرجي.
ولكل ذلك فإن العودة الغربية للحديث عن أطروحة الدولة الفلسطينية تعيد تكرار السؤال
على الشعب الفلسطيني ليس فقط بالقبول أو القناعة بإمكانية إقامة دولة فلسطينية على
ما تبقى من أرض ما يزال بها سكان فلسطينيون –على قلة مساحتها-، بل بالوقوع في تلك
الخديعة الكبرى مرة أخرى. لكن، أليس واردًا أن يختلف الأمر هذه المرة؟
ابتلاع الطُّعم الأمريكي
تعود بداية القصة إلى حدوث تغيير في الفهم الإستراتيجي، ولحساب توازنات الوضع
الدولي، وفي الرؤية السياسية لدى منظمة التحرير الفلسطينية، بما أدى إلى إعلان
رئيسها أمام المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر عام 1988م، ما سُمِّي
بوثيقة قيام دولة فلسطين.
كانت تلك نقطة البداية للتغيير الذي تعاظم فيما بعد؛ إذ كان ذلك إعلانًا بالقبول
بدولة فلسطينية بدلاً من شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وكان إعلانًا
بالاعتراف بالكيان الصهيوني في مقابل النظر في قيام دولة فلسطينية.
وقيل وقتها: إن النضال الفلسطيني ينتقل بهذا الإعلان إلى مرحلة بناء إطار تصبّ فيه
مختلف أشكال الدعم والتعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، وإن الخطوة تجسِّد هدفًا
يمكن تحقيقه؛ إذ تقدم حلًّا سياسيًّا واقعيًّا يتفق مع قرارات الأمم المتحدة. وقيل
وقتها: إن العالم يمكن أن يتقبل تلك الفكرة، وإن استمرار الجمود على موقف تحرير
فلسطين من النهر إلى البحر، لم يعد مقبولًا على الصعيد الدولي.
كان الإعلان بداية الانشقاق الكبير في حركة منظمة التحرير الفلسطينية، بين مَن
قرَّر السير في هذا الطريق، ومَن تحدّث عن استمرار العمل العسكري المقاوم حتى تغيير
الواقع، وعن أن المفاوضات والحلول تأتي لترجمة ما يتحقق على الأرض بالقوة، وأن
القوة هي السند الأساس التي تجعل تطبيق القانون ممكنًا، وبدونها يصبح مجرد أوراق
لحفظ الحقوق مكانها أرشيف التاريخ.
وقد تسارع التغيير في الفكر المسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية، ووصل حد الدخول
في مفاوضات متعددة تحت عنوان تحويل الإعلان الفلسطيني بقيام الدولة إلى واقع قانوني
دولي. وكانت المحطة الأساسية –وربما الختامية- لهذا التغيير في الرؤية والموقف ما
جرى من توقيع اتفاقات أوسلو.
كان العنوان الذي جرى الترويج لقبول اتفاقات أوسلو تحت ظلاله هو السعي لقيام دولة
فلسطينية.
لكن ما ظهر بالتجربة العملية، هو أن الكيان الصهيوني لم ولن يوافق على إقامة دولة
فلسطينية، وأنه خاض تلك التجربة في أوسلو ضمن إطار خطته لتعميق الاستيطان، وجعل
إمكانية قيام أي كيان فلسطيني غير ممكن عمليًّا، وأنه اعتبرها مرحلة من مراحل تقليل
تكلفة استمرار الاحتلال، وهو نظر للسلطة باعتبارها إحدى أدوات تحقيق الهدوء وتقليل
ردود الفعل خلال إنفاذه مرحلة التغيير الديموغرافي في الضفة وغزة.
وانتهت تجربة أسلو إلى دوران السلطة الفلسطينية في داخل حركة الإستراتيجية
الصهيونية.
لِمَ يتجدد الخداع الآن؟
تتكرر أطروحة الدولة الفلسطينية الآن، في ظل حرب إبادة تشنها القوات الصهيونية في
غزة وتشنها تلك القوات والمستوطنون -الذين باتوا مسلحين- في الضفة الغربية.
التصريحات الأمريكية على لسان بايدن ووزير خارجيته ومستشار الأمن القومي تُكرّر
ضرورة البدء في مسار تشكيل دولة فلسطينية. والاتحاد الأوروبي أصدر بيانًا بلاغيًّا
مطولًا عن حل الدولتين. ووزير الخارجية البريطاني تحدث عن أن بلاده تفكّر في
الاعتراف بدولة فلسطينية، ودول أوروبية عديدة تحدَّثت عن أنها ستعترف بدولة
فلسطينية.
هي أحاديث عن أطروحات قديمة خاضت على أساسها القيادة الفلسطينية -ممثلة في منظمة
التحرير- تجربة مريرة. والأهم أنها أحاديث تأتي بعدما تمكّنت المقاومة الفلسطينية
من توجيه ضربة إستراتيجية غير مسبوقة للجيش والمؤسسات الأمنية والنخب في الكيان
الصهيوني، بما أدى إلى حضور غربي عسكري وسياسي ودبلوماسي غير مسبوق لدعم الكيان
الصهيوني. ووصل الأمر أن وقع الغرب في محظور الدعم العلني المباشر لجرائم نازية
وفاشية وأعمال قتل وتدمير أدَّت إلى ذهاب جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية بدعوى
ضد الكيان الصهيوني تتّهمه فيها بأعمال إبادة وتطهير عرقي.
فهل من علاقة بين الأمرين؟
بالرجوع إلى الفترة التي ألحَّ فيها الغرب على أطروحة الدولة –وجرى بدء المفاوضات
مع منظمة التحرير تحت عنوانها-؛ نجد أنها جرت في مرحلة كان النضال الفلسطيني قد
تصاعَد فيها عبر الانتفاضات التي حملت الحجارة، وبشكل خاص الانتفاضة الثانية التي
أربكت الكيان الصهيوني وأنهكته، وحملت مشروعًا سياسيًّا قدّم مشروعًا شاملاً لحرب
تحرير كبرى.
والمعنى أن الغرب لا يعود إلى تلك الفكرة، أو لا يعود لمداعبة الحلم الفلسطيني
بزوال الاحتلال إلا في المراحل التي تقوى فيها مقاومة الشعب الفلسطيني، وتصبح في
وضع التهديد الجدي لبقاء الكيان الصهيوني.
وهذا ما يحدث الآن تحديدًا.
هي أطروحة يُعِدّ الغرب للترويج لها طالبًا رأس المقاومة بشكل صريح هذه المرة، فإن
تحقق له هذا ضعف الشعب الفلسطيني، وجرى إجهاض القدرة الفلسطينية على تهديد الكيان.
ومن يفتش في أبعاد الموقف الأمريكي والغربي يجد أن الغرب –كما الكيان الصهيوني-،
يطرح نزع سلاح المقاومة التي هدَّدت بقاء الكيان في مقابل البدء في مسار الدولة
الفلسطينية.
ولذلك فالجديد الوحيد هو ما تحدَّث به المسؤولون الأمريكيون عن
«مسار»
الدولة، بدلاً لما كان يقال من قبل عن
«عملية
السلام».
حدود الخلاف بين نتنياهو وبايدن
حين أعلن بايدن والمسؤولون الأمريكيون عن ضرورة بدء مسار للدولة الفلسطينية، جرى
رهن الأمر بثلاثة محددات:
الأول: هو تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني. والثاني هو الحفاظ
على أمن الكيان الصهيوني وعدم وجود مجموعات فلسطينية تهدِّد أمنه. والثالث هو بدء
مسار الدولة الفلسطينية، مع إشارة لوجود أشكال متعددة من الدول التي بلا جيش أو
تتشكل وفق شروط خاصة، وهو ما فُهِمَ منه أنها بداية لفتح الباب أمام وجود قوات
أمريكية أو غربية –على غرار تجربة كوسوفا مثلاً- أو لوجود قوات متعددة الجنسية،
تقوم بالسيطرة على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وتكون بديلاً لما فشلت فيه القوات
الصهيونية، والأغلب أنها ستقوم بنفس الدور الذي لعبته القوات البريطانية ما بعد
إطلاق وعد بلفور. وفي أفضل الأحوال تكون تلك القوات هي المسيطرة على أيّ كيان
فلسطيني؛ حتى لا يمكن له أن يتطور إلى صورة الدولة الفعلية أو الحقيقية، هذا إن حدث
هذا التطور.
لكن نتنياهو قطع الطريق. فقد كان مُلاحظًا أن زفَّ بايدن علانية نبأ موافقة نتنياهو
على فكرة قيام الدولة -إن جاز الوصف-، وكانت المفاجأة أن خرج نتنياهو لينفي موافقته
على هذا الطرح، بل هو تحدث عن السيطرة على الأرض من النهر إلى البحر. ومن بعده خرج
وزير خارجية الكيان الصهيوني ليقترح حلًّا لحكاية الدولة يقوم على نقل الفلسطينيين
إلى جزيرة صناعية يجري صناعتها في البحر الأبيض. وبلغ الرد الصهيوني الرافض حد عقد
مؤتمرات شارك فيها وزراء صهاينة لبحث مشروعات الاستيطان أو بناء مستوطنات في غزة
بعد انتهاء الحرب وطرد الفلسطينيين منها.
وكان أن تحركت دوائر أمريكية متعددة –كثير منها مُوالٍ للوبي الصهيوني في الولايات
المتحدة-؛ لتُبدي انزعاجها من الرفض الإسرائيلي.
وإذ كان بايدن قد تحدث علنًا عن ضرورة إعادة تشكيل الحكومة الصهيونية، باعتبارها
تضم متطرفين لا يقبلون بوجود الشعب الفلسطيني؛ فقد تحدثت دوائر أمريكية عن ضرورة
ربط المساعدات الأمريكية بموافقة إسرائيل على الرؤية الأمريكية.
فما حدود الخلاف بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة؟
واقع الحال أن الولايات المتحدة تحدّد رؤيتها للصراع الفلسطيني ضمن إطار مراوحة
رؤاها ومصالحها الدولية. وهي تنظر لما يجري منذ 7 أكتوبر وحتى الآن باعتباره خطرًا
على مصالحها الدولية؛ –لتأثيره على دورها في أوكرانيا وعلى دورها في تايوان-، وعلى
مصالحها الإقليمية؛ إذ تحدث بعض الأمريكيين عن أن استمرار ما يجري من حرب إبادة
وحرب متطاولة سيؤدي للإضرار بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية.
هي تنظر لما يجري بأفق أوسع مما عليه الحال لدى الكيان الصهيوني، الذي تغلب على
تحركاته المصلحة العقائدية، ويحصر اهتمامه بالدرجة الأولى في صراعاته الجارية على
الأرض وفي الإقليم.
والمعنى أن الولايات المتحدة لديها مصالح أوسع، ولديها القدرة على تنويع سياساتها
بحكم تعدد مصادر قوتها ومصالحها، فضلاً عن تمتعها بقدرة على رسم الإستراتيجيات، وهي
تعتبر الكيان الصهيوني ذاته أحد أهم عناصر إدارتها الإستراتيجية في المنطقة العربية
والإسلامية، لكنَّ الكيان الصهيوني بالمقابل ليست له مثل تلك الرؤية.
ومن هنا، فالاختلاف بين النظرتين الأمريكية والغربية -حتى مع الوضع في الاعتبار
وجود خلافات بين أوروبا والولايات المتحدة- والصهيونية، هو خلاف حول المصالح الكلية
للولايات المتحدة والغرب والمصالح الضيقة للكيان الصهيوني الذي يعتبر ما يجري معركة
بقاء، على خلاف الولايات المتحدة التي تراها معركة من بين معارك إستراتيجية كبرى
تجري حول العالم.
لكن الخلاف لا يخرج عن طريقة إدارة السياسات والممارسات الإعلامية، ولا يصل إلى
إحداث تغييرات أساسية على الأرض؛ إذ هناك اتفاق تامّ حول الرؤى الإستراتيجية. وهو
ما تُرجِم في الحضور العسكري كامل العدد والمبالَغ فيه، وفتح مخازن السلاح، واعتماد
الميزانيات، وحضور المسؤولين الغربيين للكيان الصهيوني، فور وقوع ضربة 7 أكتوبر
المفاجئة.
كما أن هناك فارقًا بين أن تعبّر الولايات المتحدة عن الخيارات التي تُفضّلها وبين
أن تستخدم أدوات النفوذ والضغط التي تمتلكها. وفي ذلك يقرر الخبراء والإستراتيجيون
الأمريكيون أنه أمر غير وارد عمومًا، وفي ظروف الانتخابات الأمريكية الجارية بشكل
خاص.
وكل ذلك يجب أن تدركه القيادات الفلسطينية والرأي العام العربي والإسلامي. هم
يطلبون رأس المقاومة، فإن تحقق لهم ما أرادوا انتهى الحديث وتبدَّد السراب. وفي
أفضل الأحوال نحن أمام محاولة للدخول في مرحلة جديدة من مراحل الإستراتيجية
الصهيونية-الغربية لتحقيق الهزيمة الكاملة للشعب الفلسطيني. وأبسط الدلائل على ذلك
أن الغرب رفض مجرد وقف إطلاق النار، فيما كانت أشد حروب الإبادة والقتل الجارية.
فهل لمن يساهم في قتل وإبادة وتهجير الفلسطينيين، أن يسعى لإقامة دولة لهم؟!