• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خطوات الشيطان

خطوات الشيطان


الخطوة هي ما بين القدمين، والجمع خُطاً وخُطُوات. والخَطْوة بالفتح: المرّة، والجمع خَطَوَات. وقد تنوعت عبارات السلف - رحمهم الله تعالى - في بيان خطوات الشَّيْطان؛ فقيل: آثاره، وقيل: عمله، وقيل: طرقه التي يدعوهم إليها، وقال قتادة والسدي: كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان[1].

وقال ابن عطية - رحمه الله تعالى -: وكل ما عدا السنن والشرائع من البدع والمعاصي فهي خطوات الشيطان[2]. وقال ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: كل شيء حرّمه الله فهو من خطوات الشيطان، سواء كان عن استكبار، أو تكذيب، أو استهزاء، أو غير ذلك؛ لأنه يأمر به، وينادي به، ويدعو إليه[3].

ولا فرق بين أن يقال «اتبع فلان الهوى» وبين «اتبع الشهوة أو الشيطان أو الحياة الدنيا»، في أن المقصد بجميع ذلك متابعة ما يصد عن سبيل الله - عز وجل - [4].

ويلاحظ في القرآن الكريم أن الله تعالى كرر النهي عن اتباع خطوات الشيطان، ولم يقل لا تتبعوا الشيطان، ولعل ذلك لأمرين:

الأول: من جهة العبد، فمن المستبعد أن يتبع الشيطان وهو يعلم عداوته له؛ فحذر الله تعالى العبد مما لا ينتبه إليه وهو خطوات الشيطان.

الثاني: من جهة الشيطان، وهو أنه يتدرج مع المؤمن في الإغواء، فيزيّن له التوسع في المباحات، ثم التساهل في المتشابهات، فغشيان محقرات الذنوب، إلى أن يصل به إلى الحرام المحض، بل إلى الكبائر والعياذ بالله.. ويبعد جداً أن عبداً مؤمناً مطيعاً لله - عز وجل - منتهياً عن محارمه؛ ينتقل فجأة إلى الموبقات وكبائر الذنوب، لكن يصل إليها بالتدرج إذا تسلط عليه الشيطان بخطواته، ووجده يسير معه فيها. وإذا عجز عن العبد من جهة المعصية؛ لمتانة دينه وبُعده عن الشهوات، أتاه من جهة البدعة والوسوسة في الطاعات.

وقد جاء ذكر خطوات الشيطان في أربعة مواضع من كتاب الله تعالى كلها بصيغة النهي عن اتباعها {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}، وهذه المواضع الأربعة حسب ترتيبها في المصحف هي:

الموضعان الأول والثالث في سياق ذكر الطعام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 1٦8]، وقال تعالى {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأنعام: ٢٤١].

الموضع الثاني في سياق الأمر بأخذ شرائع الإسلام كلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 2٠8].

الموضع الرابع في سياق النهي عن الفواحش {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ} [النور: 21].

والمتأمّل للموضوعات التي تناولتها الآيات الأربع، يجد أن خطوات الشيطان للانحراف بالإنسان أظهر فيها من غيرها؛ وذلك على النحو التالي:

أولاً: أن الطعام مهم في حياة الإنسان، ويؤثر في جسده وأخلاقه تأثيراً كبيراً، وهو أكثر شيء يتكرر في حياته بعد الهواء والماء، ولا يتصور وقوع المعصية بسبب التنفس والشرب؛ لأن الهواء لا يملك أحد حبسه عن الناس؛ ولأن الماء متوفر يجري في الأرض، والمحجوز منه مبذول في الغالب، والتزود منه سهل، لكن الطعام هو المشكل الذي يحتاج إلى عمل وكد وجهد لتوفيره، وهو مظنة الوقوع في الحرام بسببه؛ ولذا كان ميداناً من ميادين الشيطان في الإجلاب على الإنسان وإغوائه بسببه.

ثانياً: أن شهوات البطن والفرج هي أكثر شيء يغزو الشيطان به بني آدم، وطريقة الشيطان في استدراج بني آدم إلى معاصي البطون والفروج هي أخذهم إليها بالتدرج خطوة خطوة حتى يصل الآدمي للمعصية الكبرى؛ ولذا حذر الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان.

قال الرازي - رحمه الله تعالى -: قيل لمن أبيح له الأكل على الوصف المذكور احذر أن تتعداه إلى ما يدعوك إليه الشيطان، وزجر المكلف بهذا الكلام عن تخطي الحلال إلى الشبه، كما زجره عن تخطيه إلى الحرام؛ لأن الشيطان إنما يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة فيزين بذلك ما لا يحل له، فزجر الله تعالى عن ذلك، ثم بيّن العلة في هذا التحذير، وهو كونه عدواً مبيناً، أي متظاهراً بالعداوة[5].

ثالثاً: أن شهوة ملء الجوف بالطعام تتكرر أكثر من شهوة الفرج، والمرء يصبر على ترك النكاح ما لا يصبر على فقد الطعام والشراب، فمظنة الوقوع في إثم إشباع الجوف بالمحرم أكثر من مظنة الوقوع في إثم إشباع الفرج بالحرام؛ ولذا كان التحذير في القرآن من خطوات الشيطان في شهوات ملء الجوف على الضِعف منها في الفرج.

رابعاً: من الثابت شرعاً وطباً وتجربة أن نوع الأكل يؤثر في طبع الآكل وأخلاقه كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْخُيَلاَءُ وَالْفَخْرُ في أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالسَّكِينَةُ في أَهْلِ الْغَنَمِ»[6]. ونسب الرازي - رحمه الله تعالى - إلى أهل العلم قولهم «فالغذاء يصير جزءاً من جوهر المغتذِي فلا بدّ أن يحصل للمغتذِي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء»[7]. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - أن جسد المغتذي يفسد بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر[8]. وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير؛ لأنها دواب عادية، فالاغتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي من العدوان ما يضره في دينه[9]. وقال أيضاً: والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث المغتذى بها شبهها؛ فإن الغاذي شبيه بالمغتذى[10].

خامساً: أن خطوات الشيطان مع الإنسان فيما يتعلق بالطعام لها مسلكان:

1- تزيين الكسب المحرم بحيث يصير ما يشترى به الطعام مالاً محرماً، وهو الأكثر شيوعاً في المسلمين؛ فإن المال يغري الناس، وقد ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام -: «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟»[11]. وظاهر الحديث أن كسبه حرام ولو اشترى به طعاماً حلالاً بقرينة ذكر الشراب واللباس. والحقيقة أن الطعام هو أكثر ما يشتريه الإنسان من ضروراته وحاجاته، واستهلاكه له أكثر من غيره؛ ولذا كانت التجارة في الأطعمة من أعظم التجارات وأدومها.

وقد يكون الدافع للكسب المحرم خوف الفقر والجوع؛ وهذا الهاجس من الشيطان أيضاً {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 2٦8]. والملاحظ كثرة الساقطين في خطوات الشيطان فيما يتعلق بالمكاسب الخبيثة.

2 - تزيين المحرمات من الأطعمة كالخنزير والميتة ونحوهما، وهذا أقل وقوعاً من الذي قبله؛ لأن المحرمات من الأطعمة خبائث تنفر منها الطباع السوية؛ ولأن في المباحات الطيبة الكثيرة غنى عنها، فلا يظفر الشيطان في هذا المجال إلا بالقليل من المسلمين، لا سيما من يعيشون بين ظهراني المشركين ويتأثرون بهم، أو يتثاقلون في البحث عن الطعام الطيب فيتساهلون في المشتبه ثم المحرم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: فإنما أذن للناس أن يأكلوا مما في الأرض بشرطين: أن يكون طيباً، وأن يكون حلالاً[12].

سادساً: أن الله تعالى ذمّ أهل الكتاب في اتباعهم خطوت الشيطان في الكسب والطعام؛ وذلك أنهم تحايلوا على إباحة المحرم، قال الله تعالى {وَاسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 1٦3]، وقال الرَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»[13].

ولما كان مبنى الاقتصاد العالمي على الربا والمقامرات، وقع كثير من المسلمين في خطوات الشيطان بالتحايل على الربا الصراح، والقمار الواضح؛ ببيع العينة والتوسع في بيع التورق مع عدم استيفاء شروطه، والتساهل في تداول الأسهم والسندات والاتجار بها، وكثير منها هو أقرب إلى الربا أو القمار منه إلى البيع، فهذه من خطوات الشيطان في التحايل على الكسب المحرم، وتسميته بغير اسمه.

سابعاً: ليست خطوات الشيطان مقتصرة على إباحة المحرم فقط، بل تكون كذلك في تحريم الحلال من الطعام، وقد عاب الله تعالى على المشركين ذلك فقال سبحانه: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إلاَّ مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 1٣8].

 وعن مسروق قال: أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح، فجعل يأكل، فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم. فقال: لا أريده. فقال: أصائم أنت؟ قال: لا. قال: فما شأنك؟ قال: حرمت أن آكل ضرعاً أبداً. فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فاطعم وكفر عن يمينك[14].

ثامناً: أن النهي عن اتباع خطوات الشيطان معلل بعلل جاءت في قول الله تعالى: {إنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 1٦9]، وفي قوله تعالى {فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ} [النور: 21][15].

فصار ما يأمر به الشيطان الإنسان في الآيتين أربعة أمور:

 1 - الفحشاء، وقد كرر في الآيتين. والفحشاء: كل ما استفحش ذكره، وقبح مسموعه[16].

2 - السوء، وهو: الضر مِن ساءه سوءاً، وقيل: إن السوء الذي ذكره الله تعالى هو المعاصي؛ لأنها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند الله تعالى[17].

قال الراغب - رحمه الله تعالى -: السوء والفحشاء كل قبيح من نحو الزنا، والسرقة، والسُّكر... وكل ما يقال له سوء يقال له فحش لكن بنظرين مختلفين، فإنه سمي سوءاً لاغتمام العاقل به، والفحشاء بأن يستفحشه[18]. وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: الفحشاء من المعاصي ما يجب فيه الحد، والسوء من الذنوب ما لا حد فيه[19].

3 - المنكر، وهو المكروه المذموم المعيب، وذلك يكون في الأفعال والإنشاءات[20].

والكره لازم للإنكار؛ لأن النكر في أصل اللسان هو الجهل، ومنه تسمية غير المألوف نكرة، وأريد به هنا الباطل والفساد؛ لأنهما من المكروه في الجبلة عند انتفاء العوارض[21].

 4 - القول على الله بلا علم. وهذا يكون بالخوض في الشريعة وأحكامها بجهل كما يقع في ذلك كثير من الإعلاميين والمثقفين ونحوهم؛ فيبيحون المحرمات، ويسقطون الواجبات، وينتهكون حِمى الشريعة، ويهونون أحكامها لدى العامة بما يستحسنونه من آرائهم التي يستمدونها من ثقافات الغرب وأفكاره.

ويدخل في ذلك من تكلم في الشريعة عالماً بنصوصها وأحكامها لكنه خالفها بهواه لجاهٍ يرجوه، أو مال يطلبه، أو تقرب لذوي الجاه والمال بذلك، ووجه دخوله في القول على الله تعالى بلا علم مع أنه عالم أنه تكلم في الشريعة بطريقة تجافي طريقة العلماء فألحق بأهل الجهالة؛ ولأنه لو علم عظمة الله تعالى لما اجترأ على انتهاك شريعته، فكان جاهلاً بالله تعالى ولو حفظ دواوين الشريعة؛ فإن العلم هو الخشية {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

قال ابن عاشور: والمعنى: ومن يتبع خطوات الشيطان يفعل الفحشاء والمنكر؛ لأن الشيطان يأمر الناس بالفحشاء والمنكر، أي بفعلهما، فمن يتبع خطوات الشيطان يقع في الفحشاء والمنكر لأنه من أفراد العموم[22].

تاسعاً: أن من اتبع خطوات الشيطان في الترخيص على الناس وإرضائهم؛ فإنه سينتهي به المطاف إلى إباحة المحرمات، وإسقاط الواجبات؛ وذلك أن الله تعالى لما أمر بالدخول في الإسلام كافة، وأخذ الشرائع كلها؛ نهى عن اتباع خطوات الشيطان؛ لأن الشيطان يريد صد الناس عن الأخذ بالشرائع كلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 2٠8]. قال ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: نهي بعد أمر؛ لأن اتباع خطوات الشيطان يخالف الدخول في السلم كافة[23]. وأظن أن من خطوات الشيطان ما نسمعه من دعاوى فتح الذرائع، مع أن أكثرها ذرائع إلى محرمات؛ ففتح أبواب عمل المرأة، والنوادي النسوية الرياضية، وتشريع اختلاطها بالرجال، وسفرها بلا محرم، وتخففها من الحجاب... إلخ؛ كل ما سبق ذرائع إلى الفواحش والمنكرات التي يأمر بها الشيطان، والله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ} [النور: 21].

عاشراً: يلاحظ تذييل ثلاث آيات من آيات النهي عن اتباع خطوات الشيطان الأربع ببيان عداوته، وتأكيدها بمؤكدات {إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 1٦8]، ومعنى المبين: الظاهر العداوة من أبان الذي هو بمعنى بان وليس من أبان الذي همزته للتعدية بمعنى أظهر؛ لأن الشيطان لا يظهر لنا العداوة، بل يلبس لنا وسوسته في لباس النصيحة أو جلب الملائم، ولذلك سماه الله ولياً فقال: {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} [النساء: 1٩9]، إلا أن الله فضحه فلم يبقَ مسلم تروج عليه تلبيساته حتى في حال اتباعه خطواته، فهو يعلم أنها وساوسه المضرة، إلا أنه تغلبه شهوته وضعف عزيمته ورقة ديانته[24].

والشيطان في تحقيق عداوته للإنسان، وفي سبيل غزوه إياه بخطواته؛ يسلك كل طريق للإغواء، ويأتي الإنسان من جهاته الأربع {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْـمُسْتَقِيمَ (٦١) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16 - 17]؛ ولذا كان واجباً على الإنسان أن يجعل الشيطان عدواً له؛ فلا يتبع خطواته، ولا يستسلم لوساوسه؛ لئلا يقوده إلى المحرمات {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} [فاطر: ٦].


 :: مجلة البيان العدد 308 ربيع الآخر 1434هـ، مارس 2013م. 



 [1]
ينظر: تفسير ابن عطية: 1/237، وتفسير القرطبي: 2/208، وتفسير ابن كثير: 1/479.

 [2] تفسير ابن عطية: 1/237.

 [3] تفسير الفاتحة والبقرة: 2/234.

 [4] تفسير الراغب: 1/365-366.

 [5] تفسير الرازي: 5/ 186.

 [6] أخرجه أحمد (8242).

 [7] تفسير الرازي: 11/105.

 [8] الاقتضاء: 1/544.

 [9] إعلام الموقعين: 1/298.

 [10] السابق: 2/90.

 [11] أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1015).

 [12] مجموع الفتاوى: 7/45.

 [13] أخرجه من حديث جابر رضي الله عنه: البخاري (2236) ومسلم (1581).

 [14] أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره:1/280.

 [15] يحتمل عود الضمير في (فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) على الشيطان أو على من يتبع خطوات الشيطان، والمتسق مع آية سورة البقرة أن يعود للشيطان. وذكر شيخ الإسلام أن الحكم واحد؛ فإن من أتى الفحشاء والمنكر سواء، فإن كان الشيطان أمره فهو متبعه مطيعه عابد له، وإن كان الآتي هو الآمر فالأمر بالفعل أبلغ من فعله، فمن أمر بها غيره رضيها لنفسه. أهـ. مجموع الفتاوى: 15/349.

 [16] تفسير الطبري، شاكر: 3/303.

 [17] تفسير الطبري: 3/ 303، والتحرير والتنوير: 2/ 105.

 [18] تفسير الراغب الأصفهاني: 1/ 366.

 [19] تفسير البغوي: 1/198.

 [20] جامع المسائل لابن تيمية، ت: عزير شمس: 1/387.

 [21] التحرير والتنوير: 4/40.

 [22] التحرير والتنوير: 18/ 187.

 [23] تفسير العثيمين، الفاتحة والبقرة: 3/ 6.

 [24] التحرير والتنوير: 2/ 104.

 

أعلى