وقد يبدو الحديث عن تهجير أهل غزة إلى مصر حديثًا نظريًّا، مع صمود المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام، والأداء الجيد والتخطيط المحكم، والذي ظهر في الأسابيع الماضية منذ بدء القتال.
هذا السؤال تردَّد، ولا يزال يتردَّد بشدة وبصفة مستمرة في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، خاصةً بعد إطلاق عملية طوفان الأقصى التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية بدخول ما يقرب من 25 مستوطنة موجودة فيما يُعرَف بغلاف غزة، وما تبع ذلك من قصف وحشي لغزة بواسطة الطائرات الصهيونية، والتي قامت بتسوية أحياء كاملة من المدينة بالأرض.
وفور بدء الهجوم الصهيوني الجوي، تناقلت وكالات الأنباء تصريحات للرئيس الأمريكي بايدن يقول فيها: «إنه يبحث مع شركاء أمريكا الإقليميين فكرة عمل ممرات آمنة من قطاع غزة نحو مصر»؛ بدعوى تأمين المدنيين من القتال الجاري.
وبعدها خرج مستشار الأمن القومي الأمريكي ليصرّح لرويترز وشبكة إن بي سي نيوز الأمريكية أنه ليس فقط هناك مباحثات لنقل الفلسطينيين، بل هناك خطة أمريكية «صهيونية»، بالاشتراك مع مصر؛ لإنشاء ممر آمن ومنطقة عازلة في سيناء لتأمين حياة المدنيين الفلسطينيين.
وتعود شبكة «إن بي سي نيوز» الأمريكية لتتحدَّث عن اتصال الرئيس الأمريكي بايدن برئيس وزراء الكيان الصهيوني نتانياهو، يطلب منه تقليل قتل المدنيين، ولم تذكر الوكالات مقابل ماذا؟ وقد ورد في تقرير الشبكة الأمريكية محادثة هاتفية بين الرئيس الأمريكي ونظيره المصري، والذي عبَّر فيها عن رغبة أمريكية بإقامة ممر آمِن مُؤقَّت من غزة إلى سيناء، فهل هذا هو المقابل؟ أي: تفريغ غزة مؤقتًا حتى يجري اجتياح صهيوني لغزة، يتم فيه تحجيم حماس ونزع سلاحها، أو على الأقل تقطيع غزة إلى ٤ مناطق؛ ليسهل التعامل مع كل جزء على حدة؛ كما تحدثت وسائل الإعلام.
وقبل مكالمة بايدن مع الرئيس المصري، كان هناك دعوة صريحة من الناطق باسم الجيش الصهيوني لأهل غزة: اخرجوا إلى مصر، صحيح أنه عدَّل التصريح بعدها، بأنه لم يكن يقصد تهجيرهم إلى مصر، وإنما كان يقصد ترك منازلهم فقط.
وطبعًا لا ننسى خطاب نتانياهو فور اجتياح القسام عندما قال لأهل غزة طالبًا منهم الهروب من غزة.
وتتزامن هذه الاتصالات والتصريحات مع قصف معبر رفح ثلاث مرات -بعد التنسيق قبل القصف مع الجانب المصري؛ وفق ما أوردته نيويورك تايمز-، مع العلم بأن الذي سُمِحَ له بالعبور من غزة إلى مصر كلّ مَن لديه جواز سفر أجنبي؛ أي مزدوجي الجنسية.
ولكنَّ الإشكالية الأخطر أن تكون فكرة النقل المؤقَّت هي إحياء لفكرة «الترانسفير» مرة أخرى، ومعناه بقاء الفلسطينيين إلى الأبد في سيناء، وفي نفس الوقت تتمدَّد مستوطنات غلاف غزة لتشمل القطاع كله.
وقد يبدو الحديث عن تهجير أهل غزة إلى مصر حديثًا نظريًّا، مع صمود المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام، والأداء الجيد والتخطيط المحكم، والذي ظهر في الأسابيع الماضية منذ بدء القتال.
وكذلك فإن ما يُعزِّز استبعاد فرضية التهجير لدى البعض، أنه لم يثبت أن أهل غزة على مدار الحروب التي دارت في الأعوام السابقة أنهم هاجروا وتركوا القطاع، بالرغم من أنه في إحدى جولات الحروب التي دارت بين حماس والكيان الصهيوني قُتِلَ ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص مع اشتداد القصف والحصار والتجويع والظلام. وفي نفس الوقت، لا يمل الحُكْم المصري من تكرار التصريح عبر جميع مستوياته أنه لن يسمح بهذا السيناريو.
ولكن هذه الحرب تختلف عن سابقتها من عدة وجوه:
الوجه الأول: اجتياح حماس لمستعمرات غلاف غزة، في غفلة من الأجهزة الاستخبارية الصهيونية والعسكرية، وإظهارها بالعجز؛ في هزيمةٍ وصفَها العالم كله، وفي الداخل الصهيوني، بأنها غير مسبوقة في تاريخ الكيان منذ زرعه في المنطقة العربية قبل خمس وسبعين سنة. وهذا سبَّب شرخًا كبيرًا في النفسية الصهيونية لا يمكن مُعالجته بسهولة، وهذا جعل الكيان الصهيوني في واجهة خيار (أكون أو لا أكون)؛ أي: خيار وجودي.
أما الوجه الثاني فيتمثل في الحشد الغربي، وبالأخص الأمريكي؛ لمساندة الكيان الصهيوني على جميع المستويات، سواء السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاستخباراتي والعسكري، حتى جاءت حاملات الطائرات والسفن الحربية، وتدفقت شحنات السلاح وأحدثها إلى الكيان، ويشارك الجنود وفرق المشاة والخبراء العسكريين الأمريكان ممن لهم خبرات في حروب المدن ليساندوا الكيان.
ويبدو أن الكيان الصهيوني قد وضع هدفًا محددًا له في هذه الحرب، وهو إنهاء حكم حماس والقضاء عليها، ويدعمه في هذا الهدف: الولايات المتحدة مع دول أوروبا الكبرى: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وهذا الأمر لا يتحقق إلا بإحدى حالتين: إما بهدم غزة على رءوس ساكنيها بحملة إبادة، أو بإخراج ساكنيها وتهجيرهم منها، ثم الانفراد بحماس.
ويبقى التساؤل، فمع ارتفاع قتلى الإجرام الصهيوني والقصف بالدبابات، والحصار الذي تم فيه منع الكهرباء والماء والغذاء والدواء، ولا يُسمَح حتى بالحد الأدنى من ضروريات الحياة، هل سيتغير خيار أهل غزة؟
لكن الأمر لا يتوقف عند اختيارات سكان غزة، فهناك أيضًا مكان التهجير الذي تتكلم عنه وسائل الإعلام وهو الداخل المصري، وبالتالي الحكومة المصرية، والتي ما فتئت تُعلن أنها لن تسمح بحدوث هذا المخطط؛ لاعتبارات الأمن القومي المصري. ولكن هل هذا هو موقفها الحقيقي؟ وما مدى استجابتها لضغوط الخارج عليها؟
خطورة التهجير -على فرضية حدوثه- يُعيد تشكيل المنطقة العربية، ويُحْدِث فوضى غير مسبوقة، ويُكرّس الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، وهذا الأمر سيجعل الصهاينة يقدمون على هدم الأقصى ليقيموا هيكلهم المزعوم.
وبالنظر إلى إمكانية حدوث التهجير نجد أنه تتحكم فيه بصفة أساسية ثلاثة عوامل: حقيقة الأهداف الصهيونية، والموقف المصري، ثم موقف المقاومة والشعب الفلسطيني.
وسوف نتناول في هذا المقال مخططات الكيان الصهيوني.
مخططات الدولة الصهيونية
في العقد الأخير كان أكثر ما يَشغل بال الساسة في الكيان الصهيوني، هو مستقبل دولتهم الذي بدا في نظرهم حالكًا.
ففي احتفال عيد العرش عند اليهود عام 2017م، قال رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو: «سأجتهد لتبلغ إسرائيل عيد ميلادها المائة، لكنَّ هذا ليس بديهيًّا، فالتاريخ يُعلِّمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة وهي دولة الحشمونائيم».
وفي حديث لرئيس جهاز الموساد (وكالة الاستخبارات الإسرائيلية) الأسبق أفراييم هليفي في الذكرى السبعين للنكبة؛ أي منذ خمس سنوات، قال فيه: «نحن على أبواب كارثة! إنه ظلام ما قبل الهاوية».
كل هؤلاء الذي يتوقعون السقوط، ليس عن طريق نبوءات موجودة في كُتب، أو نقلًا عن مدَّعين للغيب، ولكن نتيجة استقراء عميق للواقع الصهيوني، واكتشاف حجم الأزمة التي يمر بها الكيان.
ولكن ما هي الكارثة التي يستشعرها هؤلاء الساسة والمفكرون؟
الكارثة الكبرى التي تشغل بال هؤلاء الساسة، هو التحوُّل الديمغرافي لصالح الفلسطينيين، في مجمل الأراضي الفلسطينية التاريخية، بعد أن تصوَّر الصهاينة أنهم حقَّقوا حُلْم اليهود ببَسْط سيطرتهم عليها، لينزل مسيحهم الموعود بعد إقامة هيكلهم المزعوم في نفس مكان المسجد الأقصى.
ولكن منذ عام 2020م، انقلب الوضع رأسًا على عقب في تلك الأراضي؛ إذ أصبح الفلسطينيون الموجودون في غزة والضفة والمناطق التي احتُلَّت عام 48 لأول مرة هم غالبية السكان بدلاً من اليهود.
قبل هذا التاريخ بعدة سنوات، وعندما استشعر الكيانُ الخطرَ القادم؛ ظهر حزب صهيوني جديد أسَّسه شارون يعرف باسم «كاديما».
تركزت فكرة كاديما على شقين؛ الأول: الاحتفاظ بالنواة القوية، أي: دولة يهودية لها حدود معروفة مفصولة عن الفلسطينيين، وفي المقابل لا دولة فلسطينية بأيّ مفهوم، وإنما كيان غير محدد.
وأطلقت كاديما على هذه الخطة اسم خطة الانطواء، والتي بدأ بتطبيقها رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أيهود أولمرت، وهي خطة البدء بترسيم حدود الدولة العبرية بالانسحاب الأحادي من غزة، وهذا ما تمَّ.
أما الشق الثاني فيرتكز على بثّ الشقاق بين الفلسطينيين في المناطق الثلاث: الضفة وغزة ومناطق 48.
ولكنَّ حماس، والتي وصلت لحكم قطاع غزة، شرعت في توحيد الفلسطينيين تحت مظلة استراتيجية واحدة، بتبنّيها قضية المسجد الأقصى والدفاع عنه ضد المحاولات الصهيونية لتهويده.
وحقَّقت استراتيجية حماس تقدُّمًا ملحوظًا، وخرجت مظاهرات فلسطينيي الداخل والضفة يهتفون باسم حماس في فعاليتهم، وهذا ما أشعَر الكيان بانهيار الركيزة الثانية في خطة الانطواء؛ فشرع في الرجوع إلى خطة التهجير القديمة، أو الترانسفير، أو مسماها الحديث فيما يُعرَف بصفقة القرن.
تم الإعلان عن هذا المشروع زمن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في يناير عام 2020م، والتي اشتملت على تهجير أهل غزة إلى سيناء المصرية، وأهل الضفة إلى الأردن، وبغياب ترامب عن الإدارة في أمريكا، عادت صفقة القرن إلى الأدراج.
ولكن في أعقاب هجمات طوفان الأقصى، وما تبعه من هجوم جويّ صهيوني ثم برّي على قطاع غزة؛ رفع الكيان الصهيوني راية القضاء على حماس كثَمَن يجب أن تدفعه الحركة، ولكن في طيّات تصريحات المسؤولين الصهاينة كان هناك استثمار الفرصة لإحياء صفقة القرن من جديد.
ولكن كيف سيتم القضاء على هذه الجماعة المتجذرة في غزة؟ وما مصير غزة بعد القضاء على تلك الحركة؟
من هنا برزت عدة مشروعات صهيونية تتمحور حول تهجير أهل غزة.
ونحن لن نتعرض لمشروعات التهجير القديمة، ولكن سيتركز عَرْضنا لأهم المشاريع التي تمَّ طرحها في الأسابيع الأخيرة في أعقاب عملية طوفان الأقصى، ونختار منها مشروعين لعدة اعتبارات؛ منها قربها من صانع القرار الصهيوني، كما أن منها ما بدأنا نشهده على أرض الواقع.
المشروع الأول:
هو عبارة عن دراسة صهيونية عن التهجير صدرت يوم الاثنين الثالث والعشرين من أكتوبر، بعنوان «برنامج لإعادة التوطين والتأهيل النهائي في مصر لكافة السكان»، ويزعم الباحث أن هذه الخطة أو البرنامج تتوافق مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للكيان الصهيوني، ومصر، والولايات المتحدة الأمريكية، ودولة إقليمية كبرى.
منبع خطورة هذه الدراسة؛ من مصدرها، ومن كاتبها، ومن مضمونها الجديد: فهي صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني، وهو مركز يُقدّم خدماته للموساد مباشرةً، كما أن رئيسه هو مستشار الأمن القومي والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، وأحد مهندسي «اتفاقيات إبراهيم»، مئير بن شبات، أما كاتب الدراسة فهو أمير وايتمان المدير والباحث في هذا المعهد، ويعتبره البعض بأنه الذراع الأيمن لنتانياهو في حزب الليكود.
أما مضمونها الجديد؛ فهذه الوثيقة لا تتحدث عن التهجير إلى سيناء، بل إلى مناطق أخرى في عمق مصر.
أما عن الهدف خلف الخطة المعلنة بحسب الوثيقة، فهي تذكر أنه «نظرًا إلى أن ظروف الأرض في غزة مشابهة لمنطقة تل أبيب؛ فسيتم توسيع منطقة تل أبيب الكبرى حتى الحدود المصرية».
وتابعت الوثيقة مبرِّرات ذلك من الظروف التي تمر بها الآن مصر، وتفسر ذلك بقولها: «في عام 2017م، تم الإبلاغ عن وجود حوالي 10 ملايين وحدة سكنية شاغرة في مصر، نصفها تم بناؤه والنصف الآخر قيد الإنشاء. على سبيل المثال، في اثنين من أكبر المدن الصناعية في القاهرة: السادس من أكتوبر، والعاشر من رمضان؛ حيث يوجد عدد هائل من الشقق السكنية الجاهزة والفارغة التي تملكها الحكومة والقطاع الخاص، بالإضافة إلى أراضي بناء كافية لإسكان حوالي 6 ملايين نسمة».
وأوضحت الوثيقة، بأن معظم السكان المحليين غير قادرين على شراء هذه الشقق على الرغم من انخفاض أسعارها (بين 150 إلى 300 دولار للمتر المربع فقط)، وعلى الرغم من أن مخزون الشقق الفارغة يتغير بمرور الوقت، يبدو أنه يظل كبيرًا جدًّا ومتاحًا فورًا لاستيعاب كل سكان قطاع غزة.
وأضاف: تبلغ تكلفة شقة متوسطة مكونة من 3 غرف على مساحة 95 مترًا مربعًا لعائلة غزية متوسطة تتكون من حوالي 5 أفراد، في إحدى المدينتين المذكورتين أعلاه؛ حوالي 19.000 دولار. وبالنظر إلى الحجم الحالي المعروف للسكان القاطنين في قطاع غزة، الذي يتراوح بين حوالي 1.4 إلى 2.2 مليون نسمة، يمكن تقدير أن المبلغ الإجمالي الذي سيتطلب تحويله إلى مصر لتمويل المشروع سيكون في حدود 5 إلى 8 مليارات دولار، وهذا المبلغ يمثل فقط ما بين 1% إلى 1,5% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة إسرائيل، ويمكن تمويله بسهولة مِن قِبَل دولة إسرائيل، حتى بدون أي مساعدة دولية.
وأردف: إن هذه المبالغ من المال؛ مقارنة بالاقتصاد الإسرائيلي، هي ضئيلة، وإذا كان ذلك يساعد في جعل الأمر أكثر قبولاً لمصر، يمكن أيضًا مضاعفة هذه المبالغ، أو حتى جعلها ثلاثة أو أربعة أضعاف، وذلك بهدف حلّ مشكلة قطاع غزة كما تزعم الوثيقة.
وتذكر الوثيقة أنه يجب علينا (أي: الصهاينة) تقبُّل فكرة الدفع مقابل شراء قطاع غزة.
ثم فصلت الوثيقة في الوضع الاقتصادي المنهار في مصر، وهو ما يمكن أن يُعرِّض نظام السيسي للخطر، فهذه الخطة ستُنقذ الحكم المصري؛ كما تزعم الوثيقة.
المشروع الثاني
أما ثاني هذه الوثائق الخطيرة فهو ما نشره اللواء المتقاعد الصهيوني جيورا آيلاند، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بين عامي 2004م و2006م.
وكان قد نشر خطة قديمة منذ عشرين عامًا، (والتي عُرفت باسمه؛ أي: خطة آيلاند)؛ تقوم على تهجير غزة من أهلها إلى سيناء، وتجاهلها شارون الذي كان يقود الكيان في ذلك الوقت.
ولكنْ عاد هذا الرجل لينشر منذ عدة أيام مقالًا افتتاحيًّا في مجلة فاثوم الصهيونية، كتب فيها أن هجوم حماس على دولة الكيان، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1400 صهيوني وأَسْر أكثر من 200 سجين، لا يشبه أيّ شيء شهدته الدولة الصهيونية خلال 75 عامًا من حُكمها، وأكد أنه من أجل منع تكرار ذلك؛ يجب سحق حماس.
وفي مقال آخر نُشر على موقع Ynet news الإسرائيلي، يعتقد آيلاند أن الهجوم البري الإسرائيلي الذي طال انتظاره على غزة سيكون مكلفًا للغاية؛ حيث قد يجد الجيش الإسرائيلي صعوبة في هزيمة 20 ألف مقاتل من حماس، بينما يتعامل في الوقت نفسه مع جبهات أخرى مفتوحة مِن قِبَل إيران وحزب الله. وعلى هذا فإنَّ الخيار الأكثر أمانًا أمام إسرائيل هو ما يُسمِّيه آيلاند «حصارًا دراميًّا ومستمرًّا وصارمًا على غزة».
ووفقًا لآيلاند؛ فإن الحصار الذي دام 16 عامًا، والذي سبق هذه الحرب لم يكن مشددًا بما فيه الكفاية. ويقول: إن إسرائيل كانت ساذجة، أو حتى غبية، عندما اعتقدت أنها تستطيع السماح بمرور محدود للمواد إلى غزة، وكذلك بالسماح لسكان غزة بالعمل داخل الكيان. وبدلاً من ذلك، ينبغي على إسرائيل أن تُشجِّع الفلسطينيين على مغادرة قطاع غزة بالكامل. وعندما يتم إجلاء الناس، وتبقى حماس وحيدة في غزة، وعندما ينفد الغذاء والمياه، -ويمكننا أيضًا قصف مرافق المياه في غزة حتى لا يكون هناك ماء-؛ عندها سنصل إلى النقطة التي سيتم فيها تدمير حماس بالكامل، أو الاستسلام أو الموافقة على إخلاء غزة مثلما اضطر عرفات إلى مغادرة بيروت بعد الحصار الإسرائيلي.
والملاحظ أن التكتيكات التي يستخدمها الجيش الصهيوني في هجومه الحالي على غزة تبدو متوافقة مع الكثير ممَّا وصفه الجنرال المتقاعد.
ويُلاحَظ أن هذين المشروعيْنِ يبدوان متكامليْنِ؛ بحيث الأول يتحدث بالتفصيل عن كيفية إقناع مصر وهي المعنية بالتهجير، أما المشروع الثاني فيتحدث عن الجانب الفلسطيني وكيفية تهجيره.
ولكن الموقف الفلسطيني، سواء أهل غزة ومقاومتها هو الحاسم، وهو الذي سيُبْطِل تلك المشروعات الماكرة الدموية، بصمودهم وثباتهم وتحمُّلهم الحصار والقتل والبأساء والضراء والزلزلة...
ألا إن نصر الله قريب.