من يقرأ هذه النصوص المنقولة عن روسو، يكاد أن يُحلِّق عاليًا في سماء الحب والرومانسية، ويقول ما هذه الرابطة الجميلة التي جمعت بين هذين المتحابين؟ وما هذه العاطفة الجياشة بين هؤلاء العشاق؟،
تيريز وعائلتها:
يحسن بنا الحديث عن عائلة تيريز، قبل الشروع في بيان العلاقة التي جمعت روسو بها؛
إذ من خلال حديث روسو عن عائلة تيريز، يتَّضح أنه لم يكن على وفاق مع والدتها؛ حيث
قال:
«وذلك
بالرغم من أن تيريز كانت زاهدة في أيّ مصلحة شخصية، إلى درجة لا يكاد يكون لها
مثيل؛ إلا أن أمها لم تكن على شاكلتها»[1]،
ولكنه على العكس تجاه والدها فقد أثنى عليه، ولكنه كان ثناءً ممزوجًا بذَمّ
لوالدتها، فقال:
«كان
والد تيريز كهلًا طيبًا مفرط الدعة، يخاف من زوجته كلّ الخوف»[2].
كان روسو يتذمر ويشتكي من أن عائلة تيريز تستغل علاقتها به ماديًّا، وكان ذلك
بتخطيط من أُمّها، فقال:
«فما
أن رأت أحوالها تتحسن -بفضل رعايتي- حتى استدعت كل أسرتها لتشاطرها الغنيمة، فإذا
بالأخوات والأبناء والأحفاد يَفِدُون جميعًا ما عدا ابنتها الكبرى، التي كانت
متزوجة من مدير عربات النقل في إنجير، وأصبح كل ما أفعله من أجل تيريز، يتحوّل بفضل
أمها إلى هؤلاء النهمين»[3].
ولكنه مع ذلك لم يتصرف بحماقة أو إساءة لتلك العائلة، ولهذا قال:
«بل
إنني في اغتباطي بأن أعول تيريز في حياة لا بأس بها، خالية من الترف، ولكنها في
وقاء من الحاجة؛ أقررتها على أن تسلم أمها كل ما كان بوسعها أن تكسبه من عملها، ولم
أكن أقتصر على ذلك»[4]،
ونتيجةً لهذا الوضع فهو يرى أن تيريز لم تكن نسيجًا متشابهًا مع هذه العائلة؛ فهو
يراها ضحية لهم، فقال:
«وكانت
تيريز ضحية لأسرتها»[5].
إن علاقة روسو بتيريز يحفُّها كثير من علامات التعجب، فهناك من وصفها بالغباء
والبلاهة[6]؛
فكيف يقبل روسو النابغة بمثلها؟ ومن جهة أخرى يصرّح روسو بأنه يحب تيريز ومتعلّق
بها، لدرجة أنه عرض عليها الزواج بعد سنوات طويلة؛ حتى لا تتركه، ولكن في الوقت
نفسه يصرّح في نصوص عديدة أنه لم يحب تيريز، أو يشعر تجاهها بشيء مما يكون بين
الرجل وزوجته؟!
ولهذا نحاول تفسير موقفه هذا من تيريز بشيء من التحليل والتفصيل، ونؤكد على أن روسو
امتدح تيريز وأثنى عليها، فقال:
«إنها
حسنة الشكل، ومزاجها رقيق، وشخصيتها لطيفة، وقد خُلقت لترتبط برجل محترم»[7].
ثم يذكر صفة فيها جعلت لها مكانة في قلبه، فقال:
«كان
قلب تيريز قلب مَلاك، وقد عزَّزت حياتنا المشتركة حُبّنا، فأخذنا نزداد إحساسًا
يومًا بعد يوم، بأن كلًّا منّا خُلِقَ للآخر، ولو قُدِّر لمُتَعِنَا أن تُوصَف،
لكانت بساطتها داعية للضحك»[8]،
ويصف طيبة القلب هذه في موطن آخر، فيقول:
«أبدًا
لم أشعر بطيبة قلب تيريز كما شعرت به في هذه المناسبة»[9].
ثم يبيّن روسو أن لدى تيريز من الصفات الرائعة، والمظهر الخالي من الافتعال
والإغواء، ما جعله متعلقًا، فقال:
«فإن
هذه الشابة اللطيفة كانت كفيلة، بفضل ألف من الصفات الرائعة، وبفضل مظهرها الشخصي،
الذي كان خلوًّا من أيّ افتعال أو إغواء، بأن تستوعب كل كياني في كيانها، لو أنني
استطعت أن أستوعب كيانها في كياني، كما كنت آمل»[10].
وهنا يذكر روسو جانبًا مُهمًّا جعل علاقته وعاطفته تجاه تيريز من القوة، لدرجة أنها
استمرت سنين طويلة، دون أن يزعزعها أو يهزّها شيء، فقال:
«بدأ
تعارفنا فَلَاحَ لي أن لُطْف شخصية هذه الفتاة الطيبة، يتمشى مع طبيعة شخصيتي، حتى
إنني ارتبطت بها بعاطفة، لم يَقْوَ الزمن ولا الزلّات على إضعافها»[11]
ويرى روسو أن اليوم الذي ألتقي فيه بهذه الفتاة، هو يوم ما بعده ليس كما قبله،
فقال:
«لقد
اعتدت دائمًا بأن أعتبر يوم اتحادي مع تيريز، هو التاريخ الذي أصبحت فيه حريصًا على
مبادئ الخلق، فقد كنت بحاجة إلى وُدّ وثيق»[12].
ثم يختم روسو حديثه عن علاقته بتيريز ومدى حبّه لها، وحجم التنازلات التي قدّمها؛
حتى لا يفقدها؛ فقال:
«وعندما
يُعرَف أنني بعد أن فعلتُ كل شيء، وبعد أن جابهتُ كل عناء لأتفادى فِرَاقها، وبعد
أن عشتُ معها خمسة وعشرين سنة، برغم سجيّة البشر، أقدمت في النهاية على الزواج منها
في شيخوختي، دون أن يكون لديها أيّ توقُّع أو أيّ رجاء، دون أن أرتبط معها بخطوبة
أو بوعد، عندما يُعرف هذا، يسهل على المرء أن يصدق، أن الحب الجامح الذي عبث برأسي
منذ اليوم الأول، قد قادني تدريجيًّا إلى آخر حماقاتي»[13].
من يقرأ هذه النصوص المنقولة عن روسو، يكاد أن يُحلِّق عاليًا في سماء الحب
والرومانسية، ويقول ما هذه الرابطة الجميلة التي جمعت بين هذين المتحابين؟ وما هذه
العاطفة الجياشة بين هؤلاء العشاق؟، ولكن روسو نفسه يصدمك بكلام له، فيذكر أنه لم
يشعر بأقل مقدار من المحبة تجاهها، وهذا الشعور كان لديه من اللحظات الأولى، فيقول:
«إنني
منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها حتى يومنا هذا، لم أشعر نحوها بأقلّ قَدْر من
الحُب... وأن الرغبات الحسية التي كنت أُشبعها لديها، لم تكن في نظري سوى استجابة
للنوازع الحسية، دون أن يكون لها أي علاقة بالفرد»[14].
وحتى لا يتبادر إلى ذهن القارئ أن روسو بموقفه هذا، كان يعاني من مشكلة نفسية، أو
أن له شخصية قاسية لا تعرف الحب ولا تشعر به؛ فقد استشهد بعلاقة له عابرة مع
امرأتين تعلق بهما في وقت سابق، فقال:
«قد
يعتقد القارئ أنني أوتيت بنية تختلف عن بنية سواي من الرجال، كنت عاجزًا عن أن أشعر
بالحبّ، ولا سيما وأنه لم يدخل قطّ بين المشاعر التي ربطتني بتلكما المرأتين،
اللتين كانتا أعز النساء لديَّ»[15].
من يقرأ هذه النصوص المتقابلة يشعر بالدهشة والحيرة، ويصعب عليه تفسير حقيقة موقف
روسو، ولكن من يتأمل هذه النصوص، ويقرأ المبررات التي ذكرها روسو في معرض بيانه
لحقيقة علاقته بتيريز، يمكن القول: إن روسو لم يحب زوجته في يومٍ من الأيام، ونعني
بهذا هو الحُبّ الذي يكون بين الرجل وزوجته، وبين العاشق ومعشوقته، ولكن الحب الذي
عناه روسو هو تقارب الشخصيات، وطيبة القلب، والارتباط والود الوثيق، وهو فراغ كان
يشعر به لم يزل معه حتى قابل تيريز، ولهذا لم يكن يطيق فراقها أو الابتعاد عنها،
حتى جعله هذا يُقْدِم على الزواج بها دون أن يكون مُلزمًا بوعد أو اتفاق سابق.
وضَّح روسو هذا الشعور الذي كان ينشده؛ إذ كان يمثل أولى وأعظم وأقوى وأعتى الحاجات
لديه، وهو ما وجده عند تيريز، فقال:
«لقد
كانت أولى وأعظم وأقوى وأعتى حاجاتي جميعًا، تنحصر بأكملها في فؤادي، تلك هي الحاجة
إلى زمالة أشد ما تكون ألفة وقربى وتوثقًا، ومن أجل هذا الغرض بوجه خاص، كنت
محتاجًا إلى امرأة أكثر مني إلى رجل، إلى صديقة أكثر مني إلى صديق، وكانت هذا
الحاجات من التفرّد بحيث إن أوثق العلاقات الجسدية ما كانت لتُرضيها، كنت أتوق إلى
روحين في جسد واحد، وقد ظللت بدون ذلك أشعر بالفراغ دائمًا، ولقد ظننت أن اللحظة
التي لا أعود أشعر فيها بذلك قد حانت»[16].
ولهذا كان روسو يبحث عن امرأة تكون له صديقة قريبة، يألفها وتربطه به علاقة وثيقة،
تملأ به هذا الفراغ والخواء الروحي الذي يحسّ به، ولم يكن بحاجة علاقة جسدية، وهو
إن أداها مع زوجته فهي استجابة للنوازع الحسية، وليس حبًّا في شريكته.
لعل موقف روسو هذا من تيريز، ألقى بظلاله على علاقتهما؛ إذ أحس بعد مدة من
علاقتهما، بفتور في علاقة زوجته به، فقال:
«ذلك
أنني قد لاحظت من أمد طويل، أن وُدّها لي فتر، وشعرت بأنها لم تعد لي كما كانت في
أيامنا الهنيئة، وقد زادني إحساسًا بذلك أنني ظللت دائمًا على حالي نحوها، وفطنت
مرة أخرى إلى شعور بالاستياء»[17].
وكما كانت مشاعر روسو تجاه زوجته بلا حبّ، كذلك فعلت تيريز معه الشيء نفسه؛ فكان
الجزاء من جنس العمل؛ حيث بقيت معه بمشاعر باردة، وهي إن لم تفارقه فإنما هذا من
باب الوفاء وليس الحب، فقال:
«شعرت
بالبرود يَدُبّ في عواطف تيريز، ولقد ظلتْ على وفائها لي عن واجب، وليس عن حُبّ»[18].
تستوقفني علاقة روسو بتيريز؛ فهذا الرجل ارتبط بها ليس عن حُبّ، ولكن لتحقيق احتياج
نفسي خاصّ، ومع هذا لم يكن يراعي نفسية وحاجات زوجته، فهو لم يحرمها من مشاعر الحب
فحسب، بل حرمها كذلك من مشاعر الأمومة وتربية الأولاد، إضافةً إلى حرمانه لها من
عائلتها، وبقي معها سنوات طوال دون زواج، حتى ألجأته الحاجة فاضطر إلى الزواج منها،
كي لا يفقدها وقام بإبقائها معه، وهو يعلم أنها لا تحبّه، فعاش روسو معها بقية
حياته، تحقيقًا لحاجات نفسية، لم يكن منها أقلّ مشاعر من الحب.
ولهذا فإنني يمكنني القول: إن كل هذه المواقف تقودني إلى وصف روسو بالأنانية وحبّ
الذات، فهو لم يحب تيريز في يوم من الأيام، ولكنه أحبّ رغباته وحاجاته التي وجدها
معها!
الفرق بين الذكر والأنثى:
يرى روسو أن كلًا من الذكر والأنثى لهما صفات مختلفة وطباع متغايرة، ولهذا ينبغي
مراعاة هذه الفوارق، والعناية بهذه الاختلافات، حين تربية الشاب أو الفتاة، وهذه
الفروقات تكمن في طبيعة الخلق، ويضرب بذلك مثلًا فيقول: إن
«الذكاء
لدى البنات أبكر نضجًا مما عند الصبيان»[19]،
وكذلك الحال بالنسبة إلى اللسان وسرعة النطق، فقال:
«ولسان
النساء ليّن، فهن أبكر لطفًا من الرجال، وأسهل كلامًا، وألطف قولًا، وهن يتهمن
أيضًا بأنهن أكثر منهم حديثًا»[20].
كما أن هذا الاختلاف واضح أيضًا في أذواقهم وطبيعة ألعابهم، فقال:
«وكذلك
يوجد لهم من الأذواق الخاصة ما يميز بعضهم من بعض، فالبنون ينشدون الحركة والضوضاء
والطبول والدوام والمركبات الصغيرة، والبنات يفضلن على ذلك ما يُمتّع النظر وينفع
للزينة، كالمرايا والحُلِيّ والشُّرط، لا سيما اللُّعَب، واللعبة هي الألهوّة
الخاصة بهذا الجنس، وهذا يدل دلالة واضحة على مَيْلها إلى ما قُدِّرت له»[21]،
ويوضح ذلك بمثال، فيقول:
«وترون
ابنة صغيرة تقضي نهارها حول لُعبتها، فلا تنفك تغير ثيابها فتلبسها وتعريها مئة مرة»[22].
وكذلك يمكن لكل مُرَبٍّ أن يلحظ أن الفتيات تميزن بأنهن أكثر طاعةً وخضوعًا من
الفتيان؛ فقال:
«وتكون
البنات أطوع من الصبيان على العموم»[23]،
وهذه الفوارق والاختلافات يمكن توظيفها والاستفادة منها، في معرفة ما يتقن كلٌّ
منهما، ولهذا قال:
«واستشيروا
ذوق النساء في الأمور المادية، التي تنشأ عن حكم الحواس، واستشيروا ذوق الرجال في
الأمور الأدبية، التي تتعلق بقوة الإدراك»[24]،
فهنا اختصت الأنثى بالأمور التي تُدْرَك بالحواس، ويكون لها تعلُّق بالجمال، بينما
تميز الرجل في الأمور التي تتعلق بالقدرات العقلية والمنطقية.
وهنا يَخْلُص إلى هذه النتيجة التي صرح بها، فقال:
«ولا
يوجد أيّ تماثل بين الرجل والمرأة من حيث الجنس»[25]،
وكذلك الحال في الواجبات الموكلة لكل واحد منهم، فقال:
«وما
يلزم به الجنسان من واجبات ليس واحدًا، ولا يمكن أن يكون واحدًا، بالنسبة إلى كل
واحد منهما»[26].
تربية الفتيات:
وبما أن روسو قرَّر الاختلاف والفروقات بين الجنسين، ومن هنا فقد انطلق إلى الحديث
عن ضرورة، أن يكون لكل منهما طريقة خاصة ومختلفة في التربية، وبدأ في الحديث عن
جوانب مشرقة وملهمة في تربية الأنثى، فامتدح عدم اختلاط الفتيات مع الفتيان في
التربية اليونانية، فقال:
«وإنما
أجد أن التربية اليونانية كانت على العموم كثيرة البراعة من هذه الناحية؛ فكانت
الفتيات يظهرن علنًا في الغالب، ولكن يجتمعن فيما بينهن، ولا يختلطن بالفتيان»[27].
وهو يرى أنه إن وُجِدَ بعض التشابه في أسلوب التربية بين الجنسين، لكن ينبغي أن
يكون الهدف مختلفًا، فاستشهد بتدرب فتيات إسبارطة على التدريبات العسكرية، ولكن لم
يكن ذلك للحرب، بل من أجل تهيئة الفتيات على أن يَكُنّ أمهات، يحملن أولادًا قادرين
على تحمل مشاق الحروب، فقال:
«وكانت
بنات إسبارطة يتدربن كالفتيان على الألعاب العسكرية، لا ليذهبن إلى الحرب، بل
ليحملن ذات يوم، أولادًا قادرين على احتمال مشاقها»[28].
وفي هذا السياق يرى روسو أن الفتاة تتغير حياتها تمامًا فور زواجها، وهو طراز
الحياة الموافقة للطبيعة والعقل والجنس، فهي تبقى مقصورة في البيت وملازمة له، تقوم
بشؤون منزلها والعناية بأسرتها، ثم تضع أصح الرجال وأقواهم، فقال:
«وكان
هؤلاء الفتيات إذا ما تزوجن عُدن لا يُرَيْنَ بين الناس، وصِرْن مقصورات في بيوتهن،
قاصرات جميع جهودهن على تدبير منازلهن والعناية بأُسَرهن، وهذا هو طراز الحياة،
الذي تأمر الطبيعة والعقل به الجنس، ثم إن هؤلاء الأمهات كن يضعن أصحّ رجال العالم
وأقواهم وأحسنهم تقويمًا»[29].
إذن يرى روسو أهمية المنزل وتدبير شؤونه في حياة الأنثى، ولهذا وجَّه عنايته
واهتمامه بتربية الفتاة على القيام بأموره، فنجده عندما يتحدث عن صوفيا، يمتدحها
بأنها تجيد إدارة شؤون منزلها، فقال:
«وكذلك
تعاطت جميع أمور المنزل مفصّلًا، وهي تعرف الطهو وخدمة السّفرة، وهي تعرف أثمان
المواد الغذائية وخواصها، وهي تعلم قيد الحسابات جيدًا، وهي تصلح أن تكون رئيسة خدم
لأمها، وهي إذ كُوِّنت لتكون أُمّ أسرة ذات يوم، وهي إذ تتعلم إدارة منزل أبيها،
تتعلم إدارة منزلها، وهي تستطيع أن تقوم بوظائف الخدم فتفعل هذا طوعًا»[30].
وهو يرى أن الفتاة لا يمكنها القيام بهذا من تلقاء نفسها، بل لا بد أن تقوم الأم
بدورها في هذا، فتعظ ابنتها على أهمية ذلك، وتصبر على تربيتها، حتى تتقن الفتاة
أمور المنزل، أكّد على هذا حين حديثه عن نظافة المرأة، فقال:
«وعندها
أن النظافة من أول واجبات المرأة، هذا الواجب الخاص اللازم المفروض مِن قِبَل
الطبيعة، ولا يوجد في العالم شيء أدعى إلى الاشمئزاز من امرأة قذرة، ولا يكون الزوج
الذي يشمئز مخطئًا مطلقًا. والأم قد أكثرت من وَعْظ ابنتها بهذا الواجب منذ
طفولتها، وهي قد استلزمت كثير نظافة لنفسها وثيابها وغرفتها وشغلها وزينتها، فتحولت
هذه العناية إلى عادة»[31].
طاعة الزوج والصبر على خطئه أو جوره:
إن هذا المنزل الذي يراد للمرأة، أن تكون قائمة عليه ومدبِّرة لشؤونه، ينبغي أن
تُوضَع له قوانين؛ حتى تستمر الحياة سلسة، ودون نزاع أو خلاف، فيرى روسو أن للمرأة
فيه أعظم سلطان، فتصنع فيه ما تريد، ولكنّ حالها مثل حال الوزير مع الرئيس، فلها
مطلق الصلاحيات، ولكن دون أن تخالف رأي زوجها، فقال:
«وعلى
المرأة أن تحكم في المنزل، كما يحكم الوزير في الدولة، وذلك بأن تُحمل على صنع ما
تريد، ومن الثابت في هذه الناحية أنَّ أحسن تدبير منزلي هو ما يكون للمرأة فيه أعظم
سلطان، ولكنها إذا ما أنكرت صوت الرئيس، وأرادت غصب حقوقه، وانتحال القيادة لنفسها،
لم ينشأ عن هذا الاختلال غير الشقاء والعار والشنار»[32].
وكلام روسو عن طاعة الزوجة لزوجها مطّرد؛ فهو يرى أن المرأة خُلقت لإطاعة الزوج،
ولا بد أن تتعلم مع الطاعة الصبر على الجور، بل لا بد لها من تحمُّل أخطاء زوجها؛
حتى تسعد في حياتها، فقال:
«والمرأة
إذ خُلِقَت لإطاعة مخلوق كالرجل ناقص أيضًا، مُفْعَم بالمعايب غالبًا، مملوء
بالشوائب دائمًا؛ وجَب أن تتعلم باكرًا أن تصبر حتى على الجور، وأن تحتمل خطأ الزوج
من غير أن تشتكي، وليس عليها أن تكون لطيفة من أجله، ولكن من أجل نفسها»[33].
وهذه الطاعة ليست غريبة أو مرفوضة، بل هي نظام الطبيعة، فقال:
«وفضلًا
عن ذلك، فإن نظام الطبيعة أن تطيع المرأة الرجل»[34]،
وفي موطن آخر يصف الطاعة بأنها مشيئة الطبيعة، فقال:
«فإميل
إذ صار زوجًا لك، أصبح قوّامًا عليك، فعليك إن تُطيعيه، وهذه هي مشيئة الطبيعة»[35].
بل إن روسو يتقدم خطوة إلى الأمام في مسألة طاعة الزوجة لزوجها وتحمُّل جَوْره
وخطأه، فيصفها بأنها من أجمل طباع المرأة ولكننا أفسدناه، فقال:
«وهذا
هو طبع جنسها الجميل قبل أن نُفسده، وقد صُنعت المرأة لتذعن للرجل، ولتحتمل حتى
جوره»[36].
وهو بهذا نجده متماهيًا مع طرحه في التربية؛ إذ يرى أن الإنسان يُولَد بفطرة صالحة
خالية من المساوئ، ولكنَّ البيئة التي يعيش فيها تُفْسِده، وهو ما وقع لفساد طبيعة
المرأة، فقال عادل زعيتر:
«أبصر
روسو أن الإنسان يُولَد صالحًا من المساوئ، فلا يُحوّله عن صلاحه إلا الإنسان الذي
يعيش معه، والبيئة التي تكتنفه، فقام هدفه على إنقاذ الإنسان من بُؤرته، وهذا لا
يكون إلا بالعمل الذي يحل به معضلات الحياة، فيشعر بالحياة التي يقضيها كاملة، وهذا
لا يتم إلا بالتربية»[37].
[1] الاعترافات، روسو، (ص240).
[2] الاعترافات، روسو، (ص250).
[3] الاعترافات، روسو، (ص240).
[4] الاعترافات، روسو، (ص240).
[5] الاعترافات، روسو، (ص240).
[6] انظر مقدمة مترجم كتاب إميل أو التربية، روسو، (ص25).
[7] انظر: الاعترافات، روسو، (ص245).
[8] الاعترافات، روسو، (ص250).
[9] الاعترافات، روسو، (ص251).
[10] الاعترافات، روسو، (ص296).
[11] الاعترافات، روسو، (ص295).
[12] الاعترافات، روسو، (ص295).
[13] الاعترافات، روسو، (ص295).
[14] الاعترافات، روسو، (ص295).
[15] الاعترافات، روسو، (ص295).
[16] الاعترافات، روسو، (295-296).
[17] الاعترافات، روسو، (430-431).
[18] الاعترافات، روسو، (ص431).
[19] إميل أو التربية، روسو، (ص416).
[20] إميل أو التربية، روسو، (ص424).
[21] إميل أو التربية، روسو، (ص414).
[22] إميل أو التربية، روسو، (ص415).
[23] إميل أو التربية، روسو، (415-416).
[24] إميل أو التربية، روسو، (ص384).
[25] إميل أو التربية، روسو، (ص407).
[26] إميل أو التربية، روسو، (ص407).
[27] إميل أو التربية، روسو، (ص413).
[28] إميل أو التربية، روسو، (ص413).
[29] إميل أو التربية، روسو، (ص413).
[30] إميل أو التربية، روسو، (ص446).
[31] إميل أو التربية، روسو، (ص446).
[32] إميل أو التربية، روسو، (ص461).
[33] إميل أو التربية، روسو، (ص418).
[34] إميل أو التربية، روسو، (ص460).
[35] إميل أو التربية، روسو، (ص539).
[36] إميل أو التربية، روسو، (ص448).
[37] مقدمة مترجم كتاب إميل أو التربية، روسو، (ص27).