كلّما كان الصانع ماهرًا في الأداء، فسوف يُحسِن استثمار الأداة والإفادة منها، ولربما أنه سيُتقن طرق تطويرها وتقليل سلبياتها، والحاذق منهم يستثمرها قَدْر استطاعته قبل أن تغدو بلا نَفْع؛ فيضطر لاستبدالها.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه
وصحبِه، وبعدُ:
تحتاج أيّ صنعة إلى أدوات كي تتم على أحسن وجه وأكمل صورة. وكلّما كان الصانع
ماهرًا في الأداء، فسوف يُحسِن استثمار الأداة والإفادة منها، ولربما أنه سيُتقن
طرق تطويرها وتقليل سلبياتها، والحاذق منهم يستثمرها قَدْر استطاعته قبل أن تغدو
بلا نَفْع؛ فيضطر لاستبدالها.
وهذا الاستبدال هو إحدى المآسي المتوقّعة في مسيرة عمل الأداة؛ فبمجرد أن يطول
عمرها وتقلّ جَدْواها، أو تكثر طلباتها للصيانة والإصلاح الذي يشبه الاسترضاء، فمن
المحتمل جدًّا أن يكون البديل هو الحل، سواء كان جاهزًا أم يُستعجَل في تهيئته. وقد
يؤول مصير الأداة إلى الاستبدال نظرًا لوجود عروض كثيرة أرخص منها، وأعظم غَناء،
وربما أرشق في الحركة، وأجود في بلوغ الغاية.
كما أن العطب الذي سيلحق بالأداة في يوم قادم يُعدّ من المآسي المنتظَرة لجميع
الأدوات، وينتج هذا الفساد الجزئي أو الكلي من إهلاك الأداة بالعمل المستمر
المتواصل، أو بسوء الاستخدام مِن قِبَل مالكها، أو لأنها استُعمِلت في غير ما
وُجِدَتْ له، أو وُضِعَتْ في جهةٍ تخالف المناسب لها، أو ناقضت طبيعتها، أو كان
توقيت الإجراء غير ملائم لها ألبتة؛ فتؤول خاتمتها إلى خراب مأساوي مريع.
كذلك لا تعي بعض الأدوات أنها خيار مؤقّت، وعلاج تكيفي إلى حينٍ لا يطول، وربما لا
تعلم أن هدير المصانع، ونشاط المعامل، وأفكار المُنتِجين، على وشك الوصول إلى أصناف
جديدة تُقصِي الأداة القديمة عن عرشها، وتُلقي بها إلى مكان بعيد مع الخردوات؛
انتظارًا لرميها في سلّة المهملات، أو بيعها في سوق الكساد؛ إن ظفرت بيدٍ لاقطة.
وربما يدرك الاستغناءُ الأداةَ بلا خلل، وبغير ما سبب وجيه في تَرْكها، بَيْد أنه
صنيع يتماشى مع الطبائع البشرية في البحث عن الجديد، والزهد بالقديم، أو قد يحدث
تجاوبًا مع آثار الملل وتبلُّد الحسّ بطول العهد؛ فيرنو المستفيد إلى البحث عن
التغيير لأجل التغيير، وتلك سُنّة كونية، بَيْد أنها مأساة ستواجه غالب الأدوات.
إنَّ مقتضى الحكمة يستوجب الحذر من مشابهة الأداة، وأن يتكامل المتماثلون مع بعضهم
لبناء منظومة فاعلة ضمن طاقم لا ينفكّ تركيبه بسهولة، ولا ينخرم نسيجه، ولا يقع
منفردًا بيد إنسان ماهر أو عابث؛ وحينما تُبنَى هذه المنظومة للعمل والإنجاز، فلن
يجرؤ أحد على مساومتها جماعيًّا أو فرديًّا، أو إيذائها؛ فضلًا عن تحطيمها أو
محاولة حَشْرها مع قائمة المستغنَى عنهم.