كان العراق إلى حد عام 2003 يوصف
من بين الدول النظيفة من آفة المخدّرات زراعةً وإتجاراً وتناولا، أما بعد الإحتلال
الأمريكي – الإيراني للعراق، فقد أصبحت المُخدّرات خطرًا حقيقيًا
وواقعاً مؤلماً، بعد ان تمكن تجّار المخدرات المحميون من أوساط حكومية
وحزبية ميليشياوية، من ادخال كميات كبيرة الى العراق وإغراق البلاد بانواع مختلفة
منها، بمشاركة عصابات دولية تقوم على شبكات مُحكمة التنظيم، ومزودة
بأمكانات كبيرة، الأمر الذي يُشكل تهديداً حقيقياً للأمن الإجتماعي، والأقتصادي،
وتخريباً للبناء القيمي الذي تميّزَ به المجتمع العراقي على الدوام. كما تحوّل
العراق إلى منطقة عبور للمخدرات القادمة من الشرق باتجاه المنطقة العربية وأوربا.
حيث كشفت «المنظمة الدولية لمراقبة تهريب المخدرات» التابعة للأمم المتحدة في
تقرير لها نشرته يوم 11 مايو «أن العراق قد تحول إلى محطة ترانزيت لنقل الهيروين
المُصنع من أفغانستان وإيران إلى أوروبا». وقال رئيس المنظمة «إن الهيروين
والمخدرات المستخرجة من الأفيون المزروعة في أفغانستان وإيران تنقل عبر العراق إلى
الأردن ودول الخليج حيث ترسل إلى الأسواق في أوروبا» وأضاف: «لقد أصبح هذا الوضع
ممكناً بفعل الوضع الأمني الداخلي المتهرئ في العراق، حيث تنعدم المراقبة على
الحدود، مما يُمكن المهربين من الدخول إليه بزيّ أو صفة زوّار عتبات مقدسة».
وحَثَّ المجتمع الدولي والحكومة العراقية على العمل معاً قبل أن يترسخ طريق دولي
لتهريب المخدرات عبر البلاد، مؤكداً أن مشكلة المخدرات يجب أن تحتل أولوية قصوى في
برامج الحكومة العراقية.
يوم 23/6/2011 نشرت جريدة «الصباح» الحكومية
العراقية تصريحا لرئيس لجنة المتابعة في مجلس محافظة واسط (الكوت) جنوب بغداد قال
فيه: «ان اللجنة رصدت ارتفاع حالات زراعة نباتي الخشخاش والداتورا المُخدّرين في
اماكن من المحافظة»، واوضح ان اللجنة رصدت وحددت اماكن زراعة هذه المخدرات
والمعامل التي يتم تصنيعها فيها والمتاجرين بها، مطالبا الجهات المسؤولة بمكافحة
هذه الظاهرة «لما تشكله من خطورة على حياة الشباب كونها تعد آفة كبيرة تحتاج الى
تكاتف جميع الجهود لاجل القضاء عليها نهائيا». كما وردت أنباء من مناطق في الفرات
الأوسط أن بعض مزارعي الرز تحولوا إلى زراعة المخدرت كونها أكثر مردوداً!.
وزير الصحة العراقي من جانبه إعترف بوجود
زيادة في ظاهرة الإدمان على المخدرات في العراق، وقال أنه «بالرغم من أن أجواء
العراق غير ملائمة عموماً لزراعة المخدرات، إلا أن هناك زيادة في ظاهرة الإدمان من
خلال المؤشرات وملاحظات الأطباء العاملين في هذا المجال». وأضاف ألوزير أن «العراق
محاط بسلسلة من البلدان التي تنتج مخدرات الأفيون والخشخاش والترياق والهيروين
وغيرها، وبالتالي فان هذه المخدرات تنتقل عبر إيران إلى العراق، وما سهل ذلك هو
ضعف السيطرة على الحدود بعد سقوط النظام». وأوضح وزير الصحة أن «العراق الآن يعتبر
من الأماكن المعرضة لخطر المخدرات بشكل كبير بسبب وقوعه وسط الدول المنتجة
والمستهلكة للمخدرات»، مبينا أن «الإدمان في العراق يتركز حاليا في المناطق
الحدودية المحاذية لدول الجوار». وأشار إلى أنه «لا يوجد لحد الآن أي إحصائية
دقيقة لعدد المدمنين في العراق» إلا أن «هناك تنسيقا بين وزارة الصحة ومكتب الأمم
المتحدة لمكافحة المخدرات من أجل إجراء إحصائية دقيقة بهذا الشأن».
الأخبار تؤكد أن المخدرات صارت تدخل بكميات
هائلة من جهة الشرق بسبب إستغلال تجار المخدرات لأفواج زوار العتبات المقدسة
لإدخال المخدرات الى العراق، وباتت الحبوب المهلوسة والأدوية الممنوعة، تباع علنا
على الأرصفة في العديد من مدن المراقد الدينية ويتداولها بعض الشباب، وصار معلوماً
أن جهات معينة تعمل على تشجيع إنتشار المخدرات بين أبناء المجتمع العراقي، وبخاصة
بين فئة الشباب، وتوريطهم في الإدمان والمتاجرة، إستكمالا لأدوار مخطط التدمير
الأخلاقي الإجتماعي الذي شجع عليه الفلتان الأمني الذي أوجده الإحتلال.
كما نشرت الصحف العراقية نقلا عن تصريحات
لمصدر في وزارة الداخلية أنه قد صودرت كمية من 325 كلغ من (حشيشة الكيف) مؤخرا في
البصرة كانت أدخلت إليها عبر ايران، وأقر المصدر بان كميات كبيرة من المخدرات دخلت
الي البلاد من ايران وتحدث عن تزايد استهلاك المخدرات في صفوف الشباب. واوضح ان
اطرافا خارجية ضالعة في تهريب المخدرات لان لها -كما قال- مصلحة في الابقاء علي
حالة الفوضي وعدم الاستقرار الامني في العراق.
أعضاء بالهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في
العراق أكدوا قلقهم من تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات داخل العراق، مؤكدين أن
«آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملا آخر يضاف إلى طرق الموت
العديدة التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم وتنذر بتخلي البلد عن موقعه ضمن
قائمة الدول الفتية، ودماراً آخر يزيد من أعباء الحكومة». وقال أحدهم في حديث
لصحيفة «الشرق الأوسط»، (إن ما خلفته الحرب من فوضى وانفلات أمني مريع، هيأ فرصة
ذهبيه لتجارة المخدرات الداخلية والخارجية مستفيدة من كثرة العصابات والجماعات
المسلحة لتنشط حركة مافيا المخدرات وتجعل العراق محطة ترانزيت نحو دول الخليج ودول
إقليمية أخرى، إضافة إلى تكوين سوق حرة داخلية نجم عنها تحويل مشكلة الإدمان من
المسكرات والعقاقير المهدئة إلى المخدرات، وهناك دلائل تم الحصول عليها عن طريق
استجواب عدد من المتاجرين بالمخدرات بعد القبض عليهم في مناطق متفرقة من العراق،
وهم من جنسيات مختلفة، تشير إلى تحول طريق الحرير القادم من شرق آسيا والمار عبر
العراق، إلى طريق للمتاجرة بالمخدرات والسلاح والآثار العراقية وتهريب النفط
المسروق، من قبل عصابات منظمة تخصصت في هذه الأعمال ولها ارتباطات واسعة مع
العالم، بما في ذلك حكومات بعض الدول).
كما تزايدت أعداد
المرضى المدمنين، فقد كشف أحد التقارير الصادرة عن مستشفى ابن رشد، الذي يُعدّ من
أكبر مؤسسات العلاج النفسي في العراق، أنَّ حالات الإدمان زادت بنسبة 75%. وأن
الوضع العام للإدمان بات أكثر انتشارا من قبل، وأصبح منظر المراهقين والأطفال في
الشوارع أكثر بشاعة، خاصة وهم يقومون بشم مواد مخدرة بدائية عالية السُميّة، مثل
البنزين والثانر والسيكوتين وغيره، وبات بعضهم، وبإرشاد جانحين كبار، يتعلم كيفية
صنع مواد أخرى غير مألوفة تعطي نفس الأثر.
ان انتشار الظاهرة الخطيرة في اغلب أحياء
بغداد الفقيرة يقرع جرس الإنذار من خطر كبير يهدد مستقبل الشباب، ولابد
من تحرك حكومي عاجل من الوزارات والأجهزة الأمنية المختصة لوضع حد لهذه
الآفة المميتة، مشيراً إلى ان حجم المشكلة وخطورتها بات اكبر من قدرة منظمات
المجتمع المدني وإمكانياتها التي تعتمد على مبالغ ووسائل محدودة. لقد استفحلت
ظاهرة تهريب المخدرات الى العراق عقب الاحتلال الأميركي عام 2003 حيث اشار تقرير
صادر عن الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى وجود 7000 مدمن مسجل في عموم
المحافظات عام 2004، وارتفع الى 28 ألف مدمن في عام 2006 بحسب تقرير مكتب الأمم
المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، وهو ذات التقرير الذي أكد ان العراق أصبح
الممر الرئيس لتجارة المخدرات عبر العالم. والملفت للانتباه هنا ان تجار المخدرات
عمدوا إلى بيع هذه السموم في البدء بأسعار زهيدة لزيادة الإقبال عليها، حيث
يقول احد اعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات: «ان الوجبة الأولى من المخدرات
وزعت في بغداد مجاناً كنوع من الدعاية والترويج لها في حين استقرت الأسعار الحالية
على 750 دينار، ثمن شريط الحبوب المهدئة الذي يحتوي على 12 حبة تكفي الواحدة منها
لإيهام متعاطيها بالراحة والخدر المؤقتين».ويرتفع السعر مع زيادة الجرعة واختلاف
نوعها فثمن جرعة متوسطة تؤخذ عن طريق الحقن من الكوكايين او الهيروين يصل إلى 30
ألف دينار في حين يكون ثمن الجرعة الأكبر من ذات المواد 67 ألف دينار، أما مادة
الحشيشة فيتم احتساب ثمنها بالغرام او تباع كسكائر بعد خلطها بالتبغ او توضع مع
مادة المعسل المستخدمة في الاركيلة والتي تدخن في مقاهي خاصة او بالبيوت.
ويمكن للمتعاطي ان يحصل على المواد المخدرة من مصدرها الرئيس في سوق الباب الشرقي
او من تجار المفرد الذين ينتشرون في عدد من الأحياء الشعبية ويوزعون بضاعتهم
بواسطة وكلاء لا يجلبون الانتباه وغالباً ما يكون هؤلاء من الأطفال او طلبة
المدارس.
إن الازدياد الخطير الحاصل
في تعاطي المخدرات بأنواعها، والإتجار بها في العراق في ظل الإحتلال يعد
واحدة من المخاطر الإجتماعية والصحية والأمنية التي تهدد مستقبل المجتمع العراقي،
والمجتمعات العربية الأخرى، لأنه يبدو أن الهدف ليس فقط مجرد تحويل العراق إلى (معبر)
للمخدرات الى عموم المنطقة والعالم، وتخريب البناء الإجتماعي من خلال إفساد
الشباب، وإتلاف عقولهم وتحويلهم إلى مصدر للتخريب بدلا من أن يكونوا مصدرا للبناء
والتطوير. ولايمكن بأية حال من الأحوال أن ننفي مسؤولية قوات الغزو ومن عاونها من
ميليشيات طائفية عما حل بالعراق من مشاكل ونكبات ومنها نكبة إنتشار المخدرات.