• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
سيناريوهات مستقبل الاتفاق النووي الإيراني (١- ٢)

من ناحية أخرى لم تستطع الولايات المتحدة حشد التأييد الدولي لفكرة تغيير النظام حتى على صعيد الموقف الأوروبي الذي كان يرى اللجوء إلى الدبلوماسية أولاً ثم العقوبات في حال أخفقت الدبلوماسية

سيناريوهات مستقبل الاتفاق النووي الإيراني

مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية 2020م وفوز المرشح الديمقراطي جوبايدن

 

مقدمة:

تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مع إيران - لا سيما فيما يخص برنامجها النووي - موقفاً معادياً ورافضاً؛ إذ يُعتَبَر هذا الموقف امتداداً للموقف العدائي الذي تتبناه أمريكا تجاه إيران منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979م.

إن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه البرنامج النووي الإيراني لا تختلف في جوهرها باختلاف الحكومات والإدارات؛ وإنَّ اختلاف الحكومات إنما هو في طريقة التعاطي والتعامل مع ذلك (الخطر) والتدرج في استخدام أدوات السياسية الخارجية بدءاً من الدبلوماسية والمفاوضات ووصولاً إلى استخدام القوة العسكرية... وبناءً عليه فإن النظرة الأمريكية للبرنامج النووي الإيراني إنما تنطلق من حماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة وعدم بروز قوة إقليمية تقف عائقاً أمام طموحها وأهدافها الإستراتيجية وتهدد حلفاءها والاستقرار في المنطقة.

تسعى هذة الدراسة في القسم الأول منها إلى رصد مراحل تطور الملف النووي الإيراني وتحليل سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة في التعامل مع هذا الملف بدءاً من بوش الابن مروراً بأوباما وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015م، وصولاً إلى ترامب وانسحابه من الاتفاق.

وفي القسم الثاني نتناول مستقبل الاتفاق النووي في ظل نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020م وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن والسيناريوهات المحتملة.

 أولاً: مراحل تطور الملف النووي الإيراني

يمكن القول: إن عام 2003م شهد بداية تفجير الأزمة النووية الإيرانية خاصة بعد اكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال تقويمها الدوري لمنشآت إيران النووية لوجود يورانيوم مخصَّب في هذه المواقع، وهي المادة الأساسية الداخلة في إنتاج السلاح النووي. من ناحية أخرى تم اكتشاف بعض المنشآت النووية الإيرانية التي كانت تخفيها إيران بشكل سري، وتم الكشف عنها من قِبَل بعض جماعات المعارضة الإيرانية، وفي عام 2004م وصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى قناعة مفادها أن إيران بنصبها للأجهزة الخاصة بالطرد المركزي ستتمكن دون أدنى شك من تخصيب اليورانيوم[1].

وقد أعلن محمد البرادعي (مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق) أن أهداف إيران من البرنامج النووي ليست أن تتحول إلى دولة معزولة على غرار كوريا الشمالية؛ وإنما الهدف الرئيسي منه يتعلق بالاعتراف بها قوة إقليمية في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن أن يفتح أمامها الباب - حسب وجهة نظرها - لتحقيق صفقة كبرى مع العرب، لأنه حتى وإن لم تكن إيران تعتزم تطوير أسلحة للدمار الشامل، فإن مجرد الحصول على دورة كاملة للوقود النووي فيه رساله قوية للغرب، والدول المجاورة، ناهيك أنه يحصِّن إيران ضد أي حظر أو اعتداء محتمل، وبناءً عليه فإننا هنا أمام مراوغة سياسية من أجل الردع تحاول أن تنتهجها طهران[2].

وخلال مرحلة تولي بوش الابن الحكم اتبعت الولايات المتحدة ما يمكن تسميته بالدبلوماسية المتشددة التي هدفت إلى تغيير النظام في إيران وليس فقط تغيير سياسات النظام.

وقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على العمل من خلال توافق دولي إزاء الأزمة النووية الإيرانية؛ على الأقل لإثبات عدم جدوى التوصل لحلول دبلوماسية للأزمة، بما يمهد بعد ذلك لقيامها بالحل المنفرد (التدخل العسكري المباشر).

لذلك سعت الولايات المتحدة إلى عزل النظام الإيراني داخلياً وخارجياً: فعلى الصعيد الداخلي: عملت الولايات المتحدة على تحريض الرأي العام الإيراني ضد النظام وساهمت في خلق معارضة قوية. ففي الخطاب الذي ألقاه بوش في عام 2006م وصف إيران بأنها أمة أسيرة بيد نخبة قليلة من رجال الدين تضطهد شعبها وتعزله.

وعلى الصعيد الخارجي سعت إلى أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي لمساندة جهودها لمنع إيران من الاستمرار في نشاطاتها النووية وتكثيف الضغوط الدولية من أجل العمل على نقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وفي إطار هذه الدبلوماسية المتشددة التي اتبعتها الولايات المتحدة رفضت أي حوار مباشر من أي نوع مع إيران، رغم أن الأخيرة أبدت استعدادها للتفاوض مع الولايات المتحدة وأكدت مراراً أن برنامجها النووي سلمي للغاية، وأنه حق الأمة غير القابل للنقاش؛ إذ تؤكد إيران أنها تطور الطاقة النووية لأغراض اقتصادية وإستراتيجية فقط، ولا تسعى من وراء ذلك إلى امتلاك القنبلة الذرية أو أي أغراض عسكرية أخرى، وأن الهدف الوحيد من برنامجها هو توليد الكهرباء وإتقان دورة الوقود؛ حتى تتمكن في المستقبل من التخلص من استيراد الوقود؛ فهي باعتبارها دولة نفطية ريعية تعتمد على النفط والغاز بصفة أساسية في دخلها، فإنها بحاجة إلى تنويع مصادرها؛ خاصة أن عدد الإيرانيين في تزايد مستمر، وهو ما أصبح يقلل من فاعلية عوائدها النفطية، كما أن برنامجها يجعلها في تواصـل دائمـاً مع التكنـولوجية العصرية على غرار دول العالم المتطورة. إذن فالقضية - كما تدعي طهران - هي قضية علم وتكنولوجيا واكتفاء ذاتي تجعلهم يفتخرون بأنفسهم.

وعلى الرغم من كل محاولات إيران الرسمية بادعاء سلمية البرنامج النووي وإصرارها على تخصيب أكبر قدْر من اليورانيوم في أقصر مدة زمنية، إلا أن أمريكا رأت الأمر تهديداً حقيقيَّاً يُخِل بميزان القوى في المنطقة، ودليلاً على رغبةٍ إيرانية في الهيمنة؛ وهو ما شجع الولايات المتحدة على وضع إيران على قائمة (محور الشر) وتم لأول مرة فرض عقوبات دولية على إيران عام 2007م، إلا أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الملف النووي الإيراني أثبتت فشلها خلال فترة حكم (بوش الابن)؛ فقد وجدت الولايات المتحدة أن اللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل مع الأزمة - سواء من خلال توجيه ضربات إجهاضية للمنشآت النووية الإيرانية، أم القيام بعمل عسكري كامل مثلما حدث مع العراق - هو أمر صعب الحدوث.

من ناحية أخرى لم تستطع الولايات المتحدة حشد التأييد الدولي لفكرة تغيير النظام حتى على صعيد الموقف الأوروبي الذي كان يرى اللجوء إلى الدبلوماسية أولاً ثم العقوبات في حال أخفقت الدبلوماسية[3].

الاتفاق النووي الإيراني في عهد أوباما (2008 - 2016م):

مع تولي الرئيس أوباما الحكم حدث تحوُّل في السياسة الأمريكية تجاه الملف النووي الإيراني من الدبلوماسية المتشددة إلى الدبلوماسية المرنة والحوار وإن كان أوباما لم يستبعد الخيار العسكري بشكل كامل، بل إنه أكد مراراً على أن الخيار العسكري يظل مطروحاً في حال فشلت الدبلوماسية في التعامل مع إيران[4].

وكان باراك أوباما قد حاول إرسال بعض الإشارات الإيجابية إلى إيران؛ ففي مارس 2009م وخلال أعياد النيروز (رأس السنة الفارسية) مدح أوباما الحضارة الإيرانية، كما أرسل رسالة إلى آية الله خامئني عرض فيها رغبة الولايات المتحدة في البدء في حوار بنَّاء[5].وخلال خطاب أوباما في جامعة القاهرة عام 2009م أكد على حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية في إطار معاهدة عدم انتشار النووي، كما صرَّح أوباما بأنه «إذا غيرت إيران سياستها فسوف نتعاون معها»، وبعد عدة أسابيع أكد أوباما على استعداده لإجراء مباحثات غير مشروطة مع طهران، وكان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد صرح باستعداد إيران لمفاوضات وَفْقَ مبدأ الاحترام المتبادل[6].

وقد تجلى ذلك بوضوح في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي للرئيس باراك أوباما عام 2010م حينما أعلن استبعاد سياسة الحرب الوقائية والاستباقية التي انتهجها سلفه جورج دبليو بوش؛ فقد كان مبدأ الاستباق الأمريكي أحد ركائز إستراتيجية الأمن القومي لإدارة جورج بوش في فترة الرئاسة الأولى بين عامي 2002 - 2005م؛ فقد طُرِح هذا المبدأ بعد حرب أفغانستان، وتم تطبيقه عملياً في حرب العراق عام 2003م، التي قامت بها الولايات المتحدة منفردة دونما شرعية دولية وهو ما صبغ مبدأ بوش بطابع هجومي، وبتفسير أحادي لمصادر تهديد الأمن القومي الأمريكي[7].

الأزمة النووية الإيرانية في عهد أوباما:

بدأت الأزمة النووية الإيرانية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في آواخر عام 2009م، بعدما كشفت بعض الدول الغربية قيام إيران منذ عام 2006م سرّاً ببناء مفاعل نووي جديد لتخصيب اليورانيوم في منطقة جبلية حصينة في مدينة (قم) دون علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وهو ما يعدُّ مخالفة واضحة من جانب إيران لالتزاماتها الدولية في هذا الشأن.

وقد حرصت الدول الغربية - وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية - على الكشف عن هذا المفاعل السري لتأكيد شكوكها حول مدى سلمية البرنامج النووي الإيراني، وتم اختيار مقر اجتماع قمة العشرين للإعلان عن ذلك التطور ليحدِث صداه الدولي الواسع بهدف تشكيل جبهة تضامن دولية متماسكة في مواجهة طهران التي تستغل تباين مواقف المجموعة الدولية وتوظفه لخدمة مصالحها، كما تبنَّت هذه الدول لهجة حادة ضد إيران، متهمة إياها بأنها تمثل (مصدراً للتهديد في الشرق الأوسط والعالم)، مطالبة إياها باحترام التزاماتها الدولية في هذا الشأن[8].

وفي محاولة من جانب إيران لامتصاص غضب المجتمع الدولي، عمدت إلى اتخاذ خطوات تكتيكية مكَّنتها من الحدِّ من وطأة الضغوط التي أعقبت الكشف عن هذا المفاعل النووي السري، الذي زعمت أنه مخصص لتوليد الكهرباء وأن مستوى التخصيب فيه لن يتجـاوز حدَّ 5% فقط؛ وهو مستوى منخفـض لا يكفي لإنتاج موادَّ انشطارية تُستخدَم في صنع القنبلة الذرية، وأنها أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية به قبل إعلان الغرب عنه، غير أن هذه الخطوات والتصريحات لم تثمر النتائج المرجوَّة بعد أن لحق الضرر بسمعة إيران ومصداقياتها بعد الكشف عن هذا الموقع السري، الأمر الذي عزز شكوك أطراف كثيرة في مصداقية وشفافية النهج الإيراني[9]. وقد دفع الكشف عن هذا الموقع السري والضغوط الدولية التي أعقبته طهران إلى تخفيف موقفها المتشدد من برنامجها النووي، وبدا هذا واضحاً خلال مؤتمر جنيف الذي عقد في مطلع أكتوبر عام 2009م، حينما أكدت طهران أنها ستسمح لمفتش الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المنشأة النووية الجديدة في (قم) للتأكد من عدم استخدامها للأغراض العسكرية، وتم تحديد موعد لذلك هو يوم 25 أكتوبر عام 2009م، كما أجرت محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية على هامش الاجتماع، كانت هي الأعلى مستوى بين الدولتين منذ ثلاثة عقود، ووافقت إيران من حيث المبدأ على إرسال اليورانيوم إلى الخارج لتخصيبه وتحويله إلى وقود نووي بغرض استخدامه لأغراض الأبحاث الطبية، ونتيجة لهذه المواقف خرج المجتمعون في جنيف بانطباعات إيجابية ربما أكثر مما كان متوقعاً، وتم النظر إلى هذه المواقف على أنها تمثل مؤشراً قوياً على استجابة طهران للخيار الدبلوماسي[10].

ومع إعلان أوباما أن إدارته على استعداد لاستئناف المفاوضات دون شروط سابقة مع طهران، يكون أوباما قد نأى بنفسه عن مطلب المجموعة السداسية دول (5+1) (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، بالإضافة إلى ألمانيا) بوجوب توقف إيران عن تخصيب اليورانيوم كشرط لاستئناف الاتصالات الدبلوماسية، وأشار أيضاً إلى أنه ستكون للولايات المتحدة مشاركة كاملة في أية مفاوضات تجريها مجموعة دول (5+1) مع إيران[11].

كما ألمحت إدارة أوباما إلى استعدادها لإجراء اتصالات مع طهران خارج نطاق مجموعة الدول الست إذا كان ذلك يخدم المصالح الأمريكية، وهو ما يعكس تحولاً مهمّاً في السياسة الأمريكية حيال طهران، يتجلى في التمييز بين حقها في امتلاك طاقة نووية سلمية، وبين الرفض الدولي القاطع لإيران مسلحة نووياً.

وقد رحبت إيران بعرض مجموعة (5+1) للتفاوض وأعلنت في سبتمبر عام 2009م استعدادها لإجراء محادثات متعددة الأطراف تتناول كل القضايا الأمنية التي تسبب قلقاً للغرب ولا تتناول تخصيب إيران لليورانيوم باعتباره حقاً طبيعياً وقانونياً وسيادياً للدولة الإيرانية[12].

وحددت مجموعة دول (5+1) أكتوبر 2009م لبدء المفاوضات في جنيف، وتوصلت إيران في محـادثات جنيف إلى اتفاق مبدئي مع مجموعة دول (5 + 1) حول برنامجها النووي، ووَفْقاً لهذا الاتفاق سمحت إيران لمفتش الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشأة (قم) التي كان قد تم الكشف عنها من قبل الدول الغربية في سبتمبر 2009م.

ووافقت على إرسال نسبة من اليورانيوم المخصب الإيراني إلى الخارج واستيراده في مرحلة لاحقة، بعد أن يتم تحويله إلى وقود. وفي آواخر نوفمبر 2009م أكدت إيران رفضها إرسال اليورانيوم المخصب إلى الخارج، وردّاً على هذا الرفض الإيراني تعهدت كلٌّ من الولايات المتحدة وأوروبا بفرض عقوبات أشد وأقوى ضد إيران[13].

وفي أوائل نوفمبر 2013م توصلت مجموعة دول (5+1) مع إيران إلى تسويه بشأن برنامج إيران النووي؛ إذ نص الاتفاق بين إيران ومجموعة دول (5+1) على أن تتعهد الحكومة الإيرانية بتخفيض عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 5% وإبطال ذخائر اليورانيوم المخصب بنسبة 5% إلى 20%[14].

وذلك مقابل وقف إصدار عقـوبات جديدة على إيران، ورفع بعض العقـوبات تدريجياً خلال فترة ستة أشهر، واستمرار المفاوضات حتى إزالة الغموض بشأن البرنامج النووي، وتجنب إصدار أية عقوبات جديدة ضد إيران، والحرص على عدم وصول نسبة صادرات إيران من النفط إلى أقل من النسبة الحالية، ورفع الحظر على شراء وبيع الذهب والمعادن الثمينة، ورفع الحظر المفروض على صناعة السيارات وكذلك المنتجات البتروكيميائية وتسهيل التعاون مع إيران لصيانة الطائرات المدنية العائدة لشركات الطيران الإيرانية، وإلغاء تجميد 400 مليون دولار من أموال إيران في الخارج لتسديد تكاليف دراسة الطلبة الإيرانيين المبتعثين إلى الخارج والتعاون مع إيران لشراء المواد الغذائية والطبية[15].

وقد خضعت إيران لهذا الشرط في نوفمبر 2013م، فوافقت على تخفيض اليورانيوم المخصب من نسبة 20% إلى 5% والتقليل من مخزونها من اليورانيوم، إلا أن الدول الكبرى شددت على ضرورة وقف التخصيب بهذه النسبة مدة 10 أعوام وهو ما رفضته إيران، مؤكدة أنه بالرغم من تخصيبها اليورانيوم بنسبة 20% للاستفادة منه في مفاعل طهران للبحوث النووية؛ إلا أنها ترفض وقف التخصيب لمدة زمنية طويلة[16].

وكانت نتائج المفاوضات انتهت إلى فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق في 10 نوفمبر 2013م بسبب إصرار فرنسا على الحصول على ضمانات إيرانية بعدم تخصيب اليورانيوم وبالتزامها بأي اتفاق قد يتم التوصل إليه. ورغم ذلك صرَّح الجانبان بأن المفاوضات كانت بنَّاءة، واتفق الطرفان على استئناف المحادثات بينهما في 20 نوفمبر 2013م[17].

وبالفعل نجحت إيران ومجموعة دول (5+1) في نهاية عام 2013م في عقد اتفاق مرحلي بجنيف محدد بـ 6 أشهر قابلة للتمديد يقضي بأن تحدَّ إيران من نشاطها النووي الذي قد يكون له أبعاد عسكرية مقابل رفعٍ محدودٍ للعقوبات الدولية المفروضة عليها لعدم انصياعها لاتفاقية الضمانات الملحقة باتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية[18].

ومن ثَمَّ يمكن القول: إن التوصل إلى الاتفاق النووي المرحلي في جنيف بين إيران ومجموعة دول (5+1) أقرَّ بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وهو وإن كان إقراراً ضمنياً ومحصوراً في التخصيب عند حدود 5% فقط مع التوقف الإيراني عن التخصيب إلى 20% إلا أنه يعطي إيران حق التخصيب وحق أن تكون (دولة نووية) وَفْقاً لنص معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما أنه أقر واعتمد الحل السياسي والدبلوماسي لأزمة البرنامج النووي الإيراني، وأنهى كل طموحات إسرائيل في فرض الحل العسكري، وأهم ما أسفرت عنه هذه المفاوضات كان وضع أساسٍ لتقارب (أمريكي - إيراني)، وأن هذا التقارب يمكن أن يؤدي إلى ما يخشاه كثيرون (الدول العربية، والدول الخليجية، وإسرائيل) وهو الانخراط في (صفقة تفاهم شاملة) بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية[19].

ونتيجة لذلك أبرم الجانبـان اتفاقاً مرحلياً حول الملف النووي لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، بدأ تطبيقه في 20 يناير 2014م. وفي 20 يوليو 2014م كانت أطـراف جنيـف قد مددت المهلـة أربعة أشهر إضافية حتى 24 نوفمبر 2014م بعد الإخفاق في التوصل إلى اتفاق نهائي؛ وذلك لإتاحة مزيد من الوقت لإيران والدول الكبرى للتوصل إلى اتفاق نهائي شامل بحلول 24 نوفمبر 2014م يُنتَظَر منه ضمان الطبيعة السلمية البحتة للبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع كافة العقوبات التي يفرضها الغرب والأمم المتحدة على طهران والتي ألحقت ضرراً جسيماً بالاقتصاد الإيراني لعدة سنوات[20]. وبعد أيام من مفاوضات مكثفة تم الاتفاق على تمديد أَجَل المفاوضات مرة أخرى[21].

وفي عام 2015م أجرت إيران ودول (5+1) مفاوضات بدءاً من 26 مارس حتى 2 أبريل 2015م في مدينة لوزان السويسرية من أجل التوصل إلى تسوية شامله تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء كافة العقوبات المفروضة على إيران بشكل تام، وبعد مفاوضات توصلت إيران والدول الست الكبرى في 2 أبريل 2015م إلى اتفاق الإطار النووي الإيراني الذي يمهد للتوقيع على الاتفاق النهائي الشامل حتى نهاية يونيو 2015م[22].

شروط اتفاق الإطار النووي الإيراني::

يُلزِم الاتفاق طهران بأكبر من قدرتها على تخصيب اليورانيوم مقابل رفع العقوبات تدريجياً، كما نص اتفاق لوزان على قصر أنشطة إيران النووية في الاستعمالات المتعلقة بالأغراض السلمية فقط، ووافقت إيران في مفاوضاتها مع مجموعة (5+1) على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها في تخصيب اليورانيوم من 19 ألف جهاز إلى 6104 أجهزة، وستقوم بتشغيل 5060 منها فقط بموجب اتفاق نووي شامل ستوقعه مع الدول الست الكبرى.

وستحظى إيران بموجب اتفاق الإطار بتخفيفٍ تدريجيٍّ للعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية المتصلة بالبرنامج النووي مع التزامها بالاتفاق النووي الشامل الذي سعت إيران والدول الست الكبرى لإنجازه في 30 يونيو على أن يعاد فرضها سريعاً في حال إخلال طهران بتعهداتها[23].

ويمكن القول: إن الاتفاق النووي الإيراني يمثِّل المرحلة الثالثة والأخيرة من المفاوضات بين القوى الكبرى وإيران، وذلك بعد الاتفاق الانتقالي في جنيف في نوفمبر 2013م، ثم اتفاق الإطار في لوزان/ سويسرا في أبريل 2015م.

وكما في اتفاق الإطار، يقوم الإطار العام للاتفاق النهائي - الذي ضم 159 صفحة ما بين وثيقة الاتفاق الأساسي وخمسة ملاحق تقنية -[24] على تقييد البرنامج النووي الإيراني، الذي يصرُّ الغرب على أن له أبعاداً عسكريةً في حين تصرُّ إيران على أنه سلمي، مقابل رفع العقـوبات الاقتصادية والمصرفية المفروضة على إيران بعد التـأكد من وفائها بالتزاماتها بموجب الاتفاق، كما يعزز هذا الاتفاق الإجراءات والضمانات الرقابية الصارمة على الأنشطة والمنشآت النووية الإيرانية ويضع قيوداً على مستوى تخصيب اليورانيوم والبلوتنيوم ويحدد عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران[25].

ولن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ - خصوصاً الشق الذي ينص على رفع العقوبات الأممية - حتى تصادق الوكالة الدولية للطاقة الذرية على وفاء إيران بالتزاماتها الواردة في الاتفاق كافة؛ وخصوصاً ما يتعلق بتطبيق الرقابة الصارمة على أنشطتها ومنشآتها النووية، بما فيها بعض المنشآت العسكرية. وقد كانت مسألة رفع العقوبات الدولية والأمريكية إحدى أهم نقاط الخلاف بين الطرفين؛ ففي حين أرادت إيران أن يكون الرفع فور التوقيع على الاتفاق النهائي، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين أصروا على أن يكون رفع العقـوبات مرتبطاً بدخول الاتفاق حيِّز التنفيذ وتصديق الوكالة الدولية للطاقة الذرية على وفاء إيران بالتزاماتها وهو ما حدث.

ولا يقتصر الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني؛ بل يشتمل أيضاً على مسألة حظر مبيعات الأسلحة التقليدية والصواريخ الباليستية أو التكنولوجيا المؤدية إليها، وقد كانت هذه أيضاً إحدى نقاط الخلاف. وكحل وسط اتفق الطرفان على أن يستمر حظر مبيعات الأسلحة التقليدية لإيران مدة خمس سنوات أخرى، في حين يستمر حظر بيع الصواريخ الباليستية أو التكنولوجيا المؤدية إليها إلى ثماني سنوات قادمة[26].

وبناءً عليه، يمكن إجمال الموقف الأمريكي في التعامل مع الملف النووي الإيراني في عهد أوباما بالتالي:

مع تولي الرئيس أوباما سدة الحكم تبنَّى منهجاً مختلفاً تجاه إيران؛ وهو اعتماد الدبلوماسية أداة رئيسة في التعامل مع إيران في مقابل المواجهة التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش، بل ذهب أوباما أبعد من ذلك عندما أعلن في إحدى المحاضرات أنه لن يتردد في إجراء حوار مع قادة الدول المناهضة للولايات المتحدة ومن بينها إيران (دون شروط)[27].

من ناحية أخرى، سعت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما إلى عدم التدخل في السياسات الإيرانية الداخلية، وعدم دعم أو معارضة القادة والنخب المتنافسين على السلطة في إيران، وتوجيه المبادرات لكل الفاعلين في إيران (المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، الرئيس الإيراني، وزير الخارجية)[28].

وقد اعتُبرَت رسالة الرئيس باراك أوباما لإيران في عيد النيروز تطوراً هاماً في هذا الصدد؛ فلأول مرة يعترف الرئيس الأمريكي في خطاب عام بواقع وجود الجمهورية الإسلامية وشرعية الحكم الإيراني[29].

 كما دلت بعض المؤشرات الإيجابية على جدية قرار الإدارة الأمريكية بالتهدئة مع إيران بعد مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في المحادثات السداسية بين إيران ومجموعة دول (5+1)[30].

 


[1] يازا جناكين، صراع القوي الدولية في ضوء النظام العالمي الجديد، ترجمة : على مرتضى سعيد، القاهرة : المركز القومي للترجمة، 2011م، ص 118 - 119.

[2] محمد البرادعي، زمن الخداع الدبلوماسية النووية في أوقات الغدر (بيكادور) 2011م، ص 248 - 249.

[3] مصطفى محمد سعيد عبدالله السيد، المواقف لدولية تجاه أزمة الملف النووي الإيراني خلال الفترة من 2001 - 2010م بالتركيز على موقف الإدارة الأمريكية، المركز الديمقراطي العربي.

[4] علاء بيومي (بارك أوباما والعالم العربي) سلسلة أوراق الجزيرة، مركز الجزيرة للدراسات، العدد 9، الطبعة الأولى، الدوحة، 2008م.

 [5] محمد مطاوع، (الغرب وقضايا الشرق الأوسط من حرب العراق إلى ثورات الربيع العربي الوقائع والتفسيرات)، ص 124- 125.

[6] عبد الله سعد العتيبي، (الأزمة الأمريكية الإيرانية، وانعكاساتها على أمن الخليج العربي)، دولة الكويت، دراسة حالة 1997 - 2011م، رساله ماجستير في العلوم السياسة، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، 2012م، ص 48 - 49.

[7] سارة سامح إبراهيم المزاحي، (الاستمرارية والتغيير في السياسة الأمريكية تجاه البرنامج النووي الإيراني منذ عام 2001م)، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2016م، ص 138.

 [8] إيمان أبو زيد مخيمر (البرنامج النووي الإيراني في موازين الإستراتيجية الأمريكية) المركز الديمقراطي العربي، 12/2/2015م.

[9] المرجع السابق، إيمان أبو زيد مخيمر.

[10] المرجع نفسه.

 [11] إسلام محمد جوهر، (الاستمرارية والتغيير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م، ص 180 - 181.

[12] سارة سامح إبراهيم المزاحي، مرجع سابق، ص 147.

[13] سارة سامح إبراهيم المزاحي، مرجع سابق، ص 147.

[14] هادي طرفن، (تفاصيل الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1)، 24 نوفمبر 2013م، العربية نت.

[15] هادي طرفن، مرجع سابق.

[16] إبراهيم سيف منشاوي وأحمد عبد التواب الخطيب، (آفاق السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المفاوضات النووية)، المركز العربي للبحوث والدراسات WWW.acrseg.org/36746.

[17] جمال محمد حسن (من سرب تفاصيل الاتفاق النووي الإيراني من قبل توقيعه؟) 30 مارس 2015م.

[18] إبراهيم سيف منشاوي، أحمد عبد التواب الخطيب، (آفاق السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المفاوضات النووية).

[19] محمد السعيد إدريس، (تأثير التقارب الأمريكي - الإيراني على منطقة الخليج العربي)، المركز العربي للبحوث والدراسات، ديسمبر 2003م، www. Acrseg.org

[20] (محادثة جديدة بين واشنطن وطهران في جنيف حول الملف النووي)، مقالة منشورة على شبكة الإنترنت.

[21] إبراهيم سيف منشاوي، أحمد عبد التواب الخطيب، (آفاق السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المفاوضات النووية)، مرجع سابق.

[22] علي حسن باكير، (محددات الموقف التركي من الاتفاق النووي الإيراني وانعكاساته)، تقرير مركز الجزيرة للدراسات، متاح على الرابط: http://studies.alhazeery.net/rwports/2015/04

[23] (أهم بنود اتفاق إطار حل أزمة برنامج إيران النووي)، مقاله منشورة على شبكة الإنترنت، متاح على الرابط: http://arabic.rt.com/news

[24] Joinl comptehen sive plan of action Vienna 14 july 2015 at http://bit.ly/ 1hwr4wg.

[25] Carol morello and karen deyoung/historic deal reaced with iran to limit nuclear program، “the Washington post، july 14 2015 at: http://wpo. st/1210ghvf.

[26] (قراءة في الاتفاق النووي الإيراني)، المركز العربي للأبحاث دراسة السياسات، تقدير موقف، وحدة تحليل السياسات، 15 يوليو 2015م. تمت زيارة هذة الصفحة في 30/10/2018 www.dohainstitute.org

[27] علاء بيومي، (باراك أوباما والعالم العربي)، سلسلة أوراق الجزيرة، مرجع سابق، ص72 - 73.

[28] (إيران: ماذا يعني فوز أحمدي نجاد)، تقرير مجموعة الأزمات حول الشرق الأوسط، طهران بروكسل، 4 أغسطس، 2005م.

[29] John tirman anew approach to iran : the need for trans formalive diplomacy op. cit. p 2g.

[30] ibid p.g 2.

 

 


أعلى