الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:
من الأخطاء التي وقع فيها بعض علماء اللغات العربية القديمة - المسماة خطأ بـ«السامية» - أنهم جعلوا عاداً وثمود أقواماً بائدة عاشت في زمن غير بعيد عن زمن العرب الجاهليين فتناقلوا أخبارهم قبل تنزل الوحي، والصواب أن عاداً وثمود من الأمم العربية البائدة التي عاشت قبل موسى عليه السلام، بل قبل إبراهيم عليه السلام.
دليل ذلك ما جاء في كتاب الله عز وجل على لسان مؤمن آل فرعون: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ 30 مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} [غافر: 30، 31]، بل إن القرآن يصرح في سورة الأعراف بأن عاداً هم خلفاء قوم نوح عليه السلام؛ قال تعالى على لسان نبيهم هود عليه السلام: {وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْـخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69]، ومعنى «جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح» - كما نقل الإمام الطبري عن أهل التأويل - أي «ذهبَ بقوم نوحٍ، واستخلفكم من بعدهم»، أو جعلكم «ساكني الأرض بعد قوم نوح»، والمعنى متقارب. وكانوا «أول من عبد الأصنام بعد الطوفان» كما ذكر ابن كثير.
والشاهد من هذا أن عاداً أمة عربية موغلة في أعماق التاريخ، وسواء كانت مساكنهم في جنوب الجزيرة العربية - وهو المشهور - أو شمال الحجاز فإن هذا لا يخرجهم عن وصف العروبة، لكننا لا نعلم طبيعة العربية التي تحدثوا بها؛ بيد أنها عربية قديمة جداً لا يمكن أن تكون وليدة للآرامية أو العبرانية كما قال البعض عن عربية إسماعيل عليه السلام، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن اللهجة المهرية في جنوب الجزيرة هي من آثار لسان عاد، والبعض جعل لسان عادٍ أكادياً؛ وكل هذا لا دليل عليه.
والرأي الأقرب إلى الصواب - والله أعلم - هو أن كل اللغات التي أصبحت تعرف بالسامية إنما هي لهجات عربية قديمة تطورت عن لغة أم، لعلها تلك التي تحدث بها قوم عاد الذي خلفوا نوحاً؛ وكل من عاش بعد الطوفان هم من نسل نوح عليه السلام، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: ٧٧]، وقال عن بني إسرائيل: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: ٣]، ولذا آثر بعض الباحثين استعمال وصف «العربية» بدل «السامية» لوصف تلك اللهجات. وعليه، فإن من زعم أن العربية الفصحى مشتقة من الآرامية فقد اشتق أصلاً من فرع، وهو قول ظاهر البطلان.