الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وبعد:
فقد أقرت الأمم المتحدة وثيقة خطة التنمية المستدامة لعام 2030م، التي تضمنت 17 هدفًا من أهداف التنمية، و169 غاية مرتبطة بها. ونصَّت الوثيقة على أن الهدف الأول هو «القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان»، والهدف الثاني: «القضاء على الجوع، وتوفير الأمن الغذائي، والتغذية المحسنة، وتعزيز الزراعة المستدامة».
وهذان الهدفان طموحان يستحقان الاهتمام، لكن ما لم تجب عنه الأمم المتحدة: من هم صناع الفقر في عالمنا المعاصر؟!
وهذا سؤال خطير وكبير، ويستحق أن تفرد له المؤتمرات، ويناقش في أبحاث علمية، لكننا في هذه الفاتحة نجيب عليه بإشارات عابرة:
أولًا: الدول الاستعمارية: وعلى رأسها الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في الأمم المتحدة، وبعض دول الاتحاد الأوربي، فهي التي سرقت ثروات الشعوب، وتسلطت على مقدراتها الاقتصادية، ومخزونها الطبيعي، ما أدى إلى إفقار الدول والشعوب، وتركيز الثروات في الدول الاستعمارية. وقد كان المفكر الفرنسي «روجيه جارودي» صريحًا عندما قال: «إن شرط نمو الغرب إنما كان بالضرورة وليد نهب ثروات العالم الثالث، ونقلها إلى أوربا وأمريكا الشمالية. وبالمقابل فإن الغرب هو الذي جعل العالم الثالث متخلفًا».
واستمرت سياسات الهيمنة الاستعمارية حتى في مراحل ما بعد الاستقلال.
ثانيًا: الأذرع الاقتصادية للدول الكبرى، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي التي تبتز الدول الفقيرة بالقروض الربوية والمجحفة والدائمة، وأصبحت تتحكم في سياساتها النقدية وخططها الاقتصادية.
ثالثًا: النظام الرأسمالي بروحه المادية المفرطة، الذي أصبح يصوغ منظومة الاقتصاد العالمي، وهو نظام ليبرالي قائم على الاحتكار، وسيطرة الأقوياء على مفاصل الاقتصاد العالمي، وتحكم الشركات الكبرى العابرة للقارات بالسوق العالمية.
هؤلاء هم بعض صناع الفقر، ومن ثَمَّ فإن أي علاج للفقر والجوع دون تفكيك لأسبابه العالمية وجذوره الحقيقية لن يجدي نفعًا؛ فسوف يزداد الأغنياء غنى وتغولًا، وسيزداد الفقراء ضعفًا وجوعًا، وسيفاجأ العالم في عام 2030م بتراجع معدلات النمو، وتفاقم المشكلات الإنسانية.