الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
لو سئلت الأمم باختلاف الزمان، والمكان، والديانة، واللغة: عن فاعلية الإنسان وإيجابيته، ثم جُمعت أجوبتها، ستكون واقعة تحت أصل واحد، ومجتمعة في معنى كبير، وإن اختلف التعبير عنه؛ ألا وهو «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
وقد وفق الله علماء الإسلام حين اعتبروا هذه الشعيرة سادس أركان الإسلام، وهي على التحقيق داخلة في كل ركن، فمن يدعو إلى التوحيد ويحمي جنابه، أو يحث على الصلاة، ويجمع الزكاة، ويعلم أحكام الصيام، ويؤكد على وجوب الحج، داخل تحت فعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولما لهذه الشعيرة من أثر كبير في الفعل والترك، ولأنها تجعل المجتمع وأفراده في حركة تفاعلية تبادلية، لكل واحد فيها موقع، وعلى كل نسمة واجب، وليس لأحد حصانة دونها؛ فقد تعرضت للحرب، والتشويه، والتنغيص.
فمن ذلك: منعها على اعتبار أن حريات الناس مكفولة، ومحاربة من يؤديها في شؤون السياسة والاقتصاد، ومجريات الإدارة والحكم، إلى درجة الزج بالمحتسب في السجون، أو إنهاء حياته بحكم جائر، أو بفعل طائش.
وقلصت تطبيقات الحسبة، وقصرت على الضعفاء، وحصرت في بعض الأعمال السلوكية، والمظاهر الخلقية، والمجاهرات التي تحرج الحكومات أو تنخر في شرعيتها، ومع أهمية ذلك، ووجوبه؛ إلا أنه جزء من كل ممنوع، ولا يغني وجوده عن المطالبة بالباقي.
ولم يسلم المحتسبون من الاستهزاء، والانتقاص، وكثرة الإجراءات التي تضايقهم في أداء هذه الفريضة، وتحول بينهم وبين إجابة أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد واللسان، فمن لم يستطع فلا أقل من تغييره بقلبه، وكرهه، وبغض فاعليه ومؤازريه ومانعي الاحتساب عليه.
لذا، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إعادة هذه الفريضة إلى حيث أرادها الله، شاملة لكل شأن، وواجبة على كل أحد، وحاضرة في أي وقت، وغير مقصورة على موظفين وإن خصص لها إدارة أو وزارة. ومن حسن الولاية التدريب عليها، فمن يُربى على رفض الخطأ، وطلب الصواب، لن يصبر على رؤية النقص دون أن يبدي رأيه المكفول له شرعًا.
ومن إصلاح التصور تجاه هذه الفريضة، أن يعلم المسلم أنه بإحسانه العمل، ورفضه الغش، ومطالبته بالإصلاح البلدي، والحقوقي، والمالي، والفكري، والإعلامي، والتعليمي، فإنه يدخل في عداد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الذين يسعون لحفظ دين الناس، وإصلاح دنياهم، بالطرق الشرعية الآمنة المؤثرة.