الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.. وبعد:
لا يزال رأس الكنيسة الكاثوليكية يجوس خلال الديار يدعو إلى نسيان الحروب التي كان سببًا فيها وإحلال السلام الذي يحاول أن يستثمره! وكان مما زار مؤخرًا بلاد البوسنة والهرسك التي يشكل المسلمون فيها 40% من عدد السكان.
العاصمة «سراييفو» التي كانت تعرف بـ«القدس الأوربية» جعلها البابا «قدسًا للغرب» كله، وقال في رسالة بعث بها إلى سكان سراييفو: «جئت إليكم لدعم الحوار بين الأديان، وقبل ذلك لتشجيع التعايش السلمي في بلادكم».
أما «بيترو بارولين»، وزير خارجية الفاتيكان، فقال: إن البابا يزور البلقان لتشجيع الحوار على أمل تعزيز الجانب الروحي لدى الكاثوليك. أي لتعزيز الكاثوليكية في المنطقة.
ويبدو أن التاريخ يأبى إلا أن يعيد بعض ماضيه، ففي الثامن والعشرين من يونيو عام 1914م قُتل الأرشدوق النمساوي فرنسوا فرديناند في سراييفو، لم يكن القاتل «جاڤريلو برنسيب» ذا علاقة بالحكومة الصربية، لكن مقتل الأرشدوق على الأراضي الصربية كان الذريعة المناسبة لتشعل الكنيسة الكاثوليكية الحرب العالمية الأولى وتدفع بتدخل النمسا الكاثوليكية في الأراضي الصربية.
لقد كانت الكنيسة الكاثوليكية تسعى لضرب الأرثوذكسية في قلب أوربا؛ كما علق الكونت سفورزا إبان الحرب العالمية الأولى قائلًا: «لأحد أن يسأل نفسه: لمَ تتبنى الكنيسة الكاثوليكية مثل هذا الموقف المولع بالحرب؟ والإجابة يسيرة جدًا: إن البابا ورجاله يرون في صربيا داءً فتاكًا استطاع شيئًا فشيئًا أن يخترق إلى نخاع المَلكية، وسينتهي بدوره إلى تفكيكها» (Pierre Dominique. La Politique des Jesuites, p. 247).
واليوم يزور البابا سراييفو بعد يوم من مقتل شرطي على يد «مسلم» ليدعو إلى مصالحة بين المسلمين والصرب والكروات، فماذا ستجنيه الكنيسة من حادثة القتل هذه المرة؟ الظهور بمظهر المصلح، بينما تسمّن القوى الكاثوليكية.
وحين نعود إلى زيارة البابا الأخيرة إلى بيت المقدس نرى أن من غريب التطابق بين موقف الكنيسة الرومية من القدسين (سراييفو والأرض المقدسة) أن يتحدث البابا في زيارتيه عن صراع مسلم - صربي وصراع مسلم - يهودي، بينما يطالب بحقوق الأقلية الكاثوليكية، لكنه لا يحدثنا عما أحدثته الكنيسة الكاثوليكية في الموضعين من ويلات، وكأنها ليست سوى رسول سلام.