الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وبعد:
فواجب كل من يتصدى للإصلاح في العالم الإسلامي أن يدرك أن الفساد المتجذر الذي تراكم لعدة عقود لا يمكن إزالته بسهولة على الإطلاق؛ وإنما يتطلب جهدًا كبيرًا، وعملًا دؤوبًا، وتوظيفًا أمثل لطاقات الأمة ومواردها البشرية والعلمية والمادية.
ومن أبرز متطلبات الإصلاح: السعي الحثيث لبناء وصناعة الروَّاد الذين يحملون ألوية التأثير والإصلاح في المجتمع.
نعم! العلماء والمفكرون الذين ينشرون العلم ويبنون الوعي كثيرون، لكن الذين يصنعون تجديدًا، ويحدثون تغييرًا، قليلون جدًا.
الدعاة والمربون الذين يبذلون الخير ويدعون إلى البر كثيرون، لكن قلَّة أولئك الذين ينتقلون بعلمهم من مرحلة الرتابة والأدوات المستهلكة إلى الخروج من المألوف، ويصنعون فارقًا حقيقيًا في المجتمع يتجاوز مرحلة الجمود التي أسرت كثيرًا من المحاضن الاجتماعية والتربوية!
الأمة أحوج ما تكون إلى العالم القائد، والمفكر القائد، والداعية القائد، والمربي القائد، والمؤسسة القائدة.. وهكذا، للوصول - بإذن الله - إلى الأمة القائدة التي تستنقذ العالم كله، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
وهذا لا يعني ازدراء الإنجازات المقدرة التي يحققها العلماء والمفكرون وغيرهم، لكن المقصود أنَّ الأمة بحاجة ماسة للقادة الفاعلين، الذين يتصدرون زمام الريادة في الإصلاح والتجديد ومواجهة الفساد. ويحفزون مَن وراءهم، ويستثيرون حمياتهم، ويوظفون طاقاتهم. وقد وصف الله - عز وجل - هؤلاء القادة بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَـمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. فالقيادة ليست منصبًا يوهب، بل منزلة تُرتقى، لا تنال إلا بالصبر واليقين!