الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه، وبعد:
لم يكد الثلث الأول من رمضان عام 1435هـ ينتهي، إلا بدأ اليهود حرباً على غزة أسموها «الجرف الصامد»، وردت المقاومة الإسلامية بـ «العصف المأكول» و«البنيان المرصوص». ولئن كان الخطب في غزة عظيماً على نفس كل إنسان حر بَله مسلم؛ فإن فيه من الخير ما ظهر وما ننتظره، وما عند الله خير وأبقى، وكم فيه من دلالات وكشوفات لم يعد الحديث عنها يفضح سراً، أو يهتك ستراً.
فمن دلالاته الواضحة: العجز الكبير لدولة يهود. ويظهر العجز جلياً حين نتصور المقاوم في مساحة ضيقة مكشوفة ومحاصرة، وبسلاح محلي الصنع محدود الأثر، ومع ذلك لم يستطع اليهود تحقيق مبتغاهم؛ فسعوا عن طريق وكلائهم لوقف الحرب بشروطهم كي لا يفتضح عجزهم العسكري، فالمقاوم ينشد النصر أو الشهادة، والمفاوض الفلسطيني يصر على شروطه ويرفض إملاءات الممالئ الغادر.
ومن كشوفاته التي لا تشرف أصحابها: تجلية أمر حلف النفاق العربي مع العداء اليهودي، فما كان في الماضي همساً يتناجى به أكابر المجرمين، أضحى في الحرب الأخيرة إعلاناً عبر منابر إعلامية حكومية أو محسوبة على دول بعينها، والأدهى والأمر وعود بمكاسب دبلوماسية مستقبلية يطأ بها اليهود مزيداً من أراضي العرب!
ومما أفادته الحرب أن أمة الإسلام مكبلة، وألَّا نهوض لها دون أن تستعيد بمجموعها وبأفرادها موقعها الحقيقي الذي أراده الله لها، وبه نالت الخيرية بإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع المجالات، ومن كل أحد، وبمراتبها المقدور عليها.
ولغزة أثر في رفع الوعي الشعبي العام، فما الذي يحنق اليهود على القطاع بالذات؟ ولِمَ يتآمر عليه جيرانه حتى قيل عن بعضهم إنه أشرس في عداوته من اليهود؟ وأين الذين يعلو ضجيجهم وتغلي مراجل نيرانهم لكن على أهل ملتهم وشعوبهم فقط، وأما العدو الحقيقي والمحتل البغيض ففي أمن وسلامة منهم أطول من تلك التي بُشر بها مربع؟!
وفي هذه الحرب برز للعيان أثر العقل المسلم حين يحمل همَّ قضيته وأمر دينه، فمن كان يصدق أن مقاومة الحجارة ستتطور إلى صواريخ وطائرات تصفر منها نذر العدو في قلاعه الحصينة؟ وهل شهد تاريخ المقاومة في فلسطين انغماساً في العدو؛ قتلاً، وجرحاً، وتدميراً، وأسراً، كهذا الذي شهدته الحرب على المقاومة الإسلامية؟
إن العدو الذي يقاتلنا بعقيدة دينية، وبقوة عسكرية، وتأييد دولي، وتواطؤ إقليمي؛ لا يجدي معه نفعاً غير مقاومة ترتكز على عقيدة صحيحة، وتبذل الأسباب في الإعداد والقوة، وتحسن الخوض في دهاليز السياسة، ومستعدة للحل العسكري إن لم تجد لمطالبها المشروعة قبولاً.