الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وبعد:
قد يتهاون بعض الفضلاء في الأحكام التي تصدر ضد الأفكار أو المناهج أو الشخصيات المنحرفة؛ فلا يدققون كثيراً في صحة الحكم وموافقته للحقيقة، أو في كون الحكم منصفاً عادلاً ليست فيه زيادة عما يستحق، بناءً على كون الحكم متجهاً أساساً ضد أناس مخالفين للشريعة ومتجاوزين لأحكامها، فمقصد تحذير الناس منهم وحماية المسلمين من ضررهم؛ أهم من العناية بدقائق صواب المعلومة أو صحة الحكم.
والحقيقة أن الاعتناء الشديد بصحة المعلومة التي نقولها أو ننشرها، والالتزام التام بالصرامة الموضوعية في العدل مع الأشخاص؛ هو الضمان الحقيقي لتحذير الناس من الانحراف وصيانتهم منه؛ فهو فريضة شرعية أولاً، والالتزام بفرائض الإسلام الضامن الحقيقي لصد الأفكار المنحرفة وحماية المسلمين منها، كما أنه ثانياً يقدم الحقيقة كما هي فيكون المتلقي عارفاً للباطل. أما حين يزاد في الموضوع فيضاف إلى الباطل ما ليس منه، ويحمل أصحابه ما ليس فيهم؛ فهذه الزيادة قد تكون سبباً لتقبّل الباطل وإحداث رد فعل عند كثير من الناس حين يحتكون بالباطل فيما بعد.
من ذلك مثلاً: أن يبالغ بعض الفضلاء في بيان سوء طباع الكفار وأخلاقهم ونظافتهم... إلخ، بما يهدف من خلاله إلى إيجاد بشاعة للكفر في قلوب المسلمين، وهذا المسلك قد يؤثر فعلاً في كثير من الناس، لكنه في الحقيقة يوجد إشكالاً لدى من يحتك بالكفار مباشرة، فيجد أن الصورة مختلفة تماماً أو أن ثمّ مبالغة فيها، ويغيب الجانب الأساسي في الموضوع وهو الكفر، فبشاعة الكفار هي في ارتكابهم الكفر، فهو أعظم ذنب عصي الله به، وهو تضييع لأعظم واجب وإهدار لأعظم غاية من الخلق، وهذه الشناعة لا تتغيّر فيما لو حسنت أخلاقهم أو كانوا لطيفين أو مبدعين في مجالاتهم.
كما أن الزيادة في الأحكام ولو كانت على مخالفين معاندين، أو التهاون في المعلومات المنقولة عنهم؛ سيفتح مجالاً للحديث عن هذه القضايا – غير الدقيقة - بما يشغل عن الموضوع الأساسي، فيكون الخطأ سبباً للتشغيب على الصواب.. والبركة في اتباع منهج القرآن: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨].