الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.. وبعد:
«خلافٌ بين روسيا وفرنسا على سبل وقف سفك الدماء في سورية...» عنوانُ خبر نشرته الـ BBC العربية بتاريخ 17 سبتمبر 2013م يعيد إلى الذاكرة خلافاً بين روسيا وفرنسا انتهى بما يعرف في التاريخ بـ «حرب القرم» (The Crimean War)؛ فكلا الدولتين اختلفتا حينها – وما زالتا تختلفان – على نصيبهما من جسد الأمة الإسلامية.
كان سببُ حرب القرم الرئيسُ هو الخلاف على حماية القدس – التي كانت حينئذ تحت حكم العثمانيين – وحقوق النصارى فيها؛ إذ كانت روسيا تنافح عن أتباعها من النصارى الأرثوذكس، بينما تولت فرنسا الكاثوليكية الدفاع عن حقوق الكاثوليك؛ أما الدولة العثمانية فكانت «رجلاً مريضاً جِدُّ مريض» كما وصفها الإمبراطور الروسي نيقولا الأول.
تحركت جحافل الروس قاصدة القسطنطينية (إسطنبول) –عاصمة الروم البيزنطيين الأولى قبل أن تنتقل إلى موسكو–، لتضمن وصايتها على الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، والتقت جيوش العثمانيين، فلما رجحت كفتهم على كفة العثمانيين تدخَّلت فرنسا وبريطانيا إلى جانب العثمانيين. هل كان ذلك حباً في نصرة الحق وأهله؟ كلا، لكن لئلا تنهش دِببة الروس جسد الدولة العثمانية فلا تُبقي للكنيسة الرومية الغربية شيئاً؛ حينها تراجعت روسيا وانتقلت مقاليد كنائس القدس إلى الفرنسيين والكنيسة الرومية الكاثوليكية.
كتب رئيس أساقفة باريس معلقاً على الحرب فقال: «إن حرب القرم، بين فرنسا وروسيا، ليست حرباً سياسية، دولة تقاتل دولة، أو شعب يقاتل شعباً؛ إنما هي حرب دينية، حملة صليبية...».
فهل تعلّم المسلمون درساً من تاريخ تلك الحقبة؟ إن كثيراً منهم لم يسمع بحرب القرم، فضلاً عن أن يتعلم من دروسها شيئاً! إن الروم بشقيها الشرقي (روسيا) والغربي (أوروبا وأمريكا) يتنازعان بلاد الشام منذ أكثر من عامين أيهما ينال نصيب «الأسد»، فهل ستظل الحكومات العربية كالأيتام على موائد اللئام؟ ألا ليت المحللين (والمحرمين) السياسيين تنحوا جانباً ليتركوا للتاريخ وصف الواقع الذي يعيد نفسه كثيراً.