الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه، وبعد:
يوجب سيلُ المعلومات والمستجدّات مزيداً من العناية بمناعة الإنسان ووعيه، دون الاكتفاء بما يفرضه المجتمع، أو تستلزمه التجمّعات من ضوابط؛ فالمرء يواجه المواقف بشهواتها وشبهها وحده غالباً!
فالمناعة تزيد بتعظيم المراقبة وعبودية المراغمة حتى يصل العبد لمرتبة الإحسان، ويستوي حاله في خلوته وجلوته. ومن تعزيز المناعة العناية بعبادات القلب؛ فالمخلص لا يرائي، والمحب لا يعصي، والمتوكل لا يهاب.
وإن التساقط في وحل المعصية، والانجرار لخلافات ليس لها ما يسوغها وكان يمكن وأدها في مهدها لو سَلِمت النفوس من أوضارها وصفت النوايا من أوشابها؛ كل ذلك يعلي من شأن التربية الإيمانية، ويزيد من أهمية رفع مستوى المناعة الذاتية.
وأما الوعي فينجو به الإنسان من مضلات الفتن وجنايات الهوى، ويسلم من آثار قصور النظر واحتجاب بعض الحقيقة، ويحمي نفسه من الوعي الزائف، ولو لم يكن في الوعي إلا حفظ النفس من أن تكون مطيَّة لظلم أو جسراً لفساد أو معبراً لفرقة؛ لكفاه.
ويتحقق الوعي بإصلاح طرائق التفكير والاستنتاج. ومن سبل رفع الوعي التنبّه للألفاظ والمصطلحات، والتحرز من التعميمات التي توقع في شَرَكِها من يصدق كلاماً ينقصه التحقيق أو الدليل.
ويرتفع الوعي بمعرفة التاريخ وحوادثه، والنظر في الحاضر ووقائعه، والتبصّر للمستقبل ومآلاته. ومن خير ما يعين على الارتقاء بالوعي الإلمام بالمسلّمات الشرعية، والإحاطة بالسنن الإلهية في الكون والأفراد والأمم.
وإن النظر في القرآن الكريم، وتدبّر آياته؛ مما يحصّن الإنسان من الزلل ويرفع مستوى الإدراك، حتى تفتح الآية الواحدة لمتدبرها أبواباً من التوفيق ما كان ليصل إليها بيسر لولا هذا الكتاب الميسِّر للذكر.
وكم نحن في حاجة لربط أنفسنا وأجيالنا بالقرآن والسنة وعلومهما وأحكامهما، فإن الدعوة لا تبلّغ كمالاتها وتصل إلى ذروة رشدها دون التصاق علمي وعملي بهذين الوحيين الشريفين، وما اللمعان الذي يبدو على الثقافة الغربية إلا كبرق خلب لا ينعش فكراً ولا يحيي قلباً.
وما أسعد الأمة بجيل تربّى على ما يحقق فيه المناعة ضد الشهوات والشبه، والوعي من المكائد والخدع؛ فالعدو متربص بالكبار فضلاً عمّن دونهم، وقد مكروا مكراً كبّاراً لا يحسن معه إلا العمل الدؤوب في تربية النفوس وإصلاحها وربطها بما عند الله، فما عنده خيرٌ وأبقى.