الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
حزب النهضة التونسي يتقدم في الانتخابات!
حزب العدالة والتنمية المغربي يحقق نتائج غير مسبوقة ويتولى أمينه العام رئاسة الوزراء!
حزبَي الحرية والعدالة والنور في مصر يكتسحان الانتخابات المصرية ويتجاوزان جميع الأحزاب الليبرالية العريقة!
يا الله! هل ستتحول البلاد العربية إلى عربستان جديدة تُحكَم بعقلية القرون الوسطى، ونسقط في بحر التخلف؟
هكذا هو المشهد العربي كما يرسمه الإعلام الليبرالي، حالة من الفزع والقلق أفقدت الليبراليين توازنهم الفكري والأخلاقي؛ فالأحزاب العَلمانية التي كانت تبشر بالديمقراطية وتدعوا إلى الاحتكام على صناديق الاقتراع، ها هي ذي تدعو إلى حماية الديمقراطية من الإسلاميين لأن الشعوب العربية ليست ناضجة بدرجة كافية، ولا تستطيع أن تحدد خياراتها بوعي!
لقد كشفت الانتخابات العربية عن معركة ثقافية وفكرية تلبس لبوس السياسة، اصطفت فيها الأحزاب الليبرالية واليسارية والأقباط في صف واحد لمواجهة (الإسلام الظلامي)، واللافت للنظر أنَّ السفارة الأمريكية في القاهرة تجاوزت الأعراف الدبلوماسية ودعت صراحة من تسميتهم بأصدقاء أمريكا لمواجهة تداعيات تصدُّر الإسلاميين للمشهد السياسي! وليس لهذا تفسير إلا قول المولى - جلَّ وعلا -: {وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 202] .
وإليكم أمثلة من مناحات بعض الليبراليين في مصر:
كتب أحدهم في جريدة الأخبار: (ينتظر الأدبَ والفنَّ وروحَ مصر وحضارةَ مصر وتاريخَ مصر وآثارَ مصر فتـرةُ ظـلامٍ لا يعرف إلا الله مداها)، وكتب آخر في الجمهورية المصرية: (إذا تركنا الأمور مـائعة فسيصبح الوطن ريشة في مهب الريح؛ سنرى مهازل ومساخر، سنرى حكومات تتساقط كورق الخريف من أجل فيلم رأى البرلمان أنه إباحي، ومن أجل لوحة تشكيلية رأى أنها بورنو، ومن أجل كتاب أو رواية قليلة الأدب، ومن أجل نقاب أو حجاب أو حفل راقص، وقرارات بإلغاء اتفاقيات وطرد سفراء. لقد كانوا يقيمون الدنيا ويقعدونها من أجل ذلك كله وهم خارج البرلمان وخارج المنظومة السياسية كلها؛ فماذا سيفعلون وهم أغلبية برلمانية؟ بالتأكيد سيُقعدون الوطن ولا يقيمونه أبداً).
ويزداد الفزع خصوصاً من السلفيين؛ فأحد مفكري مصر يكتب في موقع قنطرة الألماني قائلاً: (خصيصة أخرى في الشأن المصري هي البزوغ اللافت لقوى التيار السلفي، هذه القوى التي لا تحترم التعدُّد أو أبسط قواعد السياسة من تقبُّلٍ للآخر، والتي هي نتاج للتربية الأمنية لعصر مبارك؛ حيث درَّبها على استهداف خصومه، ستدخل البرلمان بعاصفة من الأفكار القمعية والاستعبادية، وهي حالياً تلقى التدليل من المجلس العسكري وكلِّ المسيسين، وهم كما عبروا جهاراً نهاراً سيحرقون الأخضر واليابس لو لم يحققوا رؤاهم الظلامية ضد المجتمع، هؤلاء هم الخطر الأكبر بين قوى الإسلام السياسي).
إن تتبُّع هذا المناحات التي تضج بها وسائل الإعلام العربية ستجعلنا نقف أمام ظاهرة صوتية مكلومة لا تجيد إلا فنون التحريض والإقصاء.
إن البلاد العربية مقبلة على مرحلة إستراتيجية لها أثر عميق في تغيير البنية السياسية والفكرية التي جعلت من بعض دولنا دولاً فاشلة تتراجع إلى ذيل القائمة. وقد آن الأوان أن يدرك الإسلاميون أن معركتهم الحقيقية ليست معركة انتخابية، بل إنَّ مسؤوليتهم الحقيقية إنما هي في تجديد الهوية واستنقاذ البلاد من التخلف والتردِّي، ثم إعادة البناء والانطلاق نحو النمو والازدهار الفكري والحضاري والتقني والاقتصادي.