من النادر جدًا أن تكون الأحداث الكبيرة خالية من مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة، ويمكن إجراء هذا الحكم على الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت جالبًا معه الموت والدمار والخسائر وفواجع محزنة، وفاتحًا الباب أمام التكهنات بجميع الاتجاهات.
فبعده مباشرة أشارت أصابع الاتهام نحو أطراف عديدة، قريبة أو بعيدة، ذات مصالح ووكلاء في لبنان سواء أكانت ظاهرة أم خفية، وأحدث بعض المعلقين مسارات أخرى لتفسير الحدث ما بين اعتداء خارجي بآلة حرب، أو إهمال متعمد من حكومة لا تحمل صفة المسؤولية الرشيدة، وأيًا كان فوفرة الاحتمالات تدلل على كيان عليل تتناوشه البلايا من كل ناحية!
ومع أننا نسأل الله للبقعة العزيزة في لبنان وفي جميع بلدان العالم المسلم والمسالم أن ينعموا بالسلامة والسلم والأمن إلّا أنه يجب ألّا نغفل عن جميع الاحتمالات، وأن نورد جميع التساؤلات؛ كي لا تتكرر هذه المأساة في نفس المكان أو في غيره من المواقع القريبة أو البعيدة؛ حتى لا تغدو الموانئ العربية والإسلامية على موعد مع المفاجآت التي قلّما تكون سارّة.
لذلك لا يزال السؤال قائمًا عن تلك الكمية المهولة من المواد المتفجرة، وكيف أودعت في المكان ولصالح من، وأين ذهب أكثر الكمية المعلنة، ولماذا بقي مقدار منها في موضعه لمدة طويلة مع اضطراب المنطقة، ورخاوة القبضة الأمنية فيها، وهشاشة الحكومة التي ما إن تقوم حتى تسقط لضعفها السياسي والاقتصادي.
كما يلفت النظر سرعة الأطراف المتنافسة أو المتنازعة إلى تبرئة ساحتها أو رمي التهمة صوب غرمائها، وكذلك تقاطر الدول إلى لبنان على اختلاف مساعيها من راغب في العون مع تحقيق مصالحه، ومن راغب في عون لترسيخ أقدامه، ومن مريد لنوع من الاحتلال تحت ستار معونة مشترطة أو مقيدة، وأثبتت بعض المنظمات الإقليمية أنها بلا حقيقة ولا حياة ولا حياء!
أما السؤال الأهم فهو إلى متى ستظل منطقتنا وأمتنا العربية والإسلامية مسرحًا لأحداث لا نستيقن من المحرك لها، ولا نرى الفاعل في التعاطي مع نتائجها سوى الأجانب البعداء ذوي التاريخ القاتم من القهر والقتل والاحتلال؟ وهل سيعقب الانفجار وما تلاه من فجور في العداء، وفجور في التضليل، وفجور في الدموع الكاذبة، فجر صادق تبزغ أنواره لتطرد المرتزقة والسراق ومن يستخفي بالظلم والظلام؟!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
@ahmalassaf
الجمعة 24 من شهرِ ذي الحجة عام 1441
14 من شهر أغسطس عام 2020م