الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
اللغة العربية ليست كأي لغة لا في مفرداتها ولا تكـوين الجملة فيها، في بلاغتها نغمة نعيم وفي آدابها منطلق الحضارة، نحوُها قواعد أسست على منطق عجيب لا يدركه إلا من تدبَّره، ومِن قبلُ قال التوحيدي في الـمُقابسات: «وبهذا يتبين لك أن البحث عن المنطق قد يرمي بك إلى جانب النحو، والبحث عن النحو يرمي بك إلى جانب المنطق، ولولا أن الكمال غير مستطاع لكان يجب أن يكون المنطقي نحويّاً والنحوي منطقيّاً».
تأمل معي هذه المشاهد الحضارية في منطق قواعد لغتنا العربية.
فالفاعل دائماً مرفوع، ذلك أن القائم بالفعل حقه الرفع بين الناس، والأمة القائمة بالعمل حقها الرفعة بين الأمم.
والمفعول حقه النَصَب، والنصب في اللغة التعب، وهذا قَدْره في الحياة، وقَدَرُه من الدنيا. وتلك مكانة من انتظر غيره أن يقوم بالفعل واختار لنفسه مكانة المفعول به.
وترى الحيوان الكبير منكسراً يجره طفل صغير، والأمة المجرورة منكسرة مهزومة، فكل مجرور مكسور.
والمعرفة حقها الابتداء والتصدر، والنكرة تُؤخِّر لجهالتها. وصِلِ الخيطَ على استقامته سترى في قواعد العربية من المنطلقات الحضارية ما لم تره في لغة غيرها ولن تراه.
ومع ذلك ترى من معلمينـا من يجهـل منطـق لغتنا، ودورها في تربية الأمة، وترى تنافس بعض المسلمين على تعليم أولادهم اللغات الأجنبية بغية إبراز تحضرهم وهو النكوص لو فقهوا! وصدق من قال: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُنْبِتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي المرُوءَةِ».