الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن سُوق الدعوى واسعة سعة الأرض وما فوقها، وسَوقها أمر يسير على من يجيد صنعة الكلام، بَيْدَ أنها تضيق ويُحرَج صاحبها حينما تجابَه بالحجة أو الدليل الماثل عياناً، ومن المؤسف أن تقبل بعض العقول تلك الدعاوى دونما فحص أو اختبار أو مقارنة بحاضرٍ مشاهَد، أو مع تاريخ مضى وآثاره مستمرة.
ومن أكثر الدعاوى التي تواجَه بها أمة الإسلام في ثقافتها وبلدانها وأفرادها، وتسعى لتنقيص قيمة حضارتنا، وإلحاق الوهن والهزيمة النفسية بأجيالنا، تلك المرتبطة بحقوق الإنسان وهي على قسمين: الأول يَصِمنا بإهدارها، والثاني يحتكر المحافظة عليها ورعايتها للغرب، وما أوقح من يقول بهما فضلاً عمَّن يصدقهما.
أما الأول فيمكن نقضه بالرجوع إلى نصوص شريعتنا، وتطبيقات عهود المسلمين الباهرة في العصر النبوي والراشدي فما بعدهما إلى أن ضعفت قوة المسلمين وأصبحوا في حال ضعف وانزواء، ومن الملاحظات المهمة أن حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي صدرت في اليوم العاشر من الشهر الثاني عشر عام (1948م)، بينما سبقها الإعلان النبوي في حجة الوداع في اليوم التاسع من الشهر الثاني عشر للعام العاشر من الهجرة، وبينهما ألف وأربعمئة سنة لصالحنا!
بينما ينهار الادعاء الثاني بمتابعة سجل الدول الغربية في الحروب والإبادة والنهب، وسطوتها على الضعفاء، وسكوتها عن جرائمَ التعذيب والتخريب مقابل مصالحَ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ، وتزداد دعواهم قبحاً حينما نرى جهودهم الحثيثة لمساندة حقوق حيوانات بعضها مستقذرة، أو الدفاع عن توجهات قبيحة لنصرة الشواذ أو إفساد المرأة والأسرة، فما أكذب أوجاعهم المصطنعة!
وحقيقٌ بالمسلم ألا يفقد اعتزازه بأحكام دينه التي اكتملت ورضيها لنا ربنا حتى قيام الساعة، وجدير بنا ألَّا ننساق بغرور وعَمَه مع هذه الادعاءات؛ فتجاربنا مع الغرب أو الشرق الكافر حين يكون قويّاً أو مسيطراً تؤكد أنهم لا يرقبون فينا إلّاً ولا ذمة، وأن العهود والمواثيق معنا أرخص عليهم من المناديل المستعملة حين تناقض مصالحهم.
ألا ما أكذب الغرب وأشد تناقضه حين يحتفي بإجراء يسير يتوافق مع منظومته القيمية العوجاء، ويصمت عن براميلَ متفجرةٍ، وتجويع طويل، ومعتقلات كبرى، وظلم متزايد، وحروب طاحنة، وانتهاكات تُدمي القلوب؛ بَيْدَ أن أولئك المجرمين يشاهدون، ويؤيدون أو يسكتون، وفوق ذلك يستثمرون في البيع والشراء والمواقف لتحقيق مكاسبهم، وإنجاح مساعيهم، ولو ذهبت حقوق الإنسان الحقيقية إلى قَعْرٍ لا قاع له.