الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
انتشر على وسائل التواصل مؤخراً حديثٌ عن «وثيقة كامبل» التي تمخضت عن مؤتمر للدول الاستعمارية عقد في لندن بين عامَـي (1905 - 1907م). كان من أهم توصيات هذا المؤتمر الذي دعا إليه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك «هنري كامبل بنرمان»؛ محاربةُ أي توجُّه وحدوي في العالم الإسلامي. ولتحقيق ذلك «دعا المؤتمـر إلى إقامـة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي ويحُوْل دون تحقيق وحدة هذه الشعوب» كما تؤكد المصادر العربية العديدة.
ليس غريباً تآمر الدول الصليبية على أهل الإسلام، لكن الغريب في الأمر أن المصادر الأجنبية لا تذكر هذه الوثيقة على الإطلاق ولو على سبيل الإشارة. والقِلة التي أشارت إليها تحيل إلى مصادر عربية، وهو ما يعني أن المصدر عربي الأصل على الأرجح!
يذكر الدكتور محسن محمد صالح (مدير عام مركز الزيتونة للبحوث) في مقالٍ له حول هذه الوثيقة، أنه تتبَّع أثرها فما ازداد إلا شكّاً في مصداقيتها. ثم أشار إلى قصة بحث الدكتور أنيس صائغ عن هذه الوثيقة في مكتبات بريطانيا ومخطوطاتها شهراً كاملاً، فلم يهتدِ إليها. فلما عاد إلى العالم العربي دُلَّ على أول من أشار إليها في كتاب منشور، وهو الدكتور أنطون كنعان. ولما سأل أنطونَ عن مصدره قال له إنه في إحدى رحلاته إلى لندن التقى في الطائرة رجلاً هنديّاً ذكر له أن قرأ ذات مرة عن مؤتمر عقد في عام 1907م يخطط لتقسيم العالم العربي. وهنا وصل الجميع إلى طريق مسدود؛ فلا أحد يمتلك دليلاً على صحة هذه الوثيقة!
لقد علَّق أحدهم قائلاً: إن مصداقية الوثيقة أمرٌ ثانوي لأن الواقع يُصدقها. لكن الحق أحق أن يُتَّبَع، والغيرة على الأمة لا تبرر الإرجاف بما يَثبت وما لا يَثبت، ومَن ادعى أمراً فعليه البيِّنة، ومن نقل قولاً فَلْيُسمِّ رجاله، فأمتنا أمة تحقيق.