الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
ما أعظم دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ديناً قيماً حنيفاً، وكم في تعاليمه من كمال وسمو لم يبلغه دين سماوي قبله، فضلاً عن هرطقات أهل الأرض ولو اجتهدوا، وتضافروا، وتظاهروا، لإنتاج نموذج يضاهي ما لدينا.
ومن بركات هذا الدين أنه يستلزم الحضارة، ويوجب التقدم في ميادين كثيرة لا تخفى إلا على من أصيب في فهمه وعلمه، والآيات الباهرة، والأحاديث الشريفة، والأحكام الواضحة، خير دليل على ذلك.
فأركان الإسلام جميعها تستلزم نوعاً من الحضارة والإنتاج، فكيف سيبلغ دين الله للناس قاطبة وقد انتشروا، وتكاثروا، إلا بوسائل تصل إليهم حيث كانوا، وتنبئهم عن دعوة الإسلام بلسانهم، وبالطرق التي يعونها.
وكيف سيصلي المسلم وهو مأمور باستقبال القبلة، وستر العورة، ولن يفعل ذلك إلا من خلال أجهزة وصناعات ومخترعات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا كان غيرنا يبدع سباقاً على الدنيا فقط، ففي ديننا بواعث كثيرة على الإبداع.
ولا يستطيع المسلم إخراج زكاته دون حساب مالي دقيق، بل إن أصل الزكاة دافع لمزيد من الابتكار والإنتاج، وممارسة البيع، والشراء، والتسويق، والصناعة، وغير ذلك. ويرتبط مع الصيام معرفة الأوقات، والبراعة في الطب، وتأمين الماء والغذاء، ومثله أداء فريضة الحج التي تستلزم وجود الزاد والراحلة، ونحن أمة مأمورة بالتزود ونفي التواكل.
ولا يقوم للجهاد سوق دون عدة وعتاد، ومن أسف أن تكون أمتنا بعيدة عن فنون الصناعة العسكرية؛ وهي أمة ذروة سنام الأمر فيها الجهاد، وهي مأمورة بإعداد القوة وترهيب الأعداء، والدفاع عن الدين والعرض والبلاد واجب لا محيد عنه، ولا يكون من غير استعداد وتأهيل.
وفي مسيرة الأمة الطويلة للفتوح والجهاد، لم تقتل غير مقاتل، ولم تحرق أو تهدم لغير الدواعي الحربية المؤقتة، وعمرت البلاد التي دخلتها، ونقلت إليها حضارتها ومعارفها بلا منة ولا غش، فأي أمم الدنيا تفعل كما فعل المسلمون في أزهى عصورهم؟!