الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
من سنة الله في خلقه أن الكفار ليسوا على درجة واحدة في عدائهم للإسلام، ولا في التزامهم بالمبادئ، ولا في اتصافهم بمكارم الأخلاق، فهم يتباينون كثيراً في هذه الأمور، وهذه من سنة الله في خلقه أن يحدث فيهم مثل هذا الاختلاف والتباين.
ولهذا، فقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سياسته مع الكفار أنه يراعي مثل هذا الاختلاف بحسب حال الشخص، فبعض الكفار أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، بينما قال في غيرهم يوم أسرى بدر: لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له. ونهى الصحابة رضي الله عنهم عن التعرض لأبي البختري بن هشام يوم بدر مع أنه كان خارجاً مع كفار قريش.
إنها سياسة شرعية كلها عقل وحكمة في وضع الأمور في مواضعها، ومعاملة كل إنسان بحسبه، فاتفاقهم على الكفر لا يعني تساويهم في الصفات والأخلاق والعداء، وهذه سنة صالحة لكل زمان ومكان، فلئن وجد في بلاد الشرق والغرب من يحمل العداء الشديد للمسلمين، ويسعى للإضرار بهم، ولا يبالي بما يرفع من شعارات الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، فثم من هو صادق في التزامه بمبادئه ولا يرضى بأي انتهاك للحقوق.
وهذا يستدعي ضرورة التمييز التفصيلي في الجانب النظري والعملي، وأن لا نعامل القوم معاملة متساوية لا تميز بين الاختلافات الموجودة، ولا أن تعمم تصرفات بعضهم على الجميع، بل لا بد من قراءة واعية فاحصة تميز الاختلافات الموجودة، وآثارها على الواقع، بما يسهم في اختيار الموقف الرشيد في التعامل معهم بما يحقق المصلحة الشرعية للإسلام وأهله، ولن يتحقق هذا بدون التزام بنهج الشريعة في العلم والعدل، علم يقوم على معرفة حقيقية تامة بواقع الحال، وحكم منصف موافق للحق.