الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، وبعد:
بعد نحو ستة أشهر من محاولة اغتيال جسدي للرئيس الفنزويلي مادورو عن طريق طائرة مسيرة محملة بالمتفجرات أثناء احتفال عسكري دشنت محاولة جديدة للتصفية السياسية جرى التنسيق لها على أعلى مستوى داخلياً وخارجياً، فبعد دقائق من إعلان رئيس البرلمان خوان قوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد أعلن الرئيس الغارق بالمشاكل الداخلية دونالد ترمب الاعتراف الرسمي به رئيساً.
وفي مؤشر على مدى التبعية لأمريكا تتابعت الاعترافات، حيث بدأت من أمريكا الجنوبية من البرازيل والأرجنتين وبارغواي وبيرو، وتبعتها كندا والمفوضية الأوربية، ومع تباطؤ التأييد أعلنت جورجيا في الطرف الآخر من الأرض اعترافها. ولكن المكسيك وكوبا أعلنت تأييدها للرئيس، ومن الطبيعي أن دولاً مثل روسيا وتركيا والصين رفضت ما وصف بالانقلاب الأمريكي.
هنا دخل البلد في منعطف جديد، فمع اندلاع المظاهرات المؤيدة للطرفين كان رد الجيش على طلب أمريكا من الجيش والأمن دعم الديمقراطية وحماية المدنيين أن أعلن قائد الجيش أن «جنود الوطن لا يقبلون برئيس مفروض في ظل مصالح غامضة أو أعلن نفسه رئيساً بطريقة غير قانونية».
ومع إعلان الرئيس قطع العلاقات مع أمريكا، هدد وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو باتخاذ إجراءات مناسبة لملاحقة كل من يعرض دبلوماسيي بلاده في فنزويلا للخطر، معتبراً أن الرئيس نيكولاس مادورو لا يمتلك سلطة قطع علاقات بلاده مع واشنطن. إنها إشارة لاحتمال التدخل العسكري المباشر بعد فشل مبكر لمحاولة عزل الرئيس، وهو ما فهمته روسيا التي حذرت من نتائج كارثية.
يبدو من تتابع الأحداث أننا على وشك الدخول في حلقة من الصراع الدموي وعودة الحرب الباردة، وأن فنزويلا ومثيلاتها من دول جنوب أمريكا مقبلة على خيار صعب، فإما أن تعود للتبعية التامة أو تنتقل إلى تثبيت خيار الاستقلال، وهو خيار مكلف، إذ يبدو أن أمريكا مقبلة على حملة للحفاظ على سيطرتها العالمية وستبدأ بحديقتها الخلفية، تحت شعار: «عودوا إلى أحضاننا أو تدوسكم أقدامنا»!