الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
يدعوُ كثيرٌ من المعاصرين إلى ضرورةِ استبدالِ مصطلحِ «العلمانيةِ» بمصطلحاتٍ أخرى أخفَ إشكالاً، حيث يمكنُ من خلالِ المصطلحِ الجديدِ إعادةُ إنتاجِ الفكرِ العلمانيِّ مع التخلصِ من الحمولةِ البغيضةِ التي تحملُها العلمانيةُ.
هذه الدعوةُ تترجمُ لك عن بركةِ الجهودِ العلميةِ المعاصرةِ في التصدي للعلمانيةِ، ونقضِ أصولِها، وكشفِ مصادمتِها للإسلامِ، بما عَمُقَ في النفوس من رفضِها، حتى أصبحت فكرةً منبوذةً بغيضةً ينفرُ منها عمومُ الناسِ، ويخشى كثيرٌ من أصحابِها من الانتسابِ إليها، ولا يتحدثُ عن ذلك إلا بعدَ مقدماتٍ طويلةٍ احترازيةٍ ليضمنَ أن يخرجَ سالماً من جحيمِ هذا التشويهِ.
هذا الأمرُ يكشفُ لك في سنةِ الصراعِ بين الحقِ والباطلِ أمرين:
1- أهميةُ بيانِ العلمِ، وبركتُه في إظهارِ الحقِ ليكونَ بيّناً يعرفُه الجميعُ.
2- ضرورةُ الاستمرارِ في البيانِ ونشرِ العلمِ وعدمِ التوقفِ عن ذلك بسببِ أن هذا أصبحَ معروفاً وشائعاً، فقد تنشأُ أجيالٌ يخفى عليها حقيقةُ الصراعِ مع العلمانيةِ، ولم تشهدْ ما شهدَه مَن قبلَهم من ضلالاتٍ وانحرافاتٍ بيّنةٍ للعلمانيةِ، فلا بدَّ أن يستحضرَ العلماءُ والدعاةُ والمثقفون وكلُّ غيورٍ على الدينِ أهميةَ الاستمرارِ في البيانِ ونشرِ العلمِ وتوضيحِ المشكلاتِ.
لا بدَّ في الصراعاتِ الفكريةِ المعاصرةِ أن نعملَ على ما يمكنُ أن نسميه «المذاهبَ الفكريةَ من الصفرِ»، فنعاملَ كلَّ قضيةٍ فكريةٍ وكأنها نشأت حديثاً ولا يُعتمدُ على ما سبقَ من بيانٍ وانتشرَ من علمٍ في ما مضى، بل يستأنفُ الصراعُ مع كل مذهبٍ واتجاهٍ فكريٍّ من جديدٍ، ببيانِ أصولِه الفكريةِ، وآثارِه المنحرفةِ، وموقفِه من قطعياتِ الشريعةِ، والردِّ على أي شبهاتٍ جديدةٍ، مع التأكيدِ على محكماتِ الشرعِ، وفقَ خطابٍ علميٍّ موضوعيٍّ مقنعٍ، حتى لا تنشأَ أجيالٌ تتأثرُ بمثلِ هذه الاتجاهاتِ الفكريةِ المنحرفةِ بسببِ فتورٍ عن بيانِ العلمِ وضعفٍ في تمييزِ الحقِ من الباطلِ.