الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
ما أن يولد طفل مسلم، حتى يصبح مداناً لدى كثير من الشيعة بتهمة قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، مع أن المسلمين وأهل السنة والجماعة على وجه الخصوص يستنكرون قتله، ويسترجعون للمصاب، ولا يحظى القتلة ومن خلفهم بمكانة لديهم!
ويكاد جماهير الناس وخاصتهم في أوربا وأمريكا أن يشعروا بالخزي والمهانة من مذابح النازية التاريخية المعروفة بالهولوكوست، مع أن الدراسة المحايدة تثبت وقوعها لكنها تنفي مبالغات اليهود، والأهم من ذلك أنها وقعت على غيرهم في الوقت ذاته!
وتطل حوادث معاصرة منسوبة للمسلمين برأسها بين فينة وأخرى، مثل تفجيرات القطارات، والملاعب، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتظهر العالم الغربي ضحية لجماعات تنتسب للإسلام، وتمارس الغلو، أو الحمق، وربما تقاد من دوائر خفية وهي تعلم أو لا تعلم!
بينما تعرض المسلمون لإبادات شنيعة، وما زالت آلة التدمير وسفك الدماء تلاحقهم، فبلادهم ساحة للحروب، ومكان لنزال القوى، وتجريب الأسلحة، أو التخلص منها، هذا غير الاحتلال البغيض الجاثم فعلاً أو حكماً على ديارهم.
وينضاف لذلك، نهب ثروات المسلمين، وأموالهم، والعبث بكل ما حباهم الله به من أراض، ومياه، وآثار، وكنوز، وتحويل ديارهم إلى سوق استهلاكية لمنتجاتهم، أو منجم لعمالة رخيصة، وفوق ذلك تصبح حقوق الإنسان ومواثيقها سلاحاً بيد الأقوياء، يشهرونه في وجه أمتنا متى شاءوا لخلخلة تماسكها، وإذا كانت الأمة هي المستفيدة من هذه الحقوق تناسوها كأن لم تك شيئاً مذكوراً.
ومع العدوان الجسدي والمادي، تعاني الأمة من هجوم آثم على رموزها المقدسة، وثقافتها العميقة، وحضارتها النبيلة، وتشويه متكرر لمفاهيمها، وقيمها، ورجالاتها، وقد يضج العالم من كلمة تحتمل عداءً للسامية؛ بينما يصمت عن إيذاء مليار مسلم بالافتراء على كتاب ربهم ودينه ورسوله.
ولسنا في سياق التباكي، أو استدرار المدامع، فقدر الأمة أن تعود إلى نفسها، لتصحح تصوراتها عن تاريخها، وثقافتها، ومفاهيمها، وتستقي المعاني الصائبة من مصادرها الشرعية، وتجعلها حاكمة على مخرجات كل ثقافة وحضارة، وأساساً يُقاس عليه.
وإنه لمن الخسران المبين، أن يجعل المسلم حضارة الآخرين أصلاً يحاكم أي شيء بموجبه، وينسب غيره إليه، بينما مكان الصدارة للقرآن العزيز، والسنة المنيفة، والسيرة الزكية، واجتهادات الصحابة وأكابر علماء الملة، فإليها المرجع، والقول الفصل.
وإذا صلحت مفاهيمنا، وارتقى وعينا بذاتنا، فعلينا بناء روايتنا، وصناعة سرد للأحداث، وتكثيف هذه الرواية داخل أوساط المسلمين، كي يقتنعوا بها، ويتحصنوا من دعاوى أهل الكفر والابتداع، ويسلموا من زورهم وإفكهم، وبعد ذلك يمكن تصديرها للآخرين، وتقويم ما يشاع، أو تقليل انحرافه على الأقل.