من عجائبِ هذا الزمانِ سرعةُ تناقلِ الأخبارِ والأفكارِ عبرَ وسائلِ الإعلامِ والتواصلِ الحديثةِ، لكنها أصبحتْ عاملَ تسطيحٍ وتعميةٍ. وبرغم أن التنوعَ في الشعاراتِ والأسماءِ مَظَنَّةُ التنوعِ في الطروحِ لكنْ عندَ التدقيقِ تكتشفُ أنها تحتَ سيطرةٍ شبهِ كاملةٍ من جهاتٍ محدودةٍ، ولذا تجدُ أن هناك إغراقاً بطرحٍ معينٍ أو بخبرٍ ما، بينما تلاحظُ حجبَ هذا الفضاءَ أمامَ طرحٍ آخرَ، وقد تجدُ خبراً خطيراً يمرُ وكأنه شهابٌ سرعانَ ما ينطفئُ ولا تجدُ له أثراً في هذا الفضاءِ الواسعِ.
ولم يعدْ سرّاً أن الإعلامَ تحولَ إلى أداةٍ متوحشةٍ لصياغةِ الرأيِ العامِّ وتوجيهِه وقيادةِ الشعوبِ بلا وعيٍ منها في اتجاهاتٍ شتى، ولنأخذْ مثالاً حيّاً يهمنا وهو أحداثُ الحادي عشرَ من سبتمبرَ وما تلاها، فقد تم تسويقُ روايةٍ وحيدةٍ وهي الروايةُ الأمريكيةُ، وتحتَ شعارِ محاربةِ القاعدةِ والانتقامِ للعملِ الإرهابيِّ تمَّ غزوُ أفغانستانَ والعراقِ، وبدلَ حصارِ القاعدةِ نجدُ أنها توسعتْ في الجزيرةِ واليمنِ وشمالِ إفريقيا والصومالِ ونيجيريا وما حولها، وتطورتْ إلى كياناتٍ جديدةِ الفكرِ وأسلوبِ العملِ، وامتلأَ الفضاءُ بصورٍ نمطيةٍ للتنظيماتِ الجديدةِ، من خطفٍ للفتياتِ ومشاهدِ الإعدامِ، وعن طريقِها تمَّ طرحُ تصورِ أنها هي التي تمثلُ الإسلامَ، وأصبحنا أمامَ ظاهرةٍ غريبةٍ أننا في الوقتِ نفسِه متهمون وضحايا، ولم نجدْ من يوضحُ أن المسلمين المتهمين بالإرهابِ هم ضحاياه، ولم يوجدْ من يتكلمُ بصراحةٍ أن التنظيماتِ وجدتْ وترعرعتْ في مناطقِ النفوذِ الأمريكيِّ ورديفِه الإيرانيِّ، بل إن هذه التنظيماتِ استُعملتْ بنجاحٍ منقطعِ النظيرِ في تدميرِ القوى المقاوِمة للاحتلالِ الأمريكيِّ في العراقِ، وتحطيمِ قوى الثورةِ السوريةِ، وأُرسلتْ لمواجهةِ طالبانَ، بل وتأديبِ رئيسِ الفلبينِ المشاكسِ!
وأختمُ بتصريحٍ خطيرٍ لرجلٍ كانَ يوماً ما واجهةَ أمريكا لاحتلالِ أفغانستانَ، وقيمةُ التصريحِ أنه خطيرٌ على صاحبِه، وأنه لم ينتشرْ بل تمَّ كتمُه كما في الكثيرِ من التصريحاتِ والبرامجِ التي تغردُ خارجَ السربِ، إنه تصريحٌ اتهمَ فيه الرئيسُ الأفغانيُّ السابقُ حامدْ كرزايْ الولاياتَ المتحدةَ بدعمِ تنظيمِ «داعشَ» في بلادِه، وقالَ كرزايْ إن عناصرَ داعشَ الذين يمارسون أنشطةً إرهابيةً في أفغانستانَ تمَّ جلبُهم جميعاً من الخارجِ لأجلِ بعضِ الأهدافِ (لم يحددْها)، ويتلقون دعماً من الولاياتِ المتحدةِ. وباختصارٍ إنهم مسمارُ جُحا!