الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ وإمامِ المرسلين، وبعدُ:
يخوضُ كثيرٌ من الفضلاءِ في الحديثِ عن عددٍ من مجالاتِ الخيرِ والدعوةِ والتأثيرِ التي لا يستطيعون القيامَ بها لمتطلباتِها الماديةِ التي تفوقُ إمكانياتِهم، أو لظروفٍ سياسيةٍ تحولُ بينَهم وبينَها، فيتحسرون على فواتِها، ويتألمون من عجزِهم عن تقديمِ أيِّ شيءٍ فيها.
يبقى مثلُ هذا الحديثِ معبراً عن جانبٍ إيجابيٍ من الحرقةِ للعملِ لنصرةِ الدينِ، والحزنِ على فواتِ ما ينفعُ، غيرَ أن تناميَ مثلِ هذا الشعورِ وكثرةَ الحديثِ عن المعجوزِ عنه يتسببُ في كثيرٍ من الأحيانِ في التفريطِ في المقدورِ عليه، فتتضخمُ في وعيِ المصلحِ المساحةُ التي لا يقدرُ على العملِ فيها بما يضعفُه عن المجالِ الذي يستطيعُه.
إن الأصلَ الشرعيَ الذي يجبُ أن يكونَ مستحضراً هنا هو قاعدةُ القدرةِ والإمكانِ، «لا يكلفُ اللهُ نفساً إلا وسعَها»، فالواجبُ أن يكونَ مدارُ الاهتمامِ والحديثِ لدى العاملين للإسلامِ هو في المجالِ المقدورِ عليه الذي هو محطُ التكليفِ، وكلما تضخمَ في وعيِ العاملِ للدينِ النظرُ في الممكنِ ساهمَ ذلك في تحفيزِه نحوَ العملِ، وإثارةِ الدافعيةِ لديه، حتى ربما يصلُ إلى مساحاتٍ كانَ يظنُ سابقاً أنها من المستحيلِ، والعكسُ صحيحٌ، فالذي يتضخمُ في وعيِه التفكيرُ في المساحةِ غيرِ المقدورِ عليها، تجدُه سلبياً وعاجزاً حتى في المساحةِ التي يقدرُ عليها.
إن الإغراقَ في تتبعِ الطرقِ المسدودةِ، ودوامَ التفكيرِ فيها؛ مدخلٌ من مداخلِ الشيطانِ، يُصدُ به بعضَ الفضلاءِ عن العملِ والدعوةِ والتأثيرِ، فيبقى الواحدُ منهم مكبلاً ثقيلَ الخطى ضعيفَ الإنجازِ!