الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:
مضت مئة عام منذ أصدر بلفور وعد حكومته لليهود باحتلال فلسطين عام 1917م، وقبل هذا الوعد بعشرين عاماً (1897م)، عقد اليهود مؤتمرهم الشهير في سويسرا بقيادة هرتزل، وفيه أعلنوا عزمهم الاستيطان بأرض فلسطين، وبين هذين التاريخين، بدأت الهجرة اليهودية المنظمة لفلسطين عام 1907م.
وبعد صدور الوعد بعشر سنوات (1927م)، اتفقت بريطانيا مع اليهود على المساحة التي ستُقضم من فلسطين في بداية الأمر، وفي عام 1937م تكونت أول نواة لجيش يهودي منظم مدرب، وفي سنة 1947م صدر قرار أممي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود.
وتحكَّم اليهود في الملاحة بخليج العقبة عام 1957م، وفي عام 1967م سيطروا على القدس كلِّها بعد حرب الأيام السبعة إلا يوماً، وبعد ذلك بعشرة أعوام (1977م) وصل السادات إلى فلسطين، ليحلَّ ضيفاً مدجناً على المجرم بيجن؛ ويوقع معه معاهدة سلام، كانت ولا تزال غير حميدة.
ولعل مؤشر الأحداث تغير مع انطلاقة الانتفاضة المباركة عام 1987م، وهو العام ذاته الذي ظهرت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس للعيان، وبعد ذلك بعشرة أعوام (1997م) اضطر اليهود للإفراج عن زعيم المقاومة الشيخ أحمد ياسين، بعد أن فشل عملاؤهم في اغتيال رئيس مكتبها السياسي في العام نفسه.
إن هذه السنين المتوالية، والأحداث المتعاقبة؛ قد أبانت لنا عن دلالات عدة، منها:
1 - أن النصارى واليهود يد واحدة ضد أمتنا، وإن اختلفوا.
2 - لا مصداقية البتة لعهود الكافرين ومواثيقهم.
3 - لن يتصدى المنافقون لأعداء الأمة أبداً، وإن فعلوا فلن ينجح مسعاهم.
4 - أن منازلة العدو العقائدي لن تثمر إلا إذا تولاها جيش له عقيدة صحيحة.
5 - أن السلام مع اليهود لعبة لقطع الأنفاس، وكسب الأوقات ليس إلا.
6 - لم تجد أمتنا من المنظمات الدولية وإعلاناتها الحقوقية إلا الغدر والمواقف المخزية.
7 - ستظل فلسطين والقدس قضية حية يجتمع عليها المختلفون غالباً.
وإننا لنأمل انبثاق فجر جديد قريب لأمتنا، يجعل من هذه المآسي تاريخاً ماضياً، ويفتح صفحات مجد، وعز، وجهاد، فنستعيد القدس التي فتحها الفاروق عام (15هـ/637م)، واسترجعها صلاح الدين عام (583هـ/1187م)، وتصبح الأمة المحمدية في موضعها الذي أراده الله لها، من الريادة والشهادة على الناس أجمعين.