الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:
يبدي كثير من الأفاضل الألم والحزن على ما قد يرونه في مجتمعاتهم من سلوكيات محرمة أو تغيرات سيئة، وقد تسيطر هذه الشجون الحزينة على مخيلة بعضهم فيبثها كثيراً في مجالسه وبين خلانه، وهذا يعبر عن صدق وغيرة أثمرا فرحاً برؤية مظاهر الطاعة، وحزناً لرؤية ما يخالفها.
غير أن ما يجب أن يكون أعمق حضوراً في وجداننا أن منزلة المسلم عند ربه ورفعة درجاته متعلقة بأعماله الصالحة، فصلاح المجتمعات أو فسادها ليس في رصيد الحسنات ولا هو منقص من الدرجات، فلو تقلب المسلم في مجتمع فاضل صالح، أو عاش في مجتمع تشيع فيه المنكرات، فلن ينفعه صلاح الأول ولن يضره فساد الثاني، إنما الذي ينفعه ويضره؛ الواجب الشرعي عليه في إصلاح نفسه، والقيام بحقوق الله وحقوق عباده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
استحضار مثل هذا المعنى الشرعي يحقق ثمرتين بالغتي الأهمية:
الأولى: أن لا يكون للانحرافات والتغيرات المجتمعية أثر في إضعاف الواجب الشرعي الملقى على عاتق الجميع، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فالإنسان مثاب على ما يقوم به، وليس الثواب أو العقاب مرتبطين بحال الناس، وما يطرأ على واقعهم من تغيرٍ حسن أو سيئ، فلا ييأس من الإصلاح لكثرة الانحرافات، ولا يكسل عن العمل لشيوع الخير والصلاح.
الثانية: أن يكون الجانب العملي النافع هو المسيطر على أحاديثنا وهمومنا، فبدلاً من ملاحقة أحوال الناس، والتأثر من أوضاعهم، يجب أن يكون التركيز على حال الإنسان نفسه، وما يجب عليه، وما يستحب له، فيقدم ما يستطيع، ويبذل ما يمكن، كما لا ينسى في غمرة ذلك مراعاة صلاح نفسه بتقوية صلته بربه ودوام ذكره والإلحاح في دعائه وملازمة عبادته.