الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
«إننا نودّ جميعًا أن نَعيش في بلدٍ تحكمه التوراة والشريعة اليهودية؛ هذه هي الإرادة الدينية لأيّ يهودي متدين». هذا ما عبَّر عنه أحد أركان حكومة نتنياهو، وتبدو عبارات وزير المالية أكثر وضوحًا حين يقول: «إن استراتيجيته الاقتصادية ستزخر بمعتقدات من التوراة»؛ متوقِّعًا أن يساعد ذلك البلاد على الازدهار. ناهيكَ عن الموقف من قضايا اجتماعية وقوانين الأسرة، وغيرها من الآراء والتّصريحات التي تصدر عن زعماء اليمين الديني في الحكومة الجديدة.
فهل من الممكن أن تتعايش الشرعية اليهودية مع الدور المنوط بها كدولة وظيفية تم زَرْعها قهرًا في المنطقة؟
مشروع الدولة اليهودية في الأساس مشروع استعماريّ، أراد الغرب التخلُّص به من جزء يُؤرِّقه عقديًّا وتاريخيًّا ومجتمعيًّا.
كان هذا هو الهدف الأول من مشروع إنشاء تلك الدولة؛ أن تكون حاضنة يُجْبَى إليها اليهود من أوروبا قَسْرًا ليُسْتَرَاح منهم.
أما الهدف الثاني فهو غرس خنجر حادّ بقلب العالم الإسلامي، ينزف بشكل دائم؛ حتى لا يستطيع النهوض.
هذا الخنجر المسموم لا بد أن يكون تبعًا للمواصفات الغربية؛ فالدولة الوليدة شرطها أن تكون على النمط الغربي بكل ما تحمله الحضارة الغربية من مضامين سياسية واقتصادية وثقافية وقيمية.
ولعقودٍ عدة كانت ثمة معوّقات تعتري دَمْج تلك الدولة اللقيطة؛ لكونها دولة احتلال بشكل كامل في المحيط العربي، ومع حالات الضعف التي تعاني منها الأمة والمنطقة العربية بشكل عام؛ أضحى حُلْم التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني هذه ودَمْجها، ثم ريادتها؛ أمرًا قريب المنال.
لكنَّ دولة الكيان الصهيوني مع نكهة تحكيم الشريعة اليهودية لا يمكنها أن تقدّم النموذج الغربي العلماني بكلّ مَشاربه الاجتماعية والقيمية والاقتصادية للمنطقة.
وهنا مَناط الخلاف، ونقطة الافتراق؛ فـ«الإبراهيمية» كمشروع تطبيعيّ في ذروة إنجاز الهدف الوظيفي للدولة العبرية، لن يتوافق مع الشريعة التوراتية كمشروع حُكم وإدارة لدولةٍ يُراد بها جَرّ المنطقة إلى النموذج الغربي.
فالذبح لا بد أن يكون على وفق الطريقة الغربية، فهل يتقبَّل الغرب ذبيحةً على غير هَدْيه؟! هذا ما ستُخبرنا به الأيام المقبلة.